بعد ان انتهى الفصل الحرج، والمفاوضات المضنية التي أجراها بنيامين نتنياهو حتى تمكن من تشكيل حكومته اليمينية المتطرفة، من المرجح أن يفتح ذلك، أمام العديد من القوى التي تنتظر، بوابات التحرك من اجل استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
هي حكومة غير مستقرة، ضعيفة، وقابلة للسقوط في أي لحظة، لأن كل فرد فيها، وكل تكتل سيحاول ممارسة ضغوط وابتزاز على رئيس الحكومة وحزبه، لتحقيق المزيد من المكاسب الحزبية. في الواقع لم يكن نتنياهو لينجح في تشكيل الحكومة، ضمن الفترة القانونية، لولا انه اعتمد سياسة الرشوة، والاسترضاء، ولو كان ذلك على حساب الخزينة العامة، حيث انها توصف على انها الأغلى في تاريخ اسرائيل، اذ كلف تشكيلها نحو ستة مليارات من الشواقل، بالاضافة إلى تعديل القانون في الكنيست، نحو زيادة عدد وزراء الحكومة لاسترضاء اعضاء حزبه. حكومة من هذا النوع، عدا ما هو معروف عنها من تطرف، لا يمكن ان تكون حكومة سلام، ولا يمكن ان تكون حكومة مستعدة للتعامل مع الحراك الدولي الباحث عن تحقيق حل الدولتين.
قبل أن تبدأ فرنسا، والولايات المتحدة، جهودهما لتقديم مشاريع قرارات من خلال مجلس الامن الدولي، وقبل ان يبدأ الفلسطينيون التوجه بمشاريع وملفات سواء لمجلس الامن، او للمحكمة الجنائية الدولية، قدم نتنياهو رؤية جديدة للسلام الذي تتظاهر اسرائيل بأنها تسعى اليه.
نتنياهو تحدث عن تسوية اقليمية، يجتزئها من مبادرة السلام العربية وبدون أن تتضمن رؤيته أي حديث عن رؤية الدولتين، او عن اية حقوق اخرى للفلسطينيين.
يعتقد نتنياهو ان الصراعات الخطيرة التي تدور رحاها في المنطقة، ووصلت نيرانها الى منطقة الخليج العربي، تتيح لاسرائيل فرصة نادرة، لإقامة علاقات تعاون مع السعودية ودول الخليج، من واقع عدائهما المشترك لايران، ومعارضتهما لكل ما يتصل بالملف النووي الإيراني.
إسرائيل تعتقد أن المنطقة العربية تعاني من فراغ استراتيجي، في مواجهة مشاريع اقليمية، يتقدمها المشروع الإيراني، لا يستطيع احد في المنطقة سد هذا الفراغ، سواها (إسرائيل) وان العرب سيكونون مضطرين للتعامل مع اسرائيل القوية حفاظاً على مصالحهم، وانظمتهم السياسية. المراهنة الإسرائيلية على حاجة العرب الاضطرارية، من شأنها أن ترفع الغطاء العربي عن القضية الفلسطينية، التي لن تعود في هذه الحالة اولوية بالنسبة للعرب، الذين يتصدر اولوياتهم، الحفاظ على انظمتهم السياسية، المهددة من قبل ايران، والجماعات المتطرفة.
بالنسبة للحقوق الفلسطينية، والرؤية الاسرائيلية لكيفية التعامل مع هذه الحقوق، يتمسك نتنياهو وحكومته، بما يسمى بالسلام الاقتصادي وبتحقيق أو بالأحرى فرض دولة غزة، لا أكثر. اسرائيل تعمل كثيرا وتتحدث قليلا عن دولة غزة، لكنها تعتمد سياسات وإجراءات، نحو تكريس الانقسام الفلسطيني، والسماح ببناء مؤسسات الدولة.
وسواء نجحت الوساطات الأوروبية والعربية، في الحصول على اتفاق بين حماس وإسرائيل، يقضي بهدنة طويلة، مقابل رفع الحصار والسماح بإقامة ميناء ومطار، او لم تنجح هذه المحاولات، فان اسرائيل ستواصل العمل وربما شن المزيد من الحروب، لفرض هذه الدولة. الأمر لا يتعلق بنوايا الفلسطينيين ان كانوا يقبلون او يرفضون خطة دولة غزة، ذلك ان اسرائيل تملك القوة الكافية والظروف المناسبة، لفرض هذا المخطط.
وبالاضافة الى هذه الرؤية الاسرائيلية التي تحمل عنوان التسوية الإقليمية وتمكن الحكومة الإسرائيلية من تدويخ العالم الذي يسعى نحو رؤية الدولتين، فان طبيعة تشكيل الحكومة، تؤمن لنتنياهو القدرة على التهرب من اية التزامات دولية لا ترضي حكومته، وذلك عبر الذهاب مجددا الى انتخابات اخرى مبكرة في حال وجد نفسه في القفص. لا يخفي نتنياهو عداءه للرئيس الأميركي باراك اوباما، ولا يخفي تكتيكاته التي تستهدف تمرير الفترة المتبقية من ولاية الرئيس الأميركي والتي تقارب العام ونصف العام، دون أن يضطر لتغيير الاستراتيجية الإسرائيلية، الرامية لتنفيذ مخطط إسرائيل الكبرى.
المشكلة هي ان القوى الكبرى لا تزال تجامل اسرائيل، ولا تزال تقدم لها الدعم، وتوفر لها الذرائع للتهرب، فالمشروع الذي تنوي فرنسا تقديمه إلى مجلس الأمن، يربط بين دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، وبين موافقة الفلسطينيين على يهودية الدولة. هذه مساعدة كبيرة وجوهرية لإسرائيل، ذلك أن فرنسا وغيرها، تعرف بأن هذا الربط الاشتراطي، مرفوض كلياً وعلى نحو حاسم من قبل الفلسطينيين، لأن يهودية الدولة هي الترجمة الحقيقية لنكبة أخرى أشد خطورة من كل النكبات السابقة.
في الكواليس، أيضاً، يقال إن الولايات المتحدة تنوي تقديم مشروع قرار الى مجلس الأمن، يقضي بأن تؤجل المحكمة الجنائية الدولية النظر في ملفات جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل، لمدة عام كامل. فرنسا، إن كانت تتحرك باسمها أو بالنيابة عن الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، تعمل من خلال هذه المشاريع على شل السياسة الفلسطينية، والحراك الفلسطيني نحو الأمم المتحدة.
يفترض وعي هذا الحراك الإسرائيلي الأوروبي الأميركي، ان يبادر الفلسطينيون وبسرعة إلى البدء بحوار وطني فلسطيني للتوافق على استراتيجية جديدة، بدأ الدكتور صائب عريقات يتحدث فيها وعنها، ولكن السؤال هو كيف تكون استراتيجية فلسطينية قبل أن ينتهي الانقسام ويشترك الكل في صياغتها؟
بقلم/ طلال عوكل