قطاع غزة، هل نصحوا فجأة على إمارة أو دولة هناك؟

بقلم: رشيد شاهين

اصبح من المعروف ان قيادة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، مغيبة تماما عن كل المسائل المتعلقة بقطاع غزة، خاصة تلك التي تجري بين حركة حماس وسلطة الاحتلال، فهي "القيادة" تسمع عن ذلك كما يسمع اي مواطن عادي، إلا إذا "تكرمت" دولة الاحتلال ووضعتها بصورة بعض ما يجري "لرفع العتب" وبحجة انها تلتزم في "بعض" جوانب التنسيق المنصوص عليها في الاتفاقيات الموقعة.
التصريحات من قبل حركة حماس والتي تنفي بالمجمل نيتها إقامة دولة او إمارة في القطاع المحتل والمحاصر، لا تشي بانها حقيقية وتعبر عن الواقع الفعلي، فقبل حوالي اسبوعين، صرح القيادي البارز في الحركة محمود الزهار بأنه لا يرى غضاضة في تشكيل هيئة او جهة لادارة شؤون القطاع، وقال بان "بامكان من يشاء ان يسميها ما يشاء، فقد يسميها البعض اقليم غزة، او إمارة غزة او دولة غزة".
مثل هذا التصريح عندما يصدر عن قيادي بوزن الزهار، فانه لا يمكن اعتباره زلة لسان او ان الرجل يهرف بما لا يعرف، خاصة في ظل ما يقال عن اتصالات بين حماس ودولة الاحتلال، سواء كانت مباشرة، أو غير مباشر، بحجة اتفاقية لتبادل الاسرى، كما ان المتابع للتصريحات التي تبدو "متفائلة" بشكل كبير، حول اقامة ميناء في القطاع، لا يمكن فصلها عن الواقع وكأنها تاتي في سياقات منفصلة.
أما "الدردشات" التي كشف عنها القيادي في حماس أحمد يوسف لوكالة معا، فلا يوجد في عالم السياسة دردشات، هذه محاولة لتسطيح الأمور، إن لم يكن تسخيفها، فهذا يشير بشكل لا يقبل الشك إلى اتصالات تجري اعترف بها القيادي يوسف، من خلال اطراف مختلفة، وتشير الى ان الموضوع ليس مجرد "دردشات" بقدر ما تؤكد ان وراء الأكمة ما ورائها، وان ما يثار عن ميناء " احد اهم مظاهر السيادة والاستقلال للدول" واتفاقات لتبادل الاسرى، أمر يجري العمل عليه ليل نهار، أما محاولة نفيه لاتصالات مباشرة بشكل قطعي فهي لا تغير من الأمور شيئا،فليس ثمة ضرورة لاتصالات مباشرة طالما تؤدي الى النتائج والاهداف المرجوة.
وبالعودة الى طبيعة العلاقات التي نشأت بين الحركة الاسلامية ودولة الاحتلال بداية الثمانينات من القرن الماضي، فانه كان واضحا ان دولة الاحتلال كانت تبحث "باستماتة" عن بديل لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت في اوج وضعها، "بغض النظر عما وصل اليه حالها هذه الايام"، ولم تخف حركة حماس الرغبة في القيام بهذا الدور البديل عن المنظمة، وخاصة عندما انخرطت في العملية السياسية في ظل اتفاقيات اوسلو، برغم ما كان يقال عن معارضتها لها، حيث كانت عيونها على التمثيل الفلسطيني كبديل عن المنظمة، لا بل ان اهم الخلافات التي تحول دون انخراطها في المنظمة ومؤسساتها، ياتي على خلفية الحصص التي ستكون من نصيبها.
كما انه من المعروف ان دولة الاحتلال، كانت وما تزال تتطلع لانشاء كيان فلسطيني في قطاع غزة، يكون بديلا للطموح الفلسطيني العام بإقامة دولة فلسطينية في جميع الاراضي المحتلة بما في ذلك القطاع والقدس كعاصمة، حيث ترى دولة الاحتلال، انها باقامة مثل هذا الكيان تكون قد حققت الرغبة الفلسطينية في الحصول على دولة، وكذلك استجابت للرغبات الدولية في اقامة مثل هذا الكيان للفلسطينيين.
لا شك ان الوضع الذي تتمتع به حماس في القطاع يعطيها اليد العليا بكل ما يتعلق به، فهي تسيطر فعليا على كل شيء، كما ان ذراعها الامني يجعلها سيدة الموقف وصاحبة الكلمة الاخيرة في القطاع، خاصة في ظل غياب كامل لاي جهة يمكن ان تعلب دور الند لها.
الحديث عن دولة في القطاع، لم يعد عبثا ولا مجرد "نظرية مؤامرة" فالكل الفلسطيني وفلسطين والامة خاضعة كلها لمؤامرات دولية تستهدف الامة لتبقيها في قعر العالم تعاني من الضعف والتخلف والتبعية، بغض النظر عن قبولنا من عدمه، موافقتنا او عدم موافقتنا، حيث صار فرض الامر الواقع وسطوة القوة هي من يقرر في مصائر الشعوب.
اذا كانت التصريحات المتواترة حول اقامة "كيان" في القطاع، "كما يعتقد البعض" تاتي في سايق المناورة والتخويف، فانه لا يجوز البتة، المناورة في موضوع تقرير مصير الشعب الفلسطيني من خلال تصريحات يعتقد البعض انها للاستهلاك، او لارباك الاطراف الاخرى في المعادلة الفلسطينية.
من المؤكد ان الشارع الفلسطيني ليس بحاجة الى المزيد من الضغط والارباك، وهو ليس بحاجة الى "مفاجأة" مدوية مثل اوسلو التي طبخت بليل معتم ومن وراء ظهر الامة كلها وليس فقط شعب فلسطين، وهو ليس بحاجة ليصحوا وقد تم الاعلان عن التوصل الى قيام كيان مهما كان اسمه في قطاع غزة او غيره من بقاع الوطن، ومن المؤكد انه بات لزاما على حركة حماس تفسير منطق الداعين لاقامة دولة أو إمارة او سمها كما تشاء في قطاع غزة.
27-4-2015