علينا أن نتذكر أن المفاوضات الأخيرة كان من اشتراط البدء فيها وقف النشاط الاستيطاني وإطلاق سراح الأسرى القدامى، وما حدث أن (إسرائيل) رفضت إطلاق سراح الدفعة الرابعة، مع أنها هي التي اشترطت تنفيذ اتفاقية إطلاق سراح الأسرى على أربع دفعات، على أن يجري إطلاق الدفعة الأخيرة في اليوم الأخير من الشهور التسعة، وهو 31 مارس 2014، والدفعة الرابعة التي لم تتم حتى اللحظة مؤلفة من 26 أسيراً منهم 18 فلسطيني من فلسطيني الداخل 48 والقدس.
وبعد ذلك هدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس وفي لقاءاته مع وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" بأن آخر العلاج الكي وأن الذهاب إلى الأمم المتحدة وتدويل القضية الفلسطينية وصولا إلى إنهاء الاحتلال هو خطوة فلسطينية ستكون مقابل التعنت الإسرائيلي المتواصل وغياب الشريك الحقيقي للسلام في (إسرائيل)، وكما حصلت الدبلوماسية الفلسطينية على الغطاء العربي من خلال جامعة الدول العربية لتدويل القضية الفلسطينية والتوجه إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار لإنهاء "الاحتلال الإسرائيلي ودعم وتأييد إقامة الدولة المستقلة ، رداً على الضعف الأمريكي في مقابل العنجهية الاحتلالية".
(إسرائيل) تعلن عن نشاطات بناء استيطانية جديدة، وتصادر 2000 دونم، وتواصل عمليات الاعتقال والإجتياح في الضفة الغربية،وتقوم بإصدار القوانين التعسفية والمرفوضة والتي من بينها قانون يسمح بإعدام الأسرى الفلسطينيين وقرار آخر بعدم إطلاق سراح فئات الأسرى في حال أي مفاوضات أو صفقات قادمة وخاصة من الأسرى القدامى .
الرئيس الأمريكي الذي طلب "سابقا" من الرئيس أبو مازن الانتظار والتريث، وأطلق "اليوم" بعد تجديد انتخاب "نتنياهو" رئيسا للحكومة الإسرائيلية تصريحه الذي طالب فيه (إسرائيل) بعدم إغلاق الباب أمام حل الدولتين، عاد وقال بعد إعلان تشكيل وزراء الحكومة الإسرائيلية الجديدة بأن " إمكانية نجاح جهود السلام أصبحت ضئيلة وأن الهوة بين (إسرائيل) والفلسطينيين أصبحت ضئيلة مما يقلل فرص استئناف مفاوضات السلام بين الطرفين. "
أمام هذه التحديات الصعبة كانت اشتراطات الرئيس محمود عباس للعودة لمفاوضات السلام على أسس واضحة لا تبتعد عن الهدف النهائي من عملية التدويل نفسها، حيث اشترط ثلاثة أمور أساسية للعودة إلى المفاوضات وهي وقف النشاطات الاستيطانية وإطلاق سراح الأسرى، ومفاوضات لمدة عام ينتج عنها تحديد جدول زمني لإنهاء الاحتلال خلال مدة لا تتجاوز نهاية عام 2017، واستباقا إلى أي متغيرات، ولأنه يعلم عنجهية العقلية الإسرائيلية والانحياز الأمريكي فقد أكد على أن تدويل الصراع بكل ما تعنيه الكلمة من أبعاد سوف يتم، ولم يغلق الباب نهائيا وتركه مفتوحا لكي تثبت (إسرائيل) أنها جاهزة لاستحقاقات السلام التي مضى على توقيع أوسلو لتحقيقها 21 عاما .
ان تدويل القضية الفلسطينية يعني بدء قيادة معركة سياسية ودبلوماسية مفتوحة في مجلس الأمن تحت سقف المرجعيات والقانون الدولي والقرارات التي صدرت منذ التقسيم وحتى اليوم، وتفعيل الحراك السياسي والدبلوماسي الفلسطيني لاستمرار الحصول على اعتراف أكبر عدد ممكن من دول العالم بدولة فلسطين، بخاصة الدول الفاعلة في السياسة الدولية، مثل الدول الأوروبية، واستمرار الانضمام للمواثيق والمعاهدات والبروتوكولات الدولية وقبول دولة فلسطين في ابريل الماضي عضوا في محكمة الجنايات الدولية، يعتبر نموذجا ناجحا برغم كل المعاناة التي تكبدها شعبنا الفلسطيني جرَّاء الإجراءات الإسرائيلية، وطلب الحماية الدولية حتى الوصول إلى الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، أي الاستقلال على حدود الرابع من حزيران عام 1967م.
وفلسطينيا ولإنجاح معركة التدويل الحراك الدولي المساند لتدويل القضية، يتحول إنهاء الانقسام وتداعياته وإفساح المجال لعمل حكومة التوافق الفلسطيني وإنجاز مهامها وإعادة الإعمار، وتحقيق دمج المؤسسات وتطويرها، يعتبر هدف وضرورة ومطلب وطني شامل وللوصول الى للدولة الفلسطينية القادمة، كل هذا هو مطلب حيوي فلسطيني داخلي يساند كل الجهد الفلسطيني في معركة الخلاص من الاحتلال، وتعزيز الصمود و أساليب النضال التي شرعتها المواثيق الدولية.
لم يبق أمام الفلسطينيين أمام المتغيرات الإقليمية والدولية والمواقف الإسرائيلية والمتمثلة في أكثر الحكومات الإسرائيلية يمينية في تاريخ (إسرائيل)، إلا تدويل القضية الفلسطينية، أو أن تقوم الإدارة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا بفرض حل الدولتين وإنهاء الاحتلال على أسس البرنامج والشروط أعلنها الرئيس محمود عباس، وهنا يجب أن يكون واضحاً أن تحديات التدويل تعني أن الشعب الفلسطيني يجب أن يكون على جاهزية تامة لخوض معركة الاستقلال التي ستختلف فيها كل المعايير وستلغي فيها كثير من الاتفاقيات بين فلسطين، و (إسرائيل) .
ملاحظة :جدد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون التأكيد على ان المستوطنات هي غير شرعية بنظر القوانين الدولية وشدد على الحكومة الإسرائيلية وضع حد لها والعودة عن مثل هذه القرارات لما في ذلك مصلحة السلام وتسوية نهائية متوازنة" في الشرق الأوسط.
بقلم/ د.مازن صافي