ليكودي ينقض يهودية إسرائيل!

بقلم: رجب أبو سرية

يواجه بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية المكلف تحديات جدية، تحول حتى اللحظة دون تمكنه من تشكيل ومن ثم الإعلان عن حكومته الرابعة، رغم فوز حزب «الليكود» بالمركز الأول في انتخابات الكنيست العشرين وبفارق صريح عن المعسكر الصهيوني الذي نافسه في تلك الانتخابات التي جرت في السابع عشر من آذار الماضي.

وبعد أن أستنفد المهلة القانونية بالكامل، وقبل ساعة فقط من نهاية حدها الأقصى، أعلن الرجل عن ائتلاف حكومي بأغلبية مقعد واحد، أي ائتلافا مدعوما بواحد وستين من أصل المائة والعشرين عضو كنيست، وذلك بعد أن اضطر لتقديم تنازلات جمة، لا تقتصر فقط على منح ثلاثة مقاعد حكومية، وعضوي «كابينت» للـ»بيت اليهودي» وحسب، بل جعل من ذلك الحزب اليميني المتطرف الشريك الرئيسي لحزب «الليكود» في الحكم، ومن خطوط برنامجه السياسي العامة توجهات عامة للحكومة القادمة.
الصورة التي تتشكل عليها حكومة نتنياهو الرابعة، أثارت حفيظة الكثيرين، قبل أن تتسلم مقاليد الحكم رسميا، ولم يكن ذلك على الجانب الفلسطيني وحسب، بل وفي أكثر من اتجاه، بما في ذلك بالطبع داخل إسرائيل، حتى مس الأمر، احد أهم شركاء الحكومة الجديدة، الحزب الذي نال عشرة مقاعد، وكان وما زال يمكنه أن يذهب بالحكومة إلى احد الحزبين الكبيرين: «الليكود» أو «المعسكر»، ونعني به حزب المنشق السابق عن «الليكود»، موشيه كحلون، حزب «كولانو»، الذي وإن كان يمكنه أن يؤيد سياسة اليمين فيما يخص الاستيطان والتفاوض مع الجانب الفلسطيني، إلا أنه يتحفظ على سياسة تذهب بعيدا في مساسها بديمقراطية الدولة، في إشارة لمنح وزارة العدل، للمتطرفة أيلات شاكيد، عضو «البيت اليهودي»، التي طالبت من قبل بشن حرب إبادة للفلسطينيين.
بعد خروج افيغدور ليبرمان وحزبه «إسرائيل بيتنا» من الائتلاف الحكومي، قيد التشكل في إسرائيل، فإن ذلك الائتلاف سيكون أكثر تطرفا من الحكومة السابقة، ذلك أن الحكومة السابقة كانت تستند إلى تحالف أكبر حزبين فيها، «الليكود» و»يوجد مستقبل»، الذي فرض على نتنياهو فتح باب المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، عبر تسيبي ليفني، وشكّل كابحا على الصعيد الداخلي، أما وقد استبدل «الليكود» لابيد ببينت، فإنه يمكن تصور الصورة التي ستكون عليها هذه الحكومة، ليس فيما يخص المفاوضات مع السلطة الفلسطينية وحسب، حيث بدأ نتنياهو الذي قال إبان الحملة الانتخابية، إنه لن يكون هناك حل للدولتين في عهده، بالتبشير للسلام الإقليمي، الذي يتجاوز به الفلسطينيين، الذين لا يكفون عن مطالبته بدولة مستقلة، بالذهاب للعرب لعقد تحالف إقليمي ضد ما يسميه بالإرهاب!
المهم أن العقبات أمام سعي نتنياهو لتشكيل حكومته الرابعة لا تنتهي، فهو بعد أن انتهى من الاتفاق مع شركاء الليكود الأربعة، أي أحزاب كل من: «كولانو»، «البيت اليهودي»، «يهوديت هتوراة»، و»شاس»، عاد لليكود حيث ينتظره الأمراء بأفواه مفتوحة، لذا فإنه يحتاج إلى توسيع الحكومة حتى يحتوي أطماع آل البيت، ولهذا يحتاج إلى إقرار من الكنيست للتعديل، ويحتاج بالتأكيد حضور وتصويت كل الواحد والستين عضوا، حيث من المؤكد أن يواجه أول معركة برلمانية مع المعارضة، على خلفية هذا الأمر، أي قبل أن يذهب بالتشكيل الحكومي للكنيست لنيل الثقة.
وحتى لو افترضنا جدلا، أن كل نواب أحزاب الائتلاف الخمسة قد حضروا وصوتوا إلى جانب مشروع القرار بزيادة أعضاء الحكومة من 18 إلى 22 أو حتى 20، فإن حزب «يوجد مستقبل»، برئيسه يائير لابيد قد هدد باللجوء للقضاء من اجل منع نتنياهو من النجاح في زيادة أعضاء المجلس الوزاري.
لم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل إن معركة حادة تنتظر نتنياهو فيما يخص وزارة الخارجية، التي يطمع بها أكثر من عضو بارز في «الليكود»، وحيث يأخذ عليه الطامعون بها، أن يحتفظ بها لنفسه، لتقديرهم بأنه يغوي بها زعيم المعسكر اسحق هرتسوغ، مع ما يعنيه هذا من رفض للـ»بيت اليهودي» ولمعظم شركاء الحكم، بمن فيهم معظم أمراء «الليكود».
ثم جاءت الطامة الكبرى من النائب الدرزي في «الليكود» أيوب قرّا، الذي طالب بتعيينه وزيرا، وحيث قال بالحرف: إن لم أكن وزيرا لن يكون هو رئيسا للحكومة، في إشارة لبنيامين نتنياهو بالطبع، وهذا يعني بأن تحالف الطائفة الدرزية مع الأغلبية اليهودية، من خلال مشاركة وتصويت آلاف العرب الدروز وغيرهم للأحزاب الصهيونية، خاصة «الليكود» و»العمل»، لم يحقق لهم المساواة، هذا على الرغم من أن ضباط الطائفة يبلون بلاء حسنا في الجيش، لكن التمييز العنصري حال خلال نحو سبعين عاما من عمر الدولة دون أن يتجاوز «عربي» منصب نائب وزير، فما بالنا والحال في ظل حكومة متطرفة تسعى لإرساء ركائز ما يسمى بيهودية الدولة داخل مؤسساتها، بما يعني الفصل العنصري بين اليهود وسواهم، بذلك فإن تهديد «قرا» في غاية الأهمية، لأنه سيؤدي إلى احد خيارين، إما إلى إسقاط حكومة اليمين قبل أن تنال ثقة الكنيست، أو أن يجلس أول عربي على مقعد وزاري، بما يحمل إشارة صريحة وهي أن الدولة لا يمكنها أن تكون يهودية فقط أو أن تكون لليهود وحسب!

رجب أبو سرية

12 أيار 2015

[email protected]