حذارِ من «الشرك» الإسرائيلي… الهدف تجميل الاحتلال لا رفع المعاناة

بقلم: علي الصالح

لا أحد يستطيع أن يتوقع المفاجأة التي يمكن أن تواجهه عند وصوله إلى ما يسمى بمطار «بن غوريون» الذي أقيم على أنقاض مطار مدينة اللد، الذي بناه البريطانيون خلال سنوات الانتداب على فلسطين، ويحمل اسم ديفيد بن غوريون معلن قيام دولة إسرائيل في مثل هذه الأيام من شهر مايو عام 1948، وهو بالطبع تاريخ نكبة فلسطين.
وأنا هنا أتحدث عن تجربتي الخاصة باعتباري فلسطينيا مغتربا يعيش في بريطانـــــيا منذ عقود، وأحمل جنسيتها وجواز سفرها.. ولا أحمل للأسف الشديد أي جنسية أخرى عربية كانت أو أجنبية.
فجواز السفر العربي الذي كنت أحمله، سحب مني في النصف الأخير من سبعينيــات القرن الماضي، بسبب نشاطاتي الطلابـــية والسياسية في حينه. كما لم أتشرف بالحصـــول على الرقم الوطني الفلسطيني (الهوية الفلسطينية) لأنني نزحت وأنا صبي، عن الضــــفة الغربيـــة مع أسرتي بعد حرب يونيو 1967، ولم أكن من المحظوظين الذي فتح اتفاق أوسلو عام 1993، الأبواب على مصراعيها أمام عودتهم من المهاجر إلى الوطن.
فخلافا لمرات عديدة، وأنا أستعمل هذا المطار منذ ما يسمى باتفاق إعلان المبادئ، لم أخضع هذه المرة للتحقيق او بالأحرى، لم أُقد كما العادة في المرات الكثيرة الماضية، إلى قاعة جانبية صغيرة بعد التحفظ على جواز سفري، في انتظار الانتهاء من الإجراءات «الأمنية»، والتأكد من هويتي الذي قد يطول في بعض الأحيان إلى ساعات حسب مزاج رجل الأمن، الذي قد يطلب بأدب، وإذا لزم الأمر بدون أدب، التحفظ على هاتفك الشخصي إذا استطاع إلى ذلك سبيلا.
وعند سؤالك عن سبب المماطلة والتأخير يرددون ما رددوه دوما وبالرتابة نفسها، انهم يريدون التأكد من أنني لا أحمل رقما وطنيا أي أنني لست من رعايا السلطة الفلسطينية الذي سن الكنيست الإسرائيلي عام 2005 قانونا، يحرم سفر مواطنيها، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، حتى إن كانوا يحملون جنسيات غربية أخرى، من وإلى مطار بن غوريون، باستثناء بعض من يحظون برضى سلطات الاحتلال أو يحملون تصاريح خاصة وخاصة جدا. لذلك يضطر مواطنو الضفة والقطاع السفر عبر مطار آخر، مطار القاهرة بالنسبة لأهالي غزة (السفر بالنسبة لأهالي غزة كما هو معروف، متوقف الآن بالكامل الا في الحالات الاستثنائية جدا، بسبب الإغلاق الذي تفرضه السلطات المصرية على معبر رفح، نافذة القطاع الوحيدة إلى الخارج) ومطار عمان الدولي، بالنسبة لأهالي الضفة الغربية وما تنطوي عليه هذه الرحلات من وإلى هذه المطارات من تكاليف مادية باهظة، ليس أقلها أجور سيارات الأجرة، ناهيك عن رسوم المغادرة الباهظة التي تفرضها السلطة على المسافر «الغلبان المثقل بالديون» التي تصل إلى أكثر من 150 شيكلا، أي ما يفوق الاربعين دولارا.
وشملت التسهيلات أيضا الخروج إلى قاعة الحقائب.. ففي العادة تعطي موظفة الجوازات ورقة صغيرة بألوان مختلفة، يفهم منها رجل الأمن المسؤول عن خروجك إلى قاعة الحقائب، ما عليه فعله. في المرات السابقة كان يطلب مني الوقوف جانبا، وتوجه إليّ أسئلة أمنية قد تقصر أو تطول، قبل أن يتأسف عما يمكن أن يكون قد تسبب به من مضايقات لي، ويردد العبارة الشهيرة «نحن نوجه إليك هذه الأسئلة ضمانة لسلامتك والسلامة العامة، وينتهي بـ»أهلا وسهلا بك في إسرائيل» بعدها تدخل إلى قاعة الحقائب وتغادر.
قد تكون الإجراءات المخففة، جزءا من حزمة من التسهيلات الخبيثة التي قررتها الحكومة الإسرائيلية في الأسابيع الماضية، بالتأكيد ليس الهدف منها تخفيف معاناة الفلسطينيين، لأن معاناتهم سببها الاحتلال بعينه، بل لغرض في نفس يعقوب وتحسين صورة الاحتلال.. ولا إدري إن كانت هذه التسهيلات جاءت بموجب تفاهمات مسبقة مع السلطة، أم لغرض سحب البساط من تحت أرجلها، في تحركاتها الدولية، لا سيما توجهها إلى محكمة الجنايات الدولية وغيرها من المنظمات الدولية.
لكن الشيء المؤكد أن الإجراءات الجديدة تصب في خدمة عقيدة بنيامين نتنياهو، التي ترتكز على «السلام الاقتصادي» التي تجد دعما لدى توني بلير المبعوث الخاص للجنة الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط، الذي يروج لها دوما في زياراته للمنطقة لا سيما زيارته المفاجئة لقطاع غزة قبل بضعة أشهر. وترمي هذه السياسة، كما هو معلوم إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية وحتى قطاع غزة، مما قد ينزع فتيل الانفجار في الأراضي الفلسطينية إذا ما تواصلت الضغوط والأوضاع الخانقة.
وتتزامن هذه الإجراءات مع عودة بنيامين نتنياهو إلى إسلوب الهروب إلى الأمام، عبر الحديث عن السلام الأوسع مع العرب، الذين تجمعهم معه مصلحة مشتركة وهي التصدي لإيران، مبررا ذلك بالادعاء بصعوبة فتح قناة سياسية مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بسبب رفضه الاعتراف بيهودية إسرائيل، وكذلك بالمصاعب السياسية الداخلية الفلسطينية، على حد زعمه.
وهناك فلسطينيا من يرى في هذه الإجراءات استباقا لأي ضغط دولي قد يمارس على حكومة اليمين المتطرف الجديدة في تل أبيب، بسبب سياساتها الاستيطانية المتصاعدة وآخرها قرار بناء 900 وحدة استيطانية في القدس الشرقية المحتلة.
وتشمل حزمة «التسهيلات» المزعومة:
- فتح الحواجز العسكرية بين المدن الفلسطينية.. إذ أصبح بإمكان الفلسطيني، ولأول مرة منذ سنوات طويلة، على الأقل منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في خريف عام 2000، التحرك بحرية من جنين شمال الضفة الغربية إلى الخليل في الجنوب وبالعكس، من دون أن يعترض طريقهم جنود الاحتلال، وإن بقيت الحواجز قائمة من دون حراسة تذكيرا بالاحتلال والعودة إليها في أي لحظة.
السماح ولأول مرة منذ سنوات طويلة للفلسطينيين دون سن الخامسة والخمسين من الرجال، وسن الخمسين للنساء، بدخول القدس الشرقية المحتلة ومناطق عام 1948 من دون تصاريح.
السماح للأطباء الفلسطينيين، خاصة العاملين في المستشفيات الإسرائيلية، بدخول القدس المحتلة ومناطق 1948، بسياراتهم الفلسطينية الخاصة، للمرة الأولى منذ خمسة عشر عاما. ويتوقع أن ينسحب هذا الإجراء الجديد قريبا، على التجار ورجال الأعمال.
منح تصاريح لفلسطينيين متزوجين من فئات عمرية صغيرة للعمل في إسرائيل.
الموافقة بالتنسيق مع دائرة الشؤون المدنية الفلسطينية التي يترأسها حسين الشيخ عضو اللجنة المركزية في حركة فتح، على بناء منطقتين صناعيتين في الخليل وقلقيلية، في المناطق المصنفة «ج»، التي تخضع للسيطرة الأمنية والإدارية الإسرائيلية.
وحسب «القدس العربي» فإن سلطات الاحتلال، أصدرت لعدد من الفلسطينيين خلال فــترة أعياد عيد الفصح المسيحية، تصاريح خاصة بالسفر عبر مطار «بن غوريون»، رغم القانون الذي سنه الكنيست.
إسرائيل تفكر بالسماح ولأول مرة منذ سبعينيات القرن الماضي، بسفر الفلسطينيين إلى الاْردن بسياراتهم الخاصة.
وتتصادف هذه الإجراءات مع تصريحات لنفتالي بنيت زعيم حزب المستوطنين «البيت اليهودي» وزير التعليم في الإئتلاف الحكومي الجديد، يعتبر فيها سحب الأردن لجــــوازات السفر من اهالي الضفة خطأ، وسيعمل داخل الحـــكومة الجديدة من أجل الضغط على الأردن لإرجاعها جوازات السفر، تمهيدا لفتح الطريق أمام الفلسطينيين للهجرة.
نفرح عندما ترفع المعاناة عن اهلنا في الاراضي المحتلة، ولكن المعاناة الحقيقية تتمثل بوجود الاحتلال نفسه، ولن تزول إلا بزواله وقيام الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين، وعلى الفلسطينيين أن ينظروا بعين الشك إلى هذه الإجراءات الإسرائيلية التجميلية، التي لا يمكن إلا أن تكون لصالح دولة الاحتلال وضد مصالح الشعب الفلسطيني وإن بدت في ظاهرها عكس ذلك.
فحذارِ من الوقوع في هذا الشّرك الإسرائيلي الذي لا يهدف إلا لتحسين صورة الاحتلال.

٭ كاتب فلسطيني

علي الصالح