تبددت الشكوك، مؤخراً، حول موت محمد ذياب ابراهيم المصري (أبو خالد) المسمى محمد ضيف. ضيف، الذي ولد في مخيم خان يونس في قطاع غزة سنة 1965، انجذب منذ صغره إلى الدين، وأصبح عضواً في أُطر مختلفة لـ «الاخوان المسلمين» إلى حين انضمامه لـ «حماس». في أيار 1989 أُدين وحكم لمدة 16 شهراً بسبب نشاطاته في الجهاز العسكري. ومع إقامة كتائب عز الدين القسام الذراع العسكرية لـ «حماس» انضم للنشاط العسكري، وكان تلميذاً للمهندس يحيى عياش، حتى اغتياله في العام 1996.
ضيف خلف عماد عقل بعد قتله في قيادة الذراع العسكرية لـ «حماس» في القطاع. وبمرور السنوات ومع نجاح اسرائيل في تصفية القادة العسكريين لـ «حماس» وبالأساس في الضفة الغربية ازدات أهمية ضيف كمرجعية تنظيمية ومهنية عليا في القيادة العسكرية. بعد تصفية صلاح شحادة في تموز 2002 سوية مع 14 شخصا من أبناء عائلته عُيِّن ضيف بصورة رسمية لرئاسة الذراع العسكرية لـ «حماس» في الضفة الغربية والقطاع معاً.
جرت 5 محاولات لتصفية ضيف، نجا منها جميعا، وتدور الأساطير حول شجاعته وحول قدراته الخارقة في التملص من التصفيات الإسرائيلية، ما منحه هالة من الغموض مثل ياسر عرفات في الماضي. المحاولة الأخيرة لتصفيته كانت في 21 آب 2014 في نهاية عملية «الجرف الصامد». موته ربما كان عنوان قمة المجد للنشاط الاسرائيلي المضاد وضربة معنوية قاسية للمنظمة، ولكن ضيف، الذي سبق وأصيب إصابة شديدة في محاولات تصفيته السابقة، نجح في التملص أيضاً في هذه المرة، مع أنه من الممكن أن يكون قد أصيب. في كل واحدة من حروب غزة ( الرصاص المصبوب، عمود السحاب، والجرف الصامد) بث الضيف خطاب نصر، رسائله كانت بالأساس – التحلي بالصبر أمام جرائم الاحتلال التي تتضمن قتل النساء أو الأطفال أمثال امرأته وولديه في محاولة تصفيته الأخيرة. آخر تسجيلات النصر هذه كان في 29 نموز 2014 وبعد حادث التسلل إلى موقع نحال عوز والذي قُتل فيه 5 جنود اسرائيليين. حذّر الضيف اسرائيل من كارثة، و»تبجَّح» بالنصر العظيم الذي أحرزه مقاتلو «حماس».
الضيف شخصية مُجمّعة وموحِّدة في صفوف «حماس»، تجربته التنظيمية الكبيرة في مجال خطف الجنود وتنظيم العمليات الاستشهادية والتي قُتل فيها مئات الاسرائيليين منذ 1995 منحته تقديراً كبيرا في الشارع الفلسطيني وفي تنظيمه. مخططاته العملية والتي تضم إنتاجا ذاتيا للقاذفات وبناء قدرة إطلاق ذاتية؛ بناء أنفاق للهجوم والاختراق في الوقت ذاته لعشرات «المخربين» من أجل خطف سكان وجنود كرهائن؛ إقامة ذراع بحرية وجوية وإقامة علاقات عمل وتنسيق مع التنظيمات الفلسطينية و «حزب الله» في الشمال و»داعش» في سيناء، تنسيق نشاطات شامل يجري أيضاً مع «سرايا القدس»، الذراع العسكرية للجهاد الإسلامي.
مغزى التنسيق القوي بين التنظيمات يتضمن أيضاً التقرب من إيران والحصول على مساعدة فعّالة منها وذلك من اجل البناء والتقوي. مقاربة ضيف هذه ليست جديدة، وبدايتها كانت في التسعينيات، ولكنها أحياناً تثير عداوات وجدالات داخل «حماس» فيما يتعلق في صحتها. التيار «المعتدل» في «حماس» يسعى للتقارب أكثر من السعودية في الحصول على التمويل والدعم ولكن طالما ضيف يواصل السيطرة على قيادة الذراع العسكرية فليس من المتوقع حصول تغيير في السياسة الحالية للذراع العسكرية وفي تطوره كجيش مؤسَّس فعلياً بقيادته.
فشل اسرائيل في تصفية ضيف معروض في مواقع الإنترنت وفي صفحات الفيسبوك التابعة لـ «حماس» وكأنه شيء رباني. هذا الرجل هو رمز للمقاومة، والرمز لا يموت ولا ينهزم أمام اليهود. إن فشل تصفية ضيف يؤكد في نظر المنظمة الضعف الاسرائيلي وهزيمتها في غزة «إما أن ننتصر أو نموت ميتة الشهداء» هذا هو شعار «حماس» اليوم وفي الماضي، الأكثر تماثلاً مع ضيف، كقائد للذراع العسكرية في كل المواجهات مع اسرائيل في السنوات الـ 13 الماضية، والمستعد لمواصلة المواجهة حتى المعركة الأخيرة لتحرير فلسطين.
بقلم: د. شاؤول برطال/عن «معاريف»