القصف الإسرائيلي الذي قامت به طائرات حربية على مواقع تدعي إسرائيل أنها لسرايا القدس، ذلك القصف يتجاوز على نحو واضح الرد على ما قيل عن صاروخ سقط في مواقع فارغة جنوب إسرائيل وهو أيضاً لا يقف عند حدود رسالة قصيرة، تنطوي على بعد ردعي لأي عمل يستهدفها.
تعترف مصادر عسكرية بأن حركة حماس ليست مسؤولة عن إطلاق الصاروخ، وان سكان قطاع غزة، لا يرغبون في أي تصعيد للموقف مع إسرائيل، لكن طبيعة الرد الذي استهدف بنحو عشر غارات جوية على مناطق في بيت لاهيا وخان يونس ورفح، لا يتناسب مع هذا الاعتراف.
تعرف إسرائيل، ويعرف كل من يتابع الشأن الفلسطيني في قطاع غزة، أن إطلاق مثل هذه الصواريخ، على النحو المحدود جداً الذي وقع يعود لأسباب تتصل بخلافات داخلية في تنظيم معين، أو بين بعض التنظيمات، ما يعني ان المسألة تتجاوز الحسابات السياسية والعسكرية.
الرد الإسرائيلي لم يكن ليستدعي تعطيل المدارس، والنزول الى الغرف الآمنة، من قبل سكان بعض المستوطنات في غلاف غزة، ولكن لان القصف الإسرائيلي الذي وقع اول امس الثلاثاء، يندرج في سياق التحضير لعدوان قادم كان لا بد ان يتخذ المستوطنون جانب الحذر. من يتابع السياسة الإسرائيلية وما تحضر له من مخططات، لفرضها على الفلسطينيين، قبل متابعة التصريحات والتحليلات التي يقدمها كتاب إسرائيليون، يدرك منطقياً أن اسرائيل مقبلة على شن عدوان واسع على قطاع غزة، بعض مصادر المعارضة الإسرائيلية تراه قريباً لا يتجاوز نهاية هذا العام.
بعض المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة، يربطون بين عدوان يتوقعونه بشهر رمضان، على غرار ما وقع خلال عدوان الواحد وخمسين يوماً، التي وقعت العام الماضي وكانت خلال النصف الأول من شهر رمضان.
الحكومة الإسرائيلية التي تجيد اختراع المهارب من الأزمات التي تتصل بموضوع المفاوضات، والمبادرات، وآخرها التحرك الذي قامت به مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي فدريكا موغريني، ابتدعت هذه المرة فكرة البحث لتحديد حدود المستوطنات، طبعاً هذا عدا عن الشروط المعروفة واهمها اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة.
قبل ذلك كان نتنياهو قد طرح استعداده للبحث فيما أسماه بالتسوية الإقليمية، بعد ان كان طرح سابقاً فكرة السلام الاقتصادي. كل هذه الطروحات والمخارج مرفوضة من قبل الطرف الفلسطيني، ونظن أن الأوروبيين يدركون المغزى الأساسي من وراء تقديمها من قبل الجانب الإسرائيلي، غير ان هذا الادراك لا يعني ان الأمور والخيارات ستكون سهلة، في حال تقدمت أوروبا برؤيا تنسجم والأفكار التي تتضمنها المبادرة الفرنسية إلى مجلس الأمن.
بعيداً عن كل هذه المناورات، والمبادرات الأوروبية أو غيرها وبعيدا عن طبيعة المأزق الفلسطيني، فقد أصبح من الواضح للقيادة الفلسطينية ان إسرائيل تعمل على استراتيجية مغايرة، لفرض ما يسمى بدولة غزة، لكن إقناع الأوروبيين، سيكون صعباً، حيث ستطلب أوروبا من الفلسطينيين الإجابة عن أسئلتها وليس عن أسئلة الإسرائيليين.
حسب الاستراتيجية الإسرائيلية فإن الحرب المقبلة على قطاع غزة، تصبح ضرورة، لأسباب عديدة، تتصل بدفع مخطط دولة غزة قدماً بأقل قدر من الإشكاليات.
أولاً لا يمكن لإسرائيل أن توافق بأي حال من الأحوال على تظهير وبلورة دولة غزة، وهي مدججة بالأسلحة والكتائب المسلحة، فلقد رفضت إسرائيل دائماً الاعتماد على المواثيق والاتفاقيات لضمان امنها. الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية تعتمد على ضمان تجريد الآخر من أي سلاح يمكن أن يستعمل ضدها في أي وقت، بالإضافة إلى ضمان تفوقها وقدرتها على الردع. إسرائيل لا تقبل وجود بنية تحتية، وأنفاق هجومية حتى لو تم الاتفاق على هدنة طويلة، وهي عبر وسطاء يتحدثون الى حماس تصر على شرط نزع سلاح المقاومة، وهو أمر من الصعب الحصول عليه ان لم يكن من المستحيل.
ثانياً: تسويق مشروع دولة غزة المفروض فرضاً على الفلسطينيين يحتاج الى حرب، تؤدي في نهايتها الى اتفاق كان يمكن ان يكون قد وقع بعد حرب الواحد وخمسين يوماً، وحين ادعت إسرائيل ان عدوانها نجح في تدمير اكثر من سبعين في المئة من الأنفاق ومن قدرات المقاومة، ولكن تشكيل الوفد الفلسطيني الوطني الموحد هو ما منع ذلك. هذا يعني ان تعطل المصالحة، وتدهور العلاقات بين حركتي فتح وحماس، قد يفتح الباب ويوفر الذرائع بعد عدوان قادم، لأن تتفرد حماس بالمفاوضة.
ثالثاً: يمكن هذا العدوان إسرائيل من التهرب من التحرك الأوروبي وربما يؤدي مرة أخرى إلى تأجيل المبادرة الفرنسية على خلفية الظروف التي يخلقها مثل هذا العدوان. في كل حال فإن تعطل عملية إعادة الإعمار يذكرنا بخطة إعادة الأعمار بعد عدوان 2008، ما يعني ان إعمار غزة، والإفراج عنها، لن يأتي الا بعد عدوان آخر يوفر الظروف لإعادة إعمار كجزء من استكمال البنية الأساسية لدولة غزة.
بقلم/ طلال عوكل