لا ندافع عن العملاء
أذكر أن لقائي الأول والأخير مع مخابرات الاحتلال كان خلال سفري عبر معبر رفح الحدودي قبيل انتفاضة الأقصى، ولا زلت أذكر كيف أن ضابط المخابرات عرض علىّ العمل معه (مُخبراً) مقابل منحي تصريحاً للذهاب إلى الضفة المحتلة عبر الممر الآمن، وكم كان غبياً ذاك الرجل حيث أنني لم أكن أرغب بالحصول على مثل هذا التصريح، وقدّر الله أن يحفظني من السقوط في هذا العار. هذه القصة التي عايشتها نموذج يومي يعيشه الفلسطيني رغماً عنه، فلطالما كان إسقاط الفلسطيني في وحل العمالة هدفاً استراتيجياً لدولة الاحتلال، فالعملاء هم العين التي يُبصر بها جيش الاحتلال.
فكم من عامل اضطُر وتحت ابتزاز ضباط مخابرات الاحتلال للقبول بالسقوط في وحل العمالة بحثاً عن لقمة العيش لأطفاله، وكم من طالب ارتضى ذلك طمعاً في السماح له بالسفر لإكمال تعليمه الجامعي، وكم من رجل استدرجته مخابرات الاحتلال في لحظة ضعف وثقتها الكاميرا، فأضحى عميلاً رُغماً عن إرادته، وليس هذا هو الأسوأ، بل ما تقوم به قوات الاحتلال من استدراج أولئك العملاء المستجدين لتُغرقهم أكثر فأكثر في وحل الخيانة من خلال توجيههم للقيام ببعض الجرائم التي يندى لها الجبين، لنجد في النهاية أننا أمام محتل بوجه عربي مألوف، يسكن بيننا ويتكلم بلساننا.
وعلى مدار عقود مضت كان رجال المقاومة الفلسطينية هدفاً لمخابرات الاحتلال في محاولة لإسقاط بعضهم في ذل الخيانة، لكن وعي أولئك الأبطال المخلصين من شتى الفصائل حفظهم وحفظ شعبنا الذي ينبذ كل عمل يخدم الاحتلال.
لكن ذلك لا ينفي نجاح الاحتلال في ابتزاز وإسقاط عدد من الشرفاء من شتى الفصائل ودون استثناء، فكم من خائن وصل إلى منصب مرموق قبل أن يتم اكتشافه، وكم رجل ضعيف النفس استدرجته مخابرات الاحتلال فأضحى عميلاً مخضرماً يخدم الاحتلال أكثر من جنوده، فسعى لاختراق فصائل المقاومة حتى وصل إلى مواقع قيادية وإن كانت محدودة.
تنقية الصفوف من العملاء لا يشكل عاراً لفصائل المقاومة بل هو أمر محمود من الكل الفلسطيني، ولكن تبقى النقطة الأكثر أهمية، ماذا بعد الانتقام من هذا الخائن ؟ فالعادات السائدة في مجتمعنا يشوبها الكثير من الخلل، فكم من فتاة حُرمت من الزواج بسبب إجحام المجتمع عن الاقتران بأسرة عميل خائن، ولا أُخفيكم سراً أنني التقيت قبل عدة أسابيع بشاب لم يبلغ السابعة عشر ربيعاً هو ابن لأحد الذي غادروا الحياة الدنيا بعار الخيانة، فأخذ يحدثني بقلب منكسر عما يختلج في صدره من شهوة الانتقام من هذا المجتمع، فهو يتجنب مجرد الذهاب إلى المسجد خوفاً من نظرة هنا أو هناك. أليس هذا خطأ مجتمعي نتحمل وزره جميعاً ؟ ماذا لو امتلك هذا الشاب بعد سنوات القوة والمال التي يصاحبها شهوة الانتقام، ألن يصبح عنصراً فعالاً في هدم نسيج مجتمعنا الفلسطيني ؟
التعامل مع العملاء حال اكتشافهم يجب أن يتم بأعلى درجات السرية من قبل أمن المقاومة والأجهزة الأمنية، سواءً أكان الخائن مواطناً مدنياً أو عنصراً نجح في اختراق فصائل المقاومة، ويجب إيقاع أشد العقوبة به، ولكن علينا ألا ننسى أن هؤلاء المجرمين هم ضحايا لمخابرات الاحتلال قبل أن يكونوا عملاء، فلا بد من الإعلان عنهم كشهداءَ للوطن حال إعدامهم، ولنا في الثورة الجزائرية أسوة حسنة. نعم لننتقم منهم ولكن يجب علينا أن نحرص على عدم تدمير عوائلهم ومستقبل أبنائهم.
لا ندافع عن العملاء بل ندافع عن تماسك المجتمع ووحدته الاجتماعية والحفاظ على أبنائه الصغار من شهوة الانتقام من المجتمع، وإن لم نفعل ذلك نكون قد حققنا ودون قصد منا ما يهدف إليه الاحتلال من تدمير النسيج المجتمعي الفلسطيني.
بقلم: ماجد الزبدة – إعلامي فلسطيني