الشيخ خضر عدنان قامة من قامات الوطن،وهو "بوبي ساندز" فلسطين،هو من كسر وهزم مخابرات الإحتلال وإدارة قمع سجونها،عندما أعلن حربه المفتوحة على سياسة الإعتقال الإداري الظالمة،رافعاً شعاره الناظم،ليس الشعار الذي ترفعه الحركة الأسيرة في كل معاركها المفتوحة عن الطعام،معارك الأمعاء الخاوية،دفاعاً عن حقوقها ومنجزاتها ومكتسباتها،وحقها في التنظيم وترتيب أوضاعها الداخلية والإعتقالية،بل كان شعاره في المرة الأولى عندما خاض الإضراب الأول المفتوح عن الطعام في عام 2012 ضد إستمرار إعتقاله الإداري لمدة (66)،إما الشهادة او التحرير،وأستطاع بصموده وثباته على موقفه،رغم كل الطرق والأساليب القمعية والمساومات والإغراءات التي لجأت إليها المخابرات الإسرائيلية واجهزتها الأمنية وحتى المستوى السياسي،ان ينال حريته معلنا ومدشناً مرحلة جديدة في نضالات الحركة الأسيرة.
نحن علينا أن لا نضع رؤوسنا في الرمال،الخطوة التي لجأ إليها الأسير خضر عدنان في المرة الأولى في 2012،ويعود إليها الان في عام 2015 من اجل قبر وإسقاط سياسة الإعتقال الإداري،والتي خاضها قبله وبعده عدد آخر من المناضلين والمناضلات،ما كان يمكن خوضها بهذه الطريقة الفردية،لو أن اوضاع الحركة الأسيرة سليمة ومعافة،فكما كان لأوسلو تأثيراته السلبية وإنعكاساته الخطيرة على شعبنا وأرضنا لجهة تقسيم الشعب والأرض،كان له صداه وامتداداته وانعكاساته وتأثيراته على الحركة الأسيرة في داخل سجون الاحتلال،والتي لم يكن لأوسلو تأثيراته عليها في هذه الجوانب فقط،بل كان لإهمال الحركة الأسيرة من قبل السلطة الفلسطينية،وعدم تحريرها من المعتقلات الإسرائيلية استنادا لاتفاق المبادئ- أوسلو- الكثير من التأثيرات السلبية حتى أنك كنت تشعر بأنه أصبحت هناك حالة من فقدان البوصلة والاتجاه،وأحدث ذلك الكثير من الخلل والتراجع والتفكك والتحلل،ليس فقط على وحدة الحركة الاعتقالية ومؤسساته،بل طال ذلك البنى والهياكل التنظيمية والحزبية للأحزاب والتنظيمات والفصائل الاعتقالية،حيث شهدت حالة من التفكك والتحلل،وأضحت حتى الوحدة التنظيمية في نفس التنظيم الواحد تعاني من الاهتزاز،ولم تفلح كل عمليات الإنعاش التي قامت بها كادرات وقيادات الحركة الأسيرة التي وفدت على السجون بعد الانتفاضة الثانية في إعادة أوضاع الحركة الأسيرة الى ما كانت عليه قبل أوسلو،رغم أنها حققت نجاحات في وقف حالة الانهيار والتراجع في أوضاع الحركة الأسيرة،حيث غياب الكادر والقيادة الحزبية،وحالة التآكل والاهتلاك التي أصابت العديد من الأسرى القدماء نتاج طول مدة الاعتقال وفقدان الثقة بالقيادة واهتزاز القناعات،وهنا نحن لسنا في إطار التعميم حتى لا يتهمنا البعض بالعدمية والتطير،كما قال الأسير المجاهد خضر عدنان في خطوته النضالية بانه غير سائر نحو العدمية.
وأنا هنا لا أريد أن اشخص وأعالج أوضاع الحركة الأسيرة،بقدر ما أريد القول،بأن وحدة الأداة التنظيمية الوطنية الموحدة،أي المؤسسة الاعتقالية الموحدة،تعرضت لشرخ،ولم تعد قرارات الحركة الأسيرة مركزية وملزمة لكل الأسرى في مختلف سجون الاحتلال،ولعل فشل إضراب 15/8/2004،أثار مثل هذه القضية على نطاق واسع فواحد من أسباب فشل ذلك الإضراب،هو عدم وجود الأداة التنظيمية الوطنية الموحدة،غياب القيادة المركزية الممسكة بالقرار،والمالكة للتقرير بشأن استمرار الإضراب أو حله،وهذا الفشل فاقم من أزمة الحركة الأسيرة،في ظل تعمق أزمة الحركة الوطنية في الخارج،وعدم حصول حراك جدي على أوضاع الحركة الأسيرة لجهة تحررهم من الأسر،أو إعطاء قضيتهم الأهمية الكافية من مختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني،ناهيك عن اشتداد الهجمة الوحشية من قبل إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية،بغرض سحب منجزاتها ومكتسباتها والتنكر لحقوقها،كسر إرادتها وتحطيم معنوياتها،وإفراغها من محتواها الوطني والنضالي،وإبقاءها في حالة من عدم الاستقرار وتفكيك منظماتها الاعتقالية،ولهذا الغرض جرى الزج بعشرات القيادات والكادرات الاعتقالية في زنازين وأقسام العزل،وأخضع عدد منهم لسياسة العزل الدوار بين أقسام العزل في سجون الاحتلال المختلفة،وليضاف الى ذلك حالة الانقسام الفلسطيني وما استتبع ذلك من تأثيرات سلبية أخرى على وحدة الأداة التنظيمية الوطنية للحركة الأسيرة.
ولذلك لم تنجح الحركة الأسيرة الفلسطيني بخوض إضراب استراتيجي مفتوح عن الطعام بعد ذلك،بل كانت الحركة الأسيرة في حالة دفاع مع هجوم شامل ومتواصل من قبل إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية وأجهزة مخابراتها.
واليوم عندما يدق الأسير المجاهد خضر عدنان جدران الخزان ويقود ملحمة بطولية فردية،فهو لا يسير إلى العدم،وخطوته النضالية هذه حالة غير مسبوقة في تاريخ الحركة الأسيرة الفلسطينية،حيث لأول مرة جرى خوض إضراب مفتوح عن الطعام والماء في تاريخ الحركة الأسيرة الفلسطينية وبهذا الزمن القياسي،ولم يسبقه لذلك سوى الأسير بوبي ساندز أسير الجيش الجمهوري الايرلندي (الشين فين)،والذي استشهد بعد اربعة وستين يوماً من الإضراب المتواصل عن الطعام والماء في سبيل الإعتراف بهم كأسرى حرب في السجون البريطانية،وتلك الخطوة لم تكن فردية بل كانت ضمن خطة شاملة للجيش الجمهوري الايرلندي،ونحن حتى اللحظة التي يخوض فيها اسيرنا البطل خضر عدنان إضرابه المفتوح عن الطعام للمرة الثانية والذي دخل يومه الثامن والعشرون،دفاعا عن حقوق الحركة الأسيرة ومنجزاتها ومكتسباتها ووجودها وحريتها وكرامتها،ومن أجل إغلاق ملف الاعتقال الإداري،فإن حجم التضامن معه داخل المعتقلات او خارجها لم يرتقي الى المستوى المطلوب،فالمطلوب حركة أسيرة بأداة تنظيمية وطنية موحدة وليس فصائلية،بمعنى أسرى الشعبية يناصرون أسراهم،او أسرى الجهاد يتضامنون مع الأسير خضر ويعلنون الإضراب المفتوح عن الطعام،فهذا شيء مقيت ومدمر للحركة الأسيرة،فالجميع مستهدف ليس هذا الفصيل او ذاك ولتكن حركة السيرة موحدة بأداة تنظيمية موحدة وبمطالب واستراتيجيات موحدة،لكي تنجح في فرض مطالبها على إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية وتحقق أهدافها في النصر والحرية.
الآن ما يجري من إنتهاكات بحق أسرانا في سجون الإحتلال،مثل سياسة الإهمال الطبي،والإعتقال الإداري المتواصل بدون محاكمات وبينّات وادلة،فإن ما حصل من متغيرات وحصولنا على عضوية محكمة الجنايات الدولية من 1/4/2015،فهذا يوجب علينا التوجه الى تلك المحكمة من أجل جلب ومحاكمة قادة الإحتلال وأجهزة مخابراته وإدارات سجونه،على مثل تلك الجرائم التي هي جرائم حرب بإمتياز.
بقلم/ راسم عبيدات