في مقابلة على الهاتف مع وكالة معا بتاريخ 26 أبريل 2015م، تحدثنا حول عدة موضوعات تخص ساحتنا الفلسطينية، وقد حاولت فيها أن أعطي إجابات مقتضبة لبعضها، وكالعادة فإن الإعلاميين يفضلون العناوين المثيرة للفت الانتباه لما يتمَّ تناوله أحياناً من قضايا، ربما هي بالنسبة لهم حديث الساعة، والناس – عادة - تتلهف لسماع كلمة فيها. إن ما أورده موقع (معا الإخباري) على لساني جاء على الشكل التالي:
"الكشف عن دردشات اسرائيل وحماس".. كشف أحمد يوسف القيادي في حماس عن ما أسماه "دردشات" بين الحركة وإسرائيل بوساطة أوروبية, إضافة إلى مفاجآت تتعلق بالأسرى الإسرائيليين" .
وقال يوسف: "يأتي دبلوماسيون أوروبيون أو نشطاء مجتمع مدني إلى قطاع غزة باستمرار ويطرحون وجهات نظر إسرائيلية، وينقلون ردَّات فعل الحركة خلال دردشات غير رسيمة".. فعلى سبيل المثال؛ هناك دردشات تتعلق بملفي التهدئة والميناء تنقلها جهات أوروبية بيننا وبينهم، يقول يوسف. "الهدف هو إيجاد مخرج لقضية الحصار، وذلك بفتح ممر بحري للتواصل مع العالم الخارجي"، قائلاً: "ما زال كله في طور البحث والنقاشات".
ونفى يوسف بشكل قاطع ما يتردد عن وجود اتصالات مباشرة بين حماس والإسرائيليين.. وكشف مستشار هنية السابق عن توسط أطراف خارجية للتفاوض حول موضوع الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى الحركة.
وقال "في يد حماس العديد من الأوراق المهمة والمفاجآت في موضوع الجنود المفقودين".
وقال "قلنا لكل الوسطاء لن تكون هناك صفقات جديدة قبل التزام إسرائيل بما تمَّ الاتفاق عليه بالقاهرة، وذلك بإطلاق سراح الأسرى الذين أُعيد اعتقالهم بعد خطف المستوطنين الثلاثة بالخليل العام الماضي".
وقال: "ستخضع إسرائيل في النهاية لمفاجآت حماس...سيتم بحث الملف بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية".
واضح من النصِّ بشكل جليّ أنني لم أقل بأن حماس تجلس أو تفاوض الإسرائيليين، أو تفكر حتى في التعاطي المباشر معهم.. ومن فهم غير ذلك سنحيله لمراجعة الجدلية التاريخية المشهورة للشاعر أبي تمام، وذلك عندما سأله أحدهم: "لِمَ لا تقول ما يُفهم؟! فرد عليه: وانت لِمَ لا تَفهم ما يُقال؟!"
مئات الاتصالات الهاتفية من إعلاميين لاحقتني، وأربكت جدول عملي ليومين متتاليين، ثم توسعت النقاشات والتعليقات وردود الفعل من شخصيات إعلامية وفصائلية وأيضاً من بعض طهابيب السياسة، والتي جعلتني أعيش شعور "الليِّ عامل السبعة وذمتها".!! مع أن الكلام ليس فيه ما يستدعي ذلك.
لذلك، وجدت نفسي مضطراً للتعقيب على بعض ما ورد منها، والتي أخذت طريقها – بشكل تهكمي وتحاملي مستفز - لوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بهدف التوضيح ليس إلا.
وحيث إننا هنا في غزة نعرف بعضنا البعض، ونفهم لماذا يكتب كل من يكتب، وما الهدف من وراء ذلك.. لذا، أعذروني إن تجاوزت الأدب في الرد على من تعمد الإساءة بقصد أو بغيره، وجاوز بتحليله مواقف وأبجديات سياسية لا يختلف عليها اثنان.
في الحقيقة، أنا أعرف أن الهدف من وراء هذه الضجة المفتعلة ليس شخص أحمد يوسف، بل هو حركة المقاومة الإسلامية (حماس)؛ لأن مستنقع السياسة الفلسطينية - اليوم - لم يعد يتقبل الطهارة وأصحاب المبادئ والقيم، وهذا – للأسف - ليس موقفاً عرضياً، بل هو سابقة تاريخية تمَّ التعبير عنها قرآنياً، على لسان زنادقة ذلك الزمان، بالقول: (أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون).!
هناك بعض وعاظ السلاطين وماسحي الجوخ السياسي لم يدخروا كلمة للتشهير بحماس إلا وقالوها، وأخص منهم: السيد محمود الهبَّاش؛ كبير السحرة، وعمر حلمي الغول، وموفق مطر، والدكتور وائل الريماوي، وآخرين. وقد آثرت أن يكون عدم الرد على ما أوردوه من ترهات وأباطيل، هو الرد؛ باعتبار أن اللغة المتداولة هي للكفر أقرب منها للإيمان.
حماس: رد يستوجب الرد
في الحقيقة، جاءت بداية التعليق على التصريحات الواردة عني هي على لسان الأخ الدكتور إسماعيل رضوان، حيث نفى وجود "دردشات" أو حوارات بين حركته وبين إسرائيل، مشدداً على أنه" لا حوار ولا اتصال مع الاحتلال إلا من خلال البندقية."
وأجاب د. رضوان في برنامج تلفزيوني على قناة "فلسطين اليوم" الفضائية، على سؤال للمذيع إن كان ما نُقل عن القيادي في حركة حماس أحمد يوسف من وجود حوار أو "دردشات" ما بين حماس واسرائيل صحيحاً أم لا؟ قال: "إن يوسف لا يمثل رأي الحركة الرسمي، ولا يعبر عن موقفها، إنما يعبر عن رأيه الشخصي، ويتحدث بصفته الشخصية كأي سياسي أو محلل".
صحيح؛ أنا في الكثير مما أكتب وأتحدث به لا أمثل رأي الحركة الرسمي؛ لأن الرأي الرسمي كما تعلمنا في أدبيات السياسة هو ما يخرج على شكل بيان أو عبر مؤتمر صحفي، وليس من خلال لقاء تلفزيوني أو خطبة جمعة، لأي شخص مهما كانت جلالة قدره. فليس كل من أطل علينا في برنامج تلفزيوني مهما كانت مكانته - كقيادي أو قيادي بارز - واجتهد رأيه نسلم بكل ما قال ونعتبره رأياً رسمياً، وإلا فإن حجم ما يُضخ إعلامياً حول حالتنا الفلسطينية، وتعليقات ومواقف هؤلاء القادة تجاه واقع وسياسات المنطقة، كافٍ لوضعنا في مشهد سريالي من حيث انتفاء وحدة الفهم وغياب وحدة الموقف، وعبثية التحليق في فضاء السياسة، بكل ما تتطلبه من فطنة وذكاء. ففي عالم السياسة، هناك اجتهادات، وهناك تسريبات، وهناك رسائل مبطنة مطلوب توصيلها للساحة الفلسطينية، وللجوار العربي والعمق الإسلامي والمجتمع الدولي، وهناك تحذيرات نحتاج إلى تسويقها لكي يفهم العدو قبل الصديق والشريك الوطني، وهناك وهناك. هذه هي السياسة، وهذه هي أدواتها، وعلى غير المستوعبين لهذه المهنيّة والحكمة فهم ذلك.
فأنا كشخص مخضرم وصاحب رؤية سياسية، وككاتب ومفكر وصاحب علاقات واسعة بالداخل والخارج ربما أمتلك من المعطيات والمعلومات ما يجهلها بعض قيادات في الحركة، وهذه نعمة يتفاوت الناس في حظوظها وقدرة التعبير عنها. أنا لا أختلف مع الدكتور العزيز في بعض ما قاله، ولكن بالطبع لا تعجبني طريقته في التعبير عن موقعي في الحركة وقدرتي في التعبير عن مواقفها، فأنا ابن هذه الحركة منذ خمسة وأربعين سنة، وقد تقلدت مواقع في كل مناصبها الحركية، ومكانتي فيها تنظيماً أعلى منه، ولهذا أكرر القول بأن ما تجرأ على قوله عني يحتاج إلى اعتذار.
وفي سياق متصل، وحرصاً على توضيح الموقف، قام مراسل (دنيا الوطن) أسامة الكحلوت بإجراء مقابلة مع الأخ المهندس عيسى النشار، ونشرت بعنوان "هل تُفاوض حركة حماس.. إسرائيل ؟"، جاء ملخصها على النحو التالي:
(دردشات) مصطلح أطلق قبل أيام لوسائل الإعلام في تصريح على لسان د. أحمد يوسف؛ المستشار والمقرب لرئيس الوزراء السابق إسماعيل هنية، وذلك عن وجود تفاهمات مع إسرائيل وحركة حماس - بطريقة مباشرة وغير مباشرة - وصفها بالدردشات.. وسرعان ما انطلق المحللون والكتَّاب بشرح هذا المصطلح الجديد على الساحة السياسية، باعتباره بداية اتصالات وتفاهمات لمفاوضات بين حماس واسرائيل على قيام دولة بغزة، والسماح ببناء ميناء، بالمقابل الموافقة على تهدئة طويلة مع اسرائيل تصل لعشر سنوات بجهود دولية.
وفى سياق الرد، فقد نفى القيادي في حركة حماس المهندس عيسى النشار ترجمة وأساس مصطلح الدردشات الأخير على أنه مفاوضات تهدئة بين إسرائيل وحركته، ولا ينبغي لمثل هذا الحديث أن يكون؛ لأنه لن يكون هناك حل على حساب المصلحة الوطنية وفصل غزة عن الضفة الغربية أو إقامة أمارة بغزة، واصفاً إياها بـ"التصريحات المغرضة".
وعلق على تصريحات الدكتور يوسف: قائلاً: "قد تكون مصادره خارجية أو جهات تحاول التوصل لهذا الاتفاق عبر أطراف غربية لتنسيق الأفكار، والدكتور يوسف ليس مقرباً من هنية، وليس هناك تجاوب من حركة حماس مطلقاً مع هذه الأفكار، لأنها تمس المواطن، ومستقبل القضية الفلسطينية".
أما السيد ياسين عز الدين، فقد كتب مقالاً أشبه بالتعليق على ما تمَّ نشره، تحت عنوان:" ما هي حقيقة "الدردشة" بين الاحتلال وحركة حماس؟"، حاول مشكوراً أن يسجل موقفاً لا نختلف حوله من توضيح فكرة التفاوض مع الاحتلال، وهذا خلاصة ما أورده.
إن الكلام عن دردشة بين حماس وحكومة الاحتلال فيه الكثير من اللغط:
أولًا: الدردشة في لغة السياسة معناها كلام غير ملزم وأنه لا يوجد اتفاق قريب، وبالتالي لم يكن هنالك داعي لأن يتباهى السيد أحمد يوسف بتبادل المطالب عبر وسيط أوروبي، واستخدام لفظ مثل دردشة.. وخاصة أن السلطة الغارقة في وحل التعاون مع الاحتلال، وهي تبحث عن أي شيء لتثبت أنها ليست وحدها في مجال الخيانة وأن الآخرين مثلها.
ثانيًا: صحافة السلطة والاحتلال استغلوا الموضوع ليدخلوا قضايا لم يتمَّ الكلام عنها، مثل الهدنة طويلة الأمد، ليقولوا أن حماس تسير على درب السلطة.
ما تمَّ الكلام فيه هو تبادل الأسرى والميناء والحصار، ومثلما ذكرت لا يوجد شيء، وكلامه عن دردشة، يعني أننا أبعد ما نكون عن الاتفاق.
ثالثًا: حلم البعض بأن تغرق حماس في وحل التفاوض والمسار السلمي لن يتحقق، مهما حرصوا على استغلال كل تصريح مثير للجدل يخرج من أحمد يوسف، فلهم سنوات طويلة يبشرونا بسقوط حماس، وكل مرة تثبت حماس أنها أكثر تمسكًا بالثوابت.
يحرفون الكلم عن مواضعه:
في مقال كتبه د. عبد المجيد سويلم، تحت عنوان: "أوّل الرقص دردشات"، قال: "لم يعجبني "تفسير" أو بالأحرى تبرير د. أحمد يوسف "للاتصالات"، التي تمَّ تداولها في وسائل الإعلام - مؤخراً - بين إسرائيل وحماس.. إذ أن الدردشات التي أشار إليها د. يوسف يمكن أن تكون مجرد بداية (طبيعية ومنطقية) مثل كل بداية من هذا النوع، كما يمكن أن تكون هذه الدردشات هي مجرد جسّ نبض بين الطرفين لبناء مطالبات قابلة للتداول فيما بعد.. في كلا الحالتين نحن لسنا أمام دردشات من أجل الدردشة، وإنما نحن أمام مفاوضات غير مباشرة حول موضوعات بعينها وقضايا محددة".
هذا كلام قد نتفق حوله أو نختلف، ولكن من الواضح أن معرفة د. سويلم بالسياسة قد أهلته لهذا القول، ولكني وبنفس الروح من الوعي أؤكد بأن حماس ليس في وارد رؤيتها السياسية التعاطي مع الاحتلال، ليس من باب الحلال والحرام في العملية التفاوضية، ولكن من باب القناعة بأن إسرائيل وحكومة نتانياهو ليس لديها رؤية للسلام مع الفلسطينيين، وأن اللغة الوحيدة للتعامل معها هي البندقية وتعبئة الأمة العربية والإسلامية لمعركتها الفاصلة مع الاحتلال.
يا د. عبد المجيد.. كن على ثقة بأن حماس وفصائل المقاومة هي الضامن لتعطيل وإفشال أية تسويات لا تضمن الحفاظ على الحقوق والثوابت الفلسطينية.
أما الصديق شريف النيرب؛ عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين، فقد كتب على موقع (دنيا الوطن) بعنوان "تصريح الدكتور أحمد يوسف" سطوراً أقرب للتغريدة، قال فيها: "لم يكن تصريح د. أحمد يوسف صدفة، الذي قال فيه إن بين حماس وإسرائيل دردشات من خلال وسطاء أوروبيين".
وأضاف: "لم تنفِ حماس ما جاء في تصريح دكتور يوسف، وفي العادة تُنفى تصريحات كثيرة منسوبة له، وقد سبق وأن صرح القيادي د. موسى أبو مرزوق بأن المفاوضات مع إسرائيل ليست حراماً، وقد كان شجاعاً في الاعتراف الأول من مسؤول كبير في الحركة عن مفهوم المفاوضات، غير أن الحركة سارعت إلى تجميل التصريح (إننا نفاوض إسرائيل بالبنادق (.. إذن؛ لماذا هذا السيل في التلويح بالمفاوضات ؟؟ وتجميل المصطلح بالدردشات؛ الدروشات.. المزحات.. النكشات ؟؟
باختصار: كلما وجدت حماس نفسها تحت ضغط تجاهل مطالبها المتعلقة بما تراه التزاماً من السلطة الفلسطينية تجاه موظفيها أو مسؤوليتها تجاه غزة، فإنها برأيي تبعث للسلطة رسالة مبطنة مفادها (نحن جاهزون لملاحقتكم في مشروع أوسلو)؛ أي مشروع السلطة الفلسطينية، التي ترفضه حماس، وتتخذه مشرحة لتشويه السلطة الفلسطينية".
في الحقيقة، إن هذا الظن (وبعض الظن إثم) بحماس إنما هو كلام يفتقد إلى الواقعية والأمانة والصدق، فليس في تاريخ حماس وفكرها السياسي ما يشي بأنها معنية بالتفاوض مع الاحتلال، وتركت المجال للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وللرئيس محمود عباس، وكانت حماس تعترض وتعلق وترفض عندما تجد أن ثوابت القضية تتعرض للاعتداء عليها وانتهاكات مقدساتها. لذلك فليطمئن الصديق العزيز بأننا غير معنيين بالتفاوض ولكننا في الوقت نفسه سنظل الأمناء على حماية المشروع الوطني الفلسطيني، لا نقيل ولا نستقيل.
أما الصديق العزيز د. خضر محجز (أبو حذيفة) فقد تناول الموضوع على موقعه على (الفيس بوك) بطريقة تهكمية وبإسفاف لا يليق بمكانته التي يعلم تقديري لها، وهذا ما كتبه صديقنا العزيز: "مع أن أحمد يوسف قيادي أكبر منه، قال إسماعيل رضوان، الذي يصفونه بأنه قيادي في حماس، معلقاً على ما صرَّح به أحمد يوسف من وجود دردشات، مع الذي كان عدواً صهيونياً، بأن: "لا حوارات سرية مع الاحتلال، سواء تحت الأرض أو فوق الأرض"، ثم بين بصورة لا تقبل الشك بأن: "حماس لا يمكن أن تجرب ما جربته السلطة الفلسطينية من مفاوضات مع الاحتلال". وزاد القيادي الحمساوي الكبير الأمر توضيحاً بقوله: "لا مفاوضات مع الاحتلال إلا من خلال البندقية".
النتيجة: 1ـ أن أحمد يوسف لا يقول الحقيقة أو 2ـ يفتعل حدوث ما لم يحدث أو 3ـ أن الدردشة حدثت، ولكن هناك (Big Boss) قال لإسماعيل رضوان أن ينفي أو 4ـ أن إسماعيل رضوان غاضب من أحمد يوسف لسبب ما أو 5ـ أن إسماعيل رضوان مطلع أكثر من أحمد يوسف أو 6ـ أن أهل شمال غزة لا يحبون أهل رفح أو 7ـ أن أهل رفح في نظر أهل غزة متسرعون أو 8ـ أن أحمد يوسف مهمش في حماس، وينتظرون أن يطفش لحاله، بدل أن يمرمطوه.
الخلاصة؛ أحد الرجلين كاذب، مع أن كليهما شيخ، فهل يجوز؟".
أنا أتساءل فقط ألا يجد شخص أكاديمي متميز وعالي الثقافة مثلك، وكان لوقت قريب من قيادات الحركة الإسلامية، أفضل من هذا التعبير، لشخصين كان أحدهما وزيراً للأوقاف، والآخر مستشاراً سياسياً لرئيس الوزراء. باختصار: عيب يا دكتور. لقد تعلمنا من ديننا الحنيف "وقولوا للناس حسنا"، ومن آداب السلوك العامة "أقيلوا لذوي الهيئات عثراتهم". هذا إذا افترضنا أن هناك عثرة. سامحك الله وغفر لك.
أما أخونا الصحفي ياسر الزعاترة فقد كتب في صحيفة "الدستور الأردنية" تحت عنوان: (حول "دردشات أحمد يوسف" وردود السلطة")، قائلاً: "الذين يكرهون حماس، ويتصيَّدون أخطاءها لم يجدوا منذ مدة أفضل من الهدية التي قدمها لهم أحمد يوسف بحديثه عما أسماه "دردشات" مع الإسرائيليين حول صفقة تخص تهدئة طويلة الأمد في قطاع غزة..". وأضاف: "منذ زمن لم يتحفنا أحمد يوسف بشيء من أفلامه التي يغرد بها خارج السرب، لكن الأمانة تقتضي القول إن الذين تحدثوا عن تصريحاته لم يكونوا أمناء في النقل، فهو أكد على أن "الدردشات" ليست مباشرة، وإنما هي عبر أطراف أخرى، وهي كلمة بائسة في وصف شيء من قبيل أن يسأل دبلوماسي أوروبي قيادياً في حماس عن رأيه أو رأي حركته في كذا وكذا.. من هنا، جاء الرد من حماس عبر إسماعيل رضوان، وقبله زياد الظاظا وآخرون بنفي كلام أحمد يوسف، والتأكيد على أنه لا يمثل الحركة..".
واستطرد قائلاً: "من جهة أحمد يوسف، فإنني أظن، وليس كل الظن إثم، أنه لا يمانع البتة في إجراء مفاوضات مباشرة مع الصهاينة وليس عبر وسطاء، وهو لا يرى في ذلك أية مشكلة، وهذا طبعا من ملامح “الانفتاح” و"العبقرية السياسية"، التي تقنع صاحبها بأن بوسعه النجاح فيما فشل فيه الآخرون عبر عقود طويلة من التفاوض، ولا شك أنه يشعر بالزهو حين يسمع من بعض الدبلوماسيين الأوروبيين كلمات الإطراء والمديح لذكائه ووعيه وانفتاحه!!"، وختم بالقول: "ويبقى أن عليهم؛ أي حماس، أن يُلجموا أمثال أحمد يوسف حتى لا يشوّهوا هذا التاريخ، أو يسمحوا للمتصيدين في المياه العكرة باستغلال تصريحاتهم في معرض التشويه، وإذا لم يلتزم، فليترك الحركة، وليذهب “يدردش” مع من يشاء كما يحلو له"!!.
ترددت كيف يمكنني الرد على شخص "ما ترك أحداً من شرّه"، وهو كادر إسلامي سبق أن جرت بيننا وبينه حوارات كثيرة واختلفنا معه، فالرجل رغم فصاحة لسانه إلا أنه تنقصه الحكمة ويناقش – دائماً - بشكل موتور.
لذلك، آثرت أن أذكره بأننا في "أرض الرباط"، وبأننا من أصحاب "وهج السنابك والغبار الأطيب"، وكنت أتوقع من قلمه أن يكون أكثر استقامة، فنحن بحسب المصطلح الديني من "أهل بدر"، ومثل هذه الحملة التي تستهدف الحركة ونصال المقاومة لا تغيب عنه، لكنه لم يختلف عن الآخرين؛ وبدل أن يدافع عن حماس وأنها حركة لا تساوم على ثوابت القضية الفلسطينية، فضل مهاجمة شخص من كوادر الحركة وأحد قيادتها ويحظى باحترام واسع في فلسطين وخارجها.
إن السياسة يا أخ ياسر تتطلب المعرفة بفن التخذيل، لذلك هناك علم اسمه "مقاصد الشريعة" و"فقه المآلات"، وهناك في السياسة الشرعية "المصالح المرسلة"، وغير ذلك من العلوم التي لا تجهلها، باعتبار خلفيتك الإسلامية.
إن صاحب الفطنة والذكاء السياسي هو من يُحسن قراءة الواقع واستشراف وقع الخطر قبل وصوله، والعمل للنجاة وتدبير المستقبل.. ولعل ما تعلمناه في السيرة النبوية ذلك الموقف لرسول الله (ص) حين وضع ثلث ثمار المدينة من أجل التخذيل عن المسلمين وتحييد الخصوم، فلما احتج البعض على اجتهاده، قال موضحاً: "ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم إلى أمرٍ ما".
لذلك، أقول - بأسى - للأخ ياسر: نحن عقدنا العزم منذ أن بايعنا هذه الحركة منذ أزيد من أربعة عقود على أن نموت من أجل أن تحيا فلسطين، وأن يتحرر أقصانا من دنس الاحتلال.. فهذه الحركة هي أمي وأبي، بل هي أكبر من ذلك، وسنظل الأوفياء لها، والسند الأمين لمقاومتها، والذراع الضارب للذود عن حياضها، وسنلقى الله وسيف الحق مرفوعاً في يدنا.. أما ما نفعله في السياسة، فهذا شأن آخر لا تفقه - أنت وغيرك - الكثير منه، وتذكر أن من أراد أن يتعلم السياسة فليقرأ التاريخ، إذ إن العبرة في التفاوض هي مدى نجاحك في الوصول إلى ما تطلبه وتتطلع إليه، وتاريخنا الإسلامي شهد توقيع أكثر من ثمانمائة اتفاقية صلح عقدها المسلمون مع أعدائهم، لعل من أشهرها: "صلح الحديبية"، الذي وقعه الرسول (صلى الله عليه وسلم) مع كفار مكة، وكذلك "صلح الرملة" بين صلاح الدين والصليبيين.
كلمة أخيرة للأخ ياسر؛ إذا كنت بهذه الغيرة المفتعلة على حماس والحالة الفلسطينية، فلما لم نجدك – يوماً - تأتي لتغبر قدميك ساعة من أجل غزة..؟!! سامحك الله وغفر لك.
ختاماً: إن الفراغ السياسي، وغياب الأجندة الوطنية، وتعثر رؤية الجميع حول المخرج من ورطتنا ومحنتنا الوطنية، هي المحرك وراء معظم هذه التناقلات الإعلامية الفارغة؛ والتي تهدف لتشويه صورة حماس ومكانتها المتميزة في ساحتنا العربية والإسلامية.. والذي يعرفه الكثيرون عن حماس أنها الرقم الصعب، وأنها الأمين على مشروعنا الوطني، وأن ما نعانيه من حصار وتضيق على أهلنا في قطاع غزة إنما هو بسبب صمودنا، وحرصنا على حماية القضية والدفاع عن ثوابتنا الوطنية. لقد أكدت حماس في أكثر من تصريح بأنه "لا دولة في قطاع غزة، ولا دولة بدون غزة"، وأننا متمسكون بالمصالحة لإنهاء الانقسام، ونتطلع لانتخابات على قاعدة الشراكة السياسية والتوافق الوطني، وأننا نعمل على تعزيز الارتباط الاستراتيجي بعمقنا العربي والإسلامي، وكسب تأييد المجتمع الدولي وتضامنه مع قضيتنا وحقوق شعبنا.
باختصار؛ هذه هي حماس في برنامجها السياسي وفعلها المقاوم بدون لف ودوران، والأيام بيننا.