بعد النقاش الطويل والجدل الكبير على قانون الضريبة الذي أقرته كتلة التغيير والإصلاح في المجلس التشريعي الذي انتخب قبل أكثر من تسع سنوات، وبعد أن جرى حديث عن أن القانون قيد النقاش وأن هناك إمكانية للتراجع حسم النائب جمال نصار أول من أمس بقوله «إن المجلس لن يتراجع عن قانون ضريبة التكافل .. قانون التكافل تم إصداره بصورة رسمية». ليس النقاش هنا حول «الصورة الرسمية» الداعية للتساؤل بعد انتهاء كل الولايات وكل الشرعيات لكن النائب وفي معرض شرحه لتبرير القانون قال «هدف القانون الأساسي التخفيف من معاناة الفئات الفقيرة في القطاع والمساعدة في الحد من نسبة الفقر والبطالة بعد أخذ نسبة معينة من التجار...».
لكن المقطع المصور للنائب نفسه الذي انتشر بالصوت والصورة على وسائل التواصل الاجتماعي كان النائب خلاله يطمئن التجار وهو يتحدث عن الضريبة قائلا «أنا أقول حطها على المواطن على المستهلك .. أنا أستغرب أنكم تتحدثون وكأنكم المتضررين .. لا..لا المواطن هو المتضرر» وهذه هي الحقيقة التي لا يمكن نفيها أن أية ضرائب يتحمل مسؤوليتها المواطن لأن التاجر يضع نسبة ربحه الثابتة في كل الظروف، لأن المسألة لا تعني الأغنياء والشركات فقط حين يعفى من القانون الدواء والدقيق ودونها يخضع للضريبة.
لقد اجتهد مؤيدو حركة حماس بالدفاع وتبرير الموقف، منهم من كان يدافع عن الضريبة ولكن يرفض ما قاله النائب ضد المواطن، ومنهم من قفز أمامنا جميعا باعتبار الضريبة مخططا مدروسا ضد إسرائيل، حيث أن ذلك يحد من الفواكه الإسرائيلية لأنه يعرف أن ارتفاع الأسعار المرتفعة أصلا سيمنع المواطن من شرائها، وهنا خوف التجار الحقيقي حتى لو بقيت نسبة أرباحهم ثابتة لكن كمية المبيعات ستقل وبالتالي ستؤثر على مستوى دخلهم.
هذه ليست الضريبة الأولى التي تفرضها حركة حماس التي ما زالت بقراراتها تقول إنها من يحكم غزة، والأزمة أنه كلما واجهت مشكلة مالية لجأت لفرض مزيد من الضرائب ومزيد من الأعباء على المواطن المسحوق، هو نفسه المواطن الذي تحدث عنه النائب وهو يطمئن التجار، وهذا كان مصدر القلق للنائب جميل المجدلاوي المعروف بجرأته في انتقاد النظام السياسي كله وليس فقط حركة حماس، والذي اعتبر أن الضريبة سيدفعها المواطن لصالح فقراء حركة حماس أي موظفيها، وبالرغم من مطالبته بحل أزمة رواتبهم وتأمينها بشكل دائم، إلا أنه تمت مواجهته بسيل من الاتهامات والتهجم على شخصه وصلت حد التخوين، وهو الأمر الذي يعيد النقاش حول رؤية حركة حماس لمعارضيها الذين عادة ما كانت تتهمهم بالتخوين أو التكفير ويعيد طرح نقاش فهمها للشراكة.
هذا لا يعني أن الآخرين أكثر تفهماً للمعارضة، ولكن ليس لديهم تلك الاتهامات المدعاة للإقصاء والقتل، فقد ألقى النائب عاطف عدوان سلسلة من الاتهامات لزميله النائب المجدلاوي على صفحته، وهي تضع ليس فقط الأخير بل اليسار كله في صفوف الخونة حين قال «كان اليسار العربي يسبح بالأمس باسم لينين وستالين ويتقاضى منهم الأموال، وعندما سقط الاتحاد السوفييتي دخلت أميركا وأوروبا على خط اليسار، وهي الآن من تمويله وتنفق على نشاطاته ومؤسساته» وفي تغريدة أخرى ذهب أبعد من ذلك فلم يناقش فكرة الضريبة مع زميله أو يحاججه بل بالهجوم على شخص هذا الزميل حين قال «لا يوجد له قاعدة في الجبهة لأن كثيرين يتهمونه بأنه فتحاوي يخترقها لمصلحة «فتح» وهو بوق فتحاوي .. يدافع عمن تنازل عن الوطن ويحارب المقاومة، فأي وطنية تلك التي يتمسك بها المجدلاوي؟».
هكذا وبكل بساطة اختلف مع حركة حماس التي وقف معها طويلاً ليتم التشكيك بوطنيته وبشخصه وتاريخه، فأي حوار هذا وأي منطق اختلاف وكيف يدار؟ وأية شراكة يمكن أن نرى وفقاً لهذه القواعد إذا كان هذا هو مستوى الاختلاف، وإذا كانت هذه الاتهامات تأتي على لسان نائب يفترض أن لغته في النقاش مع المعارضة محل تقليد لأجيال لاحقة يفترض أنها تراقب تجربة المجلس التشريعي وتتعلم أصول العمل البرلماني، فكيف ستكون لغة القاعدة وفهمها للآخر وهو السؤال الذي يعاد طرحُه، ما هي صورة الآخر بنظر حركة حماس وما هو موقفها من خصومها؟ وكيف تصنف من هو خارج الحركة؟ أسئلة لا بد منها
في ذروة الحديث عن المصالحة وتعثرها، فالمصالحة والشراكة والسياسة هي إدارة الاختلاف أولاً، هذا لا يعني أن النواب لا يختلفون، بل تشهد كل برلمانات العالم وحتى أكثرها ديمقراطيةً خطابات صاخبة وصراخاً، ولكن على الأفكار والسياسات وليس على الأشخاص الدفاع عن الفكرة بالحجة لا الاستعاضة عنها بنزع الوطنية، فهذا لا يجوز، وإذا كان يحدث مع نائب معروف بوطنيته منذ ستينات القرن الماضي فكيف سيكون الأمر مع المواطنين العاديين؟ من المؤسف أن نرى ذلك يحدث بعد ثماني سنوات من الصراع الذي بدأ بالتخوين وأصبح كل الوطن منشغلا بترميم ما انكسر في ذلك التاريخ الدامي والعودة عن نتائجه المدمرة بمحاولات المصالحة الكسيحة، يبدو أننا ما زلنا في المربع الأول.
غزة كلها في مأزق، شاء قدرها أن تدفع وحدها ثمن الانقسام ومحاولات الإقصاء، المسؤول في مأزق والمواطن في مأزق و»حماس» والفصائل والحكومة والشعب، الجميع ظهره للحائط ولا يحل هذا بالاتهامات أو بإلقاء مزيد من الأعباء على المواطن، بل بحاجة لحل سياسي قادر على إخراجها من عنق الزجاجة وهذا موجود لدى الفصائل فقط، وقد آن الأوان للقول بأن لعبة السلطة التي استهوت الجميع كانت لعبة قاتلة للشعب وللمشروع الوطني الذي نشهد جميعاً تراجعه، وهناك عشرات الشواهد التي لا تقبل المحاججة، ينبغي التفكير بهدوء كيف الخروج من هذه الورطة التي غرق بها الجميع والتي لن تنتهي بعدم الاعتراف بها وتجاهلها والهجوم على كل من يقف مدافعاً عمن يدفع ثمنها، فلم يعد هناك قدرة على الاحتمال.
في حالة غزة المحاصرة ينبغي وقف جباية كل أنواع الضرائب ليتمكن المواطن من الصمود، فهي بالكاد خرجت مدمرة من حرب مدمرة وتحتاج من يساعدها لتقف على قدميها لا أن يحملها مزيداً من الأحمال لتسقط، فقانون التكافل من سيدفع ثمنه هو المواطن كما قال النائب نصار صادقاً، هذا لا يعني أن الأزمة ستحل حين يتم إلغاؤه بل حين تحل الحكومة رواتب الموظفين، ولكن حتى يتم ذلك على حركة حماس تسليم الحكومة صلاحياتها كالمعابر والأمن والسيادة وأن تمكنها من ممارسة دورها كصاحبة الكلمة في غزة وأن تعترف «حماس» بأنها حركة سياسية مثلها مثل باقي القوى وأن ليس من حقها بعد تشكيل الحكومة أن تمارس أي سيادة إلا من خلال وجودها البرلماني بالتوافق إلى حين الانتخابات، فسلوكها في غزة يعكس سيادتها وحدها ويصادر دور الحكومة، فليس هكذا يتم التوافق، أزمة الرواتب مسؤولية الحكومة وليس حركة حماس، الحكومة من يحلها وليس جيب وقوت المواطن الذي ينزف فقراً ..!