الواقع الفلسطيني الحالي يجد نفسه أمام عدد من العوامل، تشكل خارطة لما يمكن أن يحدث أو يتوقع، وحاولت هنا تسجيل عدد من هذه العوامل في محاولة لقراءة واقعية لما ستؤول إليه الأمور.
الأول: حين فاز في الانتخابات الأخيرة، قدَّم نفسه باعتبار أن اختياره عبارة عن رضا إسرائيلي لسياسته والتي تمثلت في إفشال المضي قدما في عملية السلام، ورفضا لحل الدولتين، ومتمسكا بيهودية "الدولة الإسرائيلية"، بينما في الحكومات السابقة كان عنوان "الأمن" هو المسيطر على أسباب رفض المضي في تسوية نهائية مع الفلسطينيين، وهنا سيجد نتنياهو نفسه في ورطه حقيقية في حال وصلت الأمور إلى الانفجار، ويعتبر نتنياهو أن المعالجة تأتي من خلال العدوان الموسع، وظهرت بوادر الفشل الإسرائيلي من خلال "الاستنجاد" بالمجموعة الأوروبية لمنع تدهور الأمور ووصولها إلى الطريق المسدود ولكنها في نفس الوقت تعمل على تصوير نفسها "كضحية" وفي هذا خداع للرأي العام العالمي هدفه الأساس "تبرير عملياتها العدوانية" ضد المدنيين الفلسطينيين .
الثاني: لم يتمكن نتنياهو من الفوز بنسبة كبيرة تعزز إدعاءاته، وتصف حكومته الرابعة بأنها "الأضعف في تاريخ الحكومات الإسرائيلية"، فقد تكونت بأقل عدد ممكن من النواب "61"، وهو يجني ثمن برنامجه الانتخابي، فقد بذل كل جهد لكي يُرضى جمهوره.
الثالث: تشير التحليلات الإسرائيلية أن حكومة نتنياهو الحالية لن تصمد كثيرا، ولن تكمل مدتها الزمنية، وتظهر المراهنات على على الأوضاع الاجتماعية في "إسرائيل"، ولكن في الحقيقة فإن التيار اليميني يتفق مع رغبات نتنياهو السياسية والتي تتمثل في ممارسات عنصرية وعدوانية مثل زيادة التهويد وتوسيع الاستيطان، وسياسة الاقتحامات، وبالتالي فإن الفلسطينيين وحدهم لن يستطيعوا مواجهة هذه الحكومة، ويتطلب الأمر جهود عربية ودولية واضحة وداعمة لقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وتوفير شبكة أمان سياسية، واقتصادية للشعب الفلسطيني لمواجهة الحصار الإسرائيلي مقابل أي خطوات فلسطينية متقدمة على طريق تدويل القضية الفلسطينية.
الرابع: الإدارة الأمريكية الحالية والتي شارفت على انتهاء ولايتها الثانية، برئاسة باراك أوباما، ستغادر البيت الأبيض خلال الشهور القادمة ، وجاء على لسان "أوباما" كترجمة لقراءته لسياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية، بأن فرص السلام اليوم تبدو ضئيلة مع تأكيده بأن حل الدولتين هو الحل الوحيد الممكن على المدى البعيد، والذي يعتبره حيوي لأمن (إسرائيل) واستمرارها كدولة يهودية ديمقراطية، وهنا ربط "واضح" بين حل الدولتين والاعتراف الفلسطيني بالدولة اليهودية، والتي تستند إلى الأمن "الإسرائيلي" وهنا لم يقدم جديدا، بل إعادة تصريحات مكررة أمريكيا من عشرات السنوات، تهدف لابتزاز القيادة الفلسطينية، وإضاعة الوقت، وتكريس مفهوم الاحتلال، وربط الحقوق الفلسطينية، بما يطرحه نتنياهو نفسه مع عملية "تلوين" مثيرة، لا تفيد ولا تثمر، وبل تشكل حماية وانحياز كامل لــ "إسرائيل" وتعتبر نفسها "السقف" الأعلى لأي مبادرة أو جهود أو محاولة للتقدم في عملية السلام من أطراف إقليمية ودولية أخرى غير أمريكية .
الخامس: المتغيرات العربية في السنوات الخمس الأخيرة، ستبرز مجموعة من التحديات أبرزها "إثبات الذات" وبالتالي فإن ردود فعل عربية قوية "ممكنة" باتجاه القضية الفلسطينية، وهنا يكمن السؤال: "هل ستستمر القدرة الأمريكية في ضبط السياسة العربية"، وهل يمكن أن يكون هناك تحريك لقضايا المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، للخروج من حالة الجمود الحالي ومحاولة لضبط الأمور المتدحرجة في الضباب الذي يغطي الأجواء .
بقلم/ د.مازن صافي