لا بديل عن المصالحة الفلسطينية إلا المصالحة ...!!!

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

تخطئ حركة حماس في إصرارها بالبحث عن بدائل للمصالحة الوطنية الفلسطينية، إن إمكانية إستمرار حركة حماس وغيرها من فصائل العمل الوطني والقومي والإسلامي في المشهد السياسي الفلسطيني، وإثبات فاعليتها وحضورها لا يمكن أن تتأتى لها أو لغيرها من خلال سياسات التفرد والإلغاء والإقصاء للآخرين، إن الوطن الفلسطيني شأنه شأن أي وطن في هذا الكون يتسع لجميع مواطنيه على إختلاف مشاربهم السياسية والإجتماعية والعقائدية، والشعب الفلسطيني الذي يحظى بوضع خاص في مواجهته للحركة الصهيونية ومشروعها الإستعماري والذي يهدف منذ بداياته إلى إلغاء فلسطين الشعب والوطن، هو الأحوج بين كافة شعوب الأرض إلى إدراك هذه الحقيقة، وكذا كافة فصائله السياسية والإجتماعية، حتى يتمكن من مواجهة هذا العدوان الذي يتعرض له على يد الحركة الصهيونية وحلفائها.

لقد سعت ولا زالت الحركة الصهيونية إلى تبديد الوطن والشعب الفلسطيني وإلغائهما نهائياً كوجود إنساني وسياسي وجغرافي، كي يتسنى لها إكمال مسيرة مشروعها الذي إبتدأته منذ أواخر القرن التاسع عشر، لكن يقظة الشعب الفلسطيني وقواه الحية والوطنية عملت على إعاقة هذا المشروع الجهنمي العدواني الفاشي، عبر الصمود الأسطوري الذي سطره الشعب الفلسطيني على مدى قرن ونيف من الزمن، وقد أدى هذا الصمود إلى كسر المشروع الصهيوني كمقدمة إلى هزيمته، من خلال الكفاح والنضال الوطني الذي خاضه الشعب الفلسطيني من خلال كافة فصائله الوطنية، التي جسدت وحدته وهويته الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية منذ ستينات القرن الماضي، وقد سجلت كافة إنجازاته بختمها وتوقيعها وبصمتها، وإنه من غرائب القدر، أن تظهر فصائل إسلامية فلسطينية في الوقت المتأخر، وتتمثل في حركتي الجهاد الإسلامي وحركة حماس، لتشككا في وحدة الشعب الفلسطيني في إطار ممثله الشرعي والوحيد م.ت.ف، التي حظيت بإعتراف أكثر من مائة وثلاث وأربعين دولة من ضمنها كافة الدول العربية والإسلامية ودول عدم الإنحياز والمجموعة الإفريقية بل ودول أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني نفسه الذي تبادل وثائق الإعتراف مع م.ت.ف على أساس أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، رغم إدراكنا الواعي أن الكيان الصهيوني يسعى ويخطط لتدمير م.ت.ف، وتدمير الحلم الفلسطيني الذي تمثله وتسعى لتحقيقه، وهو عودة الشعب الفلسطيني إلى وطنه، ومدنه وقراه، التي طرد منها في العام 1948م، وممارسة حقه في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران للعام 1967م، وفق الرؤية المرحلية لبرنامج النضال الوطني الفلسطيني الذي أقر منذ العام 1974م وتأكد بشكل واضح ولا لبس فيه في إقرار وثيقة الإستقلال الفلسطيني في 15/11/1988م في دورة المجلس الوطني الفلسطيني التي عقدت في الجزائر.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل حركتي حماس والجهاد لم تدركا واقع النظام الدولي القائم؟! ولم تدركا الواقع العربي والإسلامي؟! ولم تدركا مدى إحتياج الشعب الفلسطيني إلى تحقيق أهدافه المرحلية، في وقف وكسر جموح المشروع الصهيوني؟! وضرورة العمل على تلبية الحد الأدنى من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الثابتة والتي تحظى بالإجماع الدولي؟!!

إنها المأساة بعينها أن يجري تغطية ذلك كله تحت مظلة الشعارات الرنانة، من إسلامية القضية الفلسطينية وإعتبار فلسطين وقف إسلامي، إلى التحرير الكامل من النهر إلى البحر بالضربة القاضية، في سياق رؤية تتجاهل الواقع الموضوعي، وتدخلها في مزاد شعاراتي، يجد سوقه لدى العامة، في ظل عملية التضليل والخداع السياسي والإعلامي الذي تمارسه منظمات العمل الإسلامي في فلسطين وغيرها من ربوع الوطن العربي والعالم الإسلامي، والتي تطرح مشروعاً إسلامياً عالمياً، لا يقل سذاجة عن مشروع وحدة ((البروليتاريا)) الطبقة العاملة في العالم والسعي نحو فرض ديكتاتوريتها وصولا إلى المجتمع الشيوعي العالمي الذي تزول فيه الفوارق الطبقية..!!

إن إستمرار حركتي حماس والجهاد الإسلامي في الخروج على م.ت.ف والإنتقاص من برنامجها الوطني ورؤيتها للنضال والكفاح الفلسطيني يعني بكل بساطة الخروج على الشعب الفلسطيني ووحدته وتهديد إنجازاته الجزئية وتدمير أهدافه المرحلية، بحجة السعي لتحقيق الهدف الإستراتيجي الأعلى وهو التحرير الكامل لفلسطين من نهرها إلى بحرها، فإنهما في هذه الحالة قد أتاحا لقوى خارجية إقليمية ودولية مساحة واسعة للعبث في الساحة الفلسطينية، والإستثمار السياسي فيها لمصالحها البعيدة كل البعد عن المصلحة الفلسطينية، كما أتاحا للعدو الصهيوني مواصلة ممارسة سياساته الهادفة إلى إستمرار تبديد الوطن والشعب الفلسطيني على السواء...!!

وفي كلمة أخيرة نقول ونؤكد لكافة الفصائل الفلسطينية أنه لا بديل عن المصالحة الفلسطينية والإلتقاء على برنامج نضالي كفاحي يؤكد على البرنامج المرحلي لـ م.ت.ف الممكن التطبيق والتنفيذ والذي يحظى بدعم كافة دول العالم، ويؤدي إلى محاصرة المشروع الصهيوني وكسره كمقدمة لهزيمته الكاملة مستقبلاً، دون إغراق الحالة الفلسطينية في متاهات الشعارات والتضليل الإعلامي والسياسي، لأهداف باتت معروفة للجميع أنها أبعد ما تكون عن خدمة الصالح الفلسطيني.

بقلم/ د. عبد الرحيم محمود جاموس