مواجهة السيناريوهات المطروحة يستدعي توفير عوامل الصمود

بقلم: عباس الجمعة

في ظل الظروف والمحاولات الجارية التي يحاول فيها البعض اختزال القضية الفلسطينية, بحكم الأمر الواقع وموازين القوى والرعاية الامريكية لكيان الاحتلال, ومحاولة فرض تسوية عبر مشاريع من هنا وهناك, وكأن كل ما يجري هدفه الوصول الى تسوية على حساب اللاجئون الفلسطينيون, الذين عمدوا بدمائهم ومعاناتهم النهوض الفلسطيني المعاصر, منذ منتصف عقد الستينات .

ان المتغيرات الجارية على مستوى المنطقة وخاصة بعد تأليف حكومة التطرف الصهيونية والتي اعلنت سياستها بكل وضوح في استلاب الأرض والعدوان، وسط الانشغالات العربية عن القضية، واستمرار الانقسام الفلسطيني، والانحياز الأمريكي المفتوح للكيان الصهيوني، فلن يبقى من المساحة المخصصة لإقامة الدولة الفلسطينية المنشودة شيء.

ان كل ما يجري في زمن يتم فيه تفكيك الدول القائمة وضرب نسيجها الاجتماعي, وتشتعل فيها الساحات المحيطة بفلسطين بحروب أهلية وإقليمية وطائفية, وتتغير فيها الخرائط والتحالفات وموازين القوى, في ظل أوضاع دولية تعاني فيها الإدارة الأمريكية بعد انتهاء نظرية القطب الواحد من إرباك كبير في إدارة سياستها الخارجية, مما أدى إلى تعاظم في دور القوى والمحاور الإقليمية في إدارة ملفاتها.

وفي ظل هذه الظروف الصعبة فإن الأمل ما زال يداعب أهل فلسطين في دحر الاحتلال, وإقامة دولتهم المستقلة, وانجاز ثوابتهم الوطنية في العودة والتحرير.

ان التطورات في الوضع العربي تؤثر بشدة على مسار القضية الفلسطينية, وتتفوق في أغلب المراحل على العامل الذاتي الداخلي, وتنعكس آثار قوته وضعفه على مسار القضية الفلسطينية،

وهنا يجدر بنا الانتباه إلى الدور الذي يحاول العدو الصهيوني القيام به في هذه المرحلة. فهو يحاول الآن استعادة دور الشرطي الذي فقده خلال حروب الخليج الأولى والثانية, لكنه تمكن من استعادة بعض بريقه السياسي من خلال كونه بوابة العبور للبيت ألبيض وعبر نفوذه في الكونغرس الأمريكي,

لذلك فأن ما يطرح من مشاريع ومن العودة الى مسار المفاوضات التي جربت يتطلب من الجميع العمل على مواجهة ما يحاك لمجابهة الاحتلال والاستيطان المتواصل والذي تحاول فيه حكومة الاحتلال فرض المزيد من الشروط على الفلسطينيين، فالتنازل بالضرورة يقود إلى تنازلات أخرى، لم تحقق قيام دولة فلسطينية على أراضي 1967 في ظل سياق المفاوضات وسقف التسوية الحالي الذي أصبح مستحيلا, وهذا يستدعي تصعيد المقاومة الشعبية في الضفة والحفاظ على السلاح والاستعداد للمواجهة وتشكيل إدارة وطنية موحدة في غزة. أي عبر اللجوء إلى برنامج نضالي مختلف كلياً عن ما هو سائد حالياً.

ان ما يروج من مشاريع تسوية يوفر للمشروع الصهيوني الغطاء لمزيد من التوسع والهجوم، وكل ما يقال عن حل الدولتين لا يعدو كونه وهما وخداعا يكرس إسرائيل التوسعية العنصرية بما يصاحبها من إستباحة وقتل جماعي من جهة وتسمين مستعمرات ومصادرة أراض من جهة أخرى،

لإن ما تبقى من أراض لا يتعدى 10% من عموم فلسطين، دون قاعدة صناعية زراعية حديثة تؤمن فرص عمل للفلسطينيين، وهي متشظية علاوة على إنفصال "الضفة" عن "غزة"، وافتقار دور المؤسسات مثلما تفتقر للسيادة، أي أنها دون الحد الأدنى من مقومات الدولة.

ان الحديث عن دولة فلسطينية في المشروع الفرنسي ، فهو فقاعة هوائية، أو بصورة أدق يريدون اعطاء دولة معازل تسييجها أسوار إستيطانية وجدران عنصرية يفصل شمالها عن جنوبها القدس التي جرى ضمها قانونيا وعمليا، تتباعد "بقايا الضفة" عن "غزة"، ، ومقايضة على حق العودة، فيسوق عالميا من خلال المشروع الفرنسي او العربي الذي قدم سابقا بهدف إحتواء النضال الوطني ،مع محاولة فصل قطاع غزة ، ومحاولة ابقاء الاغوار تحت الاحتلال وهذا يعني تشريد آلاف العائلات الفلسطينية، فالعدو الصهيوني لم يرحم شعبنا الفلسطيني، ولم يتراجع عن استباحة الارض وطرد ما تبقى من أهلنا في فلسطين لإقامة دولته اليهودية العنصرية.

إن استباحة فلسطين شعبا ووطنا وانحناء غير نظام عربي للإرادة الأمريكية-الإسرائيلية وتوقيع اتفاقات ، ناهيكم عن الجرائم المنظمة والاغتيال الممأسس الذي يتعرض له الفلسطيني ، كل ذلك لم يسقط راية الكفاح التحرري، لأن القضية الفلسطينية كقضية تحررية استحدثت جذعها وفروعها من ملايين الفلسطينيين الذين تتبلور شخصيتهم أكثر فأكثر إلى درجة يستعصي معها تبديدها أو تطويعها أو شطب مطالبها الجوهرية سيما الحرية والعودة والاستقلال.

وامام هذه االمخاطر والمشاريع المطروحه والتي تحاول التلعب بمحاولة ابعاد حق العودة عن اي حل سياسي نقول لا يستطيع أن يقرر احد موضوع هذا الحق باعتباره فردي لكل اللاجئين الفلسطينيين ولا يحق للدول المضيفة أيضا أن تتلاعب بهذا الحق وهنا أريد أن أذكر وأن أنوه إلى أن بعض الدول العربية التي ترفض التوطين يبدو أنها تتواطأ مع خطة أخطر من التوطين وهي خطة التهجير بمعنى جعل حياة الفلسطينيين في الدول دول الشتات واللجوء حياة مستحيلة من اجل تهجير الشباب الفلسطيني الى دول المنافي الجديدة لاستقطاب أعداد هائلة من الفلسطينيين ، بعد ان اعلن كيان الاحتلال رفضه لحق العودة مدعوم بموقف أميركي ، وفي ظل ظروف عربية صعبة أو ظروف صعبة في دول اللجوء والشتات العربي وستفتح بعض الأبواب للمنافي البعيدة و أن كثيرا من الفلسطينيين غادروا لبنان إلى الشتات الجديد جراء الظروف المأساوية التي يعيشونها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وجراء انعدام الحقوق المدنية لهذا القطاع من اللاجئين .

لم يعد جائزاً البحث عن حجج لتغطية العودة الى مسار مفاوضات جديد، فالصراع يأخذ مناحي تدحض كل الاجتهادات المراهنة على عملية السلام، أو على تحقيق شيء ما من هذه

المفاوضات، من أجل حل عادل للقضية الفلسطينية. مما يستدعي العمل من العودة الى تدويل القضية الفلسطينية ومطالبة الامم المتحدة بتنفيذ قراراتها ذات الصلة ، لأن الشعب الفلسطيني ما زال بإرادته وعزيمته ولحمه الحي يقاوم ، ولن يستسلم، بل سيبقى شعبا صلبا، صامداً، مناضلا حتى استعادة حقوقه الوطنيه المشروعه.

ان الواجب الوطني والانساني ومواجهة المشروع الاميركي الصهيوني تتطلب منا ان نبني تحالفا استراتيجيا لخدمة مصالح وحقوق شعوب المنطقة على ان تكون اولوياته بلورة جبهة شعبيه عربيه ضد التبعية للخارج وضد هيمنة الولايات المتحدة و الكيان الصهيوني، ومواجهة سياسة التضليل والخداع لكسر ارادة الدول والشعوب وخاصة الشعب الفلسطيني من خلال ممارسة ارهاب الدولة المنظم ونشر الابادة الجماعية والتدمير والاغتيالات بهدف الوصول لتصفية القضية الفلسطينية ورسم خريطة جديدة للمنطقة اسوأمن خريطة سايكس – بيكو .

ان الإنسان العربي في حقيقته الجوهرية إنسان نوعي لا يقبل الضيم والمهانة والذل ومستعد لدفع حياته ثمنا لكرامته ولذا فان إمكانيات صمود هذه الأمة وقدرتها على مواجهة التحديات أسطورية وتفوق كل خيال لاستنادها إلى قيم ومبادئ ولقد حاول مدعو الدين أن يغيروا طريقة تفكير الإنسان حيث تم إعادة البعض إلى العصور الجاهلية أو عصور قبل التاريخ.

ونحن على مقربة من ذكرى انتصار المقاومة في لبنان ودحر الاحتلال الإسرائيلي ذليلا هو وعملائه عن ارض الجنوب ، ستبقى هذه الذكرى المجيدة في أذهان الشعوب صورة راسخة على طريق تحرير الأرض والإنسان ، وحتى يكللها الشعب الفلسطيني بتحرير ارضه ووطنه واقامة دولته الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس .

ختاما لا بد من القول : ان خط السير البديل الذي ممكن أن يقلع فيه القاطرة الفلسطينية يكون في انهاء الانقسام الداخلي وتطبيق اليات اتفاق المصالحة وتعزيز الوحدة الوطنية وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها واعطاء حكومة التوافق الوطني كافة الصلاحيات في قطاع غزة ، ورسم استرتيجية وطنيه تجمع بين الخط الوطني التحرري الذي يحافظ على الإشتباك مع الاحتلال بوتائر تتناسب مع إمكانات الشعب ومتطلبات نضال طويل الأمد، فلسنا في ربع الساعة الأخير لكي نرمي بقدرات الشعب في معركة واحدة، وفي ذات الوقت تعزيز مشروع ثقافي توحيدي مقاوم، على مستوى التنمية إلاقتصادية-إلاجتماعية، و محاربة الفساد المتنوع، وضرورة قيام أوثق الصلات التحالفية مع قوى السلام والتحرر والاشتراكية على الصعيد الأممي، و كل ما من شأنه أن يرسخ البنية الفلسطينية فتصبح عصية على الإختراق والتفتيت والتيئيس وفرض الحلول على الشعب الفلسطيني ، وهذا يستدعي توفير عوامل الصمود ايضا حتى استعادة كافة الحقوق الوطنيةالفلسطينية المغتصبة بما فيها ضمات حق عودة اللاجئين باعتبارها القضية الاساس والحلقة المركزية مهما طال الزمن.

بقلم / عباس الجمعه

كاتب سياسي