قبل ساعة من المهلة الممنوحة له،استطاع نتنياهو والذي خاض مارثواناً طويلاً وحوارات متواصلة لأسابيع مع كل قوى اليمين المتطرف من أجل تشكيل حكومة يمنية ضيقة،خضع فيها للكثير من الإبتزازات وبالذات من قبل" البيت اليهودي" بزعامة نفتالي بينت،حيث إستسلم نتنياهو واستجاب لكل مطالبه،والتي كان آخرها موافقة نتنياهو على تولي المتطرفة "أيليت شاكيد" من البيت اليهودي لوزارة العدل.
حكومة نتنياهو ضمت كل مركبات ومكونات الطيف الصهيوني المتطرف وطنياً ودينياً،وهذا مؤشر على مدى عمق الإنزيحات التي تحدث في المجتمع الاسرائيلي نحو اليمين والتطرف والعنصرية،فحكومة بهذه المواصفات يتولى فيها نتنياهو حقيبتي رئاسة الوزراء والخارجية والتي امسك بها على أمل توسيع حكومته اليمنية الضيقة مستقبلاً بقبول "اسرائيل بيتنا" بزعامة ليبرمان المشاركة في هذه الحكومة،ونفتالي بينت من "البيت اليهودي" حقيبة التعليم و أيليت شاكيد من نفس الحزب وزارة العدل وكذلك كحلون من "كولانو" وزارة المالية ودرعي زعيم حركة شاس وزارة الاقتصاد واوروي ارئيل من "البيت اليهودي وزارة الزراعة..الخ.
حكومة بهذه الشخوص المغرقة بالعنصرية والتطرف والمؤمنة بأن الظروف المؤاتية فلسطينيا وعربيا ودوليا تسمح لها بتنفيذ رؤيتها وبرنامجها وقناعتها التوراتية والتلمودية القائمة على تكثيف وتوسيع الإستيطان والضم،وتحقيق حلمها التاريخي بما يسمى السلام الاقتصادي نظرية ورؤية "نتنياهو"،فكل الأحزاب المؤتلفة في هذه الحكومة تؤمن بأنه يمكن لها ان تحتفظ بالاستيطان والامن والسلام معاً،وبأن الإستيطان يجب أن يكون المحرك الأساسي للسياسة العامة الإسرائيلية وليس الأمن،وعلى هذا الأساس فإن حكومة من هذا نوع هي اكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفاً وأكثرها عدائية وحقداً وكرهاً لشعبنا في الداخل الفلسطيني -48- على وجه التهديد ولشعبنا الفلسطيني عامة في الأراضي المحتلة عام 1967.
والآن وكما يقول لينين لننتقل للتحليل الملموس للواقع الملموس،فالقرار الأول الذي اتخذته هذه الحكومة بناء على البند الذي أدخل في الإتفاق بين نتنياهو وبينت بتفعيل قانون "برافر" العنصري التهويدي المستهدف للوجود العربي الفلسطيني في النقب،فإنه سيتم مصادرة (800000) دونم من أراض شعبنا واهلنا في النقب،ناهيك عن ترحيل 30 ألف من المواطنين العرب،وهدم اكثر من اربعين قرية عربية غير معترف بها،كما حدث مع قرية العراقيب التي هدمت للمرة 85،والإحتلال يخطط لتجميع العرب في ال(100000) دونم المتبقية في حوزتهم من أراضيهم،خدمة للمستوطنين والمستوطنات الزراعية،والأراضي التي ستخصص للتدريبات العسكرية،ونحن نشهد عودة بيني بيغن مهندس ومؤيد تطبيق القانون الى "الكنيست" وتولي أوري ارئيل المنوط به تطبيق القانون لوزارة الزراعة وشاكيد وزارة العدل،وفي هذا الإطار فإن الكثير من البيوت العربية في الداخل الفلسطيني-48- ستصبح مهددة بخطر الهدم.
بتولي شاكيد وزارة العدل والتي هي من أشد المناصرين لسن قوانين وتشريعات تقيد صلاحيات محكمة العدل العليا الإسرائيلية وتتدخل في قراراتها،فإننا سنشهد خطر جدي على ما يسمى بالديمقراطية،وسن تشريعات وقوانين وقرارات أكثر عنصرية وتطرفاً وإستهدافاً للمواطنين العرب بالتحديد في الداخل الفلسطيني- 48 والقدس.
هذه الحكومة بهذه التركيبة ستقدم على ضم مناطق "سي" في الضفة الغربية والبالغة (60)% من مساحة الضفة الغربية،وبذلك تمنع اي إمكانية لدولة فلسطينية غربي نهر الأردن،كما عبر عن ذلك نتنياهو في حملته الإنتخابية الأخيرة،وستجهز بشكل نهائي على مدينة القدس تجاه التهويد والأسرلة،وستعمل على أن تكون غزة دويلة فلسطينية غير متواصلة لا جغرافياً ولا مؤسساتياً ولا إدارياً مع الضفة الغربية.
وجود نفتالي بينت في وزارة التعليم،يعني سن المزيد من القوانين والتشريعات التي تمنع تبلور العرب في الداخل الفلسطيني- 48- كأقلية قومية لها خصائصها الثقافية وتعليمها الخاص،بفرض المزيد من التعليم اليهودي على المناهج الدراسية في المدارس العربية، والمسألة لا تقتصر على إخراج مصطلح النكبة من المنهاج التعليمي العربي،او فرض مواضيع يهودية على منهاج التعليم او التعلم عن شخصيات تاريخية وتوراتية يهودية،بل سيتم فرض الرؤيا الصهيونية الكاملة،ليس على التعليم،بل على الرواية التاريخية بما يزورها ويشوهها ويلغي وجودنا التاريخي ،ويسيطر على ذاكرة طلابنا الجمعية ويقزم وعيهم ويشوهه و"يكويه"،وكذلك الحال مع المنهاج التعليمية في مدينة القدس،حيث سيتوسع ويتمدد التعليم للمنهاج الإسرائيلي على حساب المنهاج الفلسطيني،ومع بداية العام الدراسي الجديد سنشهد هجمة مسعورة على التعليم الفلسطيني في مدينة القدس،مترافقة مع "توحش" و"تغول" إستيطاني في المدينة.
هذه الحكومة اليمنية الضيقة،صحيح أنها ستخوض صراعاً ضارياً على كل قانون او قرار ستسنه او تتخذه،وهي مرشحة إما للسقوط المبكر،او انها ستستطيع ان تضم اليها المزيد من الأحزاب اليمنية في المستقبل،وهي ليس كما يتصور البعض بانها ستواجه عزلة دولية او ستصطدم مع الإدارة الأمريكية على خلفية سياساتها ورفضها لمشروع حل الدولتين،فنائب الرئيس الأمريكي بايدن وصف الخلاف مع اسرائيل بأنه خلاف بين أبناء الأسرة الواحدة،وفي ظل الحالة الفلسطينية الضعيفة والمنقسمة على ذاتها،والحالة العربية التي دخلت مرحلة تجزئة وتفتيت القطريات والحروب المذهبية والطائفية،وعدم قدرة الحالة الدولية المشتبكة أقطابها الرئيسية من اوكرانيا وحتى اليمن على فرض حلول سياسية على اسرائيل،فهي لن تقوم بتقديم أي تنازلات جدية فيما يتعلق بحل الدولتين،بل ستواصل العمل من اجل تكريس رؤيا ومشروع نتنياهو في ما يسمى بالسلام الإقتصادي،تابيد وشرعنة الإحتلال مقابل تحسين شروط وظروف حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية تحت الإحتلال،وليس بدعم من الإحتلال،بل عبر صناديق عربية ودولية تخصص لهذه الأغراض.
هي حكومة تشكل نموذجاً سافراً للعنصرية والتطرف،مع إنعدام خيارات أي افق سياسي يؤدي لدولة فلسطينية مستقلة على كامل حدود الرابع من حزيران،حكومة مستعدة لحل نفسها وإجراء انتاخابات اخرى على تقديم تنازلات في هذا الجانب.
بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
8/5/201