في اليوم العالمي للعمال تحية إجلال لعمالنا الأبطال

بقلم: جمال أبو نحل

شعبنا الفلسطيني البطل وبرغم شلال الدم النازف من خاصرة الوطن السليب وآهات الأسري الأبطال في سجون الاحتلال؛ إلا أننا برغم كل الجراح والانقسام والمآسي نحتفي في كل عام بيوم العمال، كما وتحتفل معظم دول العالم بمناسبة سُميت "بيوم أو عيد العمال العالمي" والذي يصادف بعد يوم غدٍ الجمعة الأول من شهر مايو؛ وإن هذا اليوم له قصة تاريخية وهي بإيجاز: بدأت فكرة "عيد العمال" في أستراليا، عام 1856. ومع انتشار الفكرة في جميع أنحاء العالم، تم اختيار الأول من أيار / مايو ليصبح ذكرى للاحتفال بحلول الدولية الثانية للأشخاص المشتركين في قضية هايماركت والتي وقعت نتيجة للإضراب العام في كل من شيكاغو، إلينوى، والولايات المتحدة التي شارك فيها عموم العمال، والحرفيين والتجار والمهاجرين في أعقاب الحادث الذي فتحت فيه الشرطة النار على أربعة من المضربين فتم قتلهم في شركة ماكورميك للحصاد الزراعي، وتجمع حشد كبير من الناس في اليوم التالي في ساحة هايماركت. وظل الحدث سلمياً إلى أن تدخلت الشرطة لفض الاحتشاد، فألقى مجهول قنبلة وسط حشد الشرطة. وأدى انفجار القنبلة وتدخلت الشرطة لمكافحة الشغب مما نتج عنه إلى وفاة ما لا يقل عن اثنى عشر شخصاً بينهم سبعة من رجال الشرطة وتلى ذلك محاكمة مثيرة للجدل، حيث تمت محاكمة ثمانية من المدعى عليهم بسبب معتقداتهم السياسية، وأدت المحاكمة في نهاية المطاف إلى إعدام لسبعة من العمال. حادث هايماركت كان مصدرا للغضب للناس في أرجاء العالم. في السنوات التالية، وظلت ذكرى حادثة مقتل العمال في الذاكرة ضمن العديد من الإجراءات والمظاهرات الخاصة بالأول من مايو واليوم أصبح الأول من مايو احتفالاً دولياً للإنجازات الاجتماعية والاقتصادية للحركة العمالية. وعلى الرغم من أن الأول من أيار / مايو، هو يوم تلقى وحيه من الولايات المتحدة، فإن الكونجرس الأميركي قد خصص الأول من مايو كيوم للوفاء عام 1958، نظراً للتقدير الذي حظى به هذا اليوم من قبل الاتحاد السوفياتي سابقًا .

وبالرغم من أن عيد العمال يحتفل به الغرب ويدعي احترام حقوق العمال؛ إلا أن الإسلام كان أول من دعا إلى الحفاظ على حقوق العمال وكرامتهم وعدم التهاون في دفع أجورهم حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم :( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوفِهِ أَجْرَهُ). وكم هم العمال الفلسطينيين اليوم، الذين لا يجدون ما يسد رمقهم ولا يجدون قوت أولادهم ,اصبحت ظروفهم من سيءٍ إلى أسوأ؛ وكذلك من يعمل منهم يتعرض للظلم أحيانًأ والاستبداد من بعض أرباب العمل أصحاب القلوب الميتة وجاء في شطر الحديث:( وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوفِهِ أَجْرَهُ) أي استوفى منه الجهد واستوفى منه العمل ولم يوفه أجره، هذا الإنسان النبي عليه الصلاة والسلام خصمه يوم القيامة؛ وهنا نتذكر الخليفة العادل سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهُ حينما دخلت عليه زوجته فاطمة بنت عبد الملك فرأته يبكي في مصلاه قالت له مالك تبكي ؟ قال دعيني وشأني قالت له بالله عليك ما الذي يبكيك لما ألحت عليه قال: نظرت إلى الفقير والجائع وذي العيال الكثير والدخل القليل، وإلى المريض والكبير وإلى ابن السبيل، ولا أذكر الآن كم عدد يمكن مرة أعددتهم ثمانية عشر نموذجاً، فعلمت أن الله سيسألني عنهم جميعاً وأن خصمي دونهم رسول الله فلهذا أبكي؛ هؤلاء هم من أنصفوا العمال؛ ونري كذلك الفاروق سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "والله لو تعثرت بغلة في العراق لحاسبني الله عنها لما لم تصلح لها الطريق يا عمر، إذا شعر سيدنا عمر أنه مسؤول أمام الله يوم القيامة عن بغلة تعثرت في أقصى مملكته ولم يصلح لها الطريق سيحاسب عنها. هكذا فهم عمر المسؤولية لذلك لما سأل أحد الولاة ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ قال أقطع يده قال له سيدنا عمر إذا جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل سأقطع يدك. قال له إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم ونستر عورتهم ونوفر لهم حرفتهم فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها إن هذه الأيدي خلقت لتعمل فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية وإن العمال الفلسطينيين الأبطال يتعرضون لقرصنة الاحتلال ولبطشه وهضم أبسط حقوقهم الإنسانية ناهيك عن تعرضهم لمحاولات قتل عديدة من المستوطنين المجرمين؛ وهذا يتطلب منا جميعًا من القيادة والفصائل والتنظيمات والحكومة العمل جاهدين على إنصاف العمل وتوفير مقومات العيش الكريم لهم في وطنهم ليكون كل يوم هو تكريم وتقدير للعمال الأبطال.

بقلم/ د. جمال عبد الناصر محمد أبو نحل