انطلاقا مما أثير مؤخرا وما زال يثار حول نتائج اجتماعات مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا ، لانتخاب رئيس جديد للاتحاد ، والتصويت على مشروع قرار فلسطيني بشطب عضوية إسرائيل من الاتحاد ، حيث وجهت جهات عديدة فلسطينية وعربية الاتهامات إلى رئيس اتحاد كرة القدم الفلسطيني ، لسحب الطلب الفلسطيني ، والتصويت لصالح بلاتر الرئيس السابق على حساب المرشح العربي الأردني الأمير علي بن الحسين ، هنا نحن لسنا بصدد تناول هذه الاتهامات ، صائبة كانت أم لا ، فهذا يقع على مسئولية جهات الاختصاص من لجان تحقيق أو مسائلة ، أو ما تراه الجهات السيادية . لكن ما يهمنا هنا هو تناول ظاهرة جد خطيرة يعيشها مجتمعنا الفلسطيني منذ زمن ليس بالقصير ، وهي تعدد الإخفاقات الفلسطينية في كثير من الميادين من جهة ، وإسناد مسئولية الإخفاق إلى أشخاص أي بعبارة أخرى شخصنه الاتهام ،حيث يعقبها الكثير من التصريحات القاسية والصادمة أحيانا ، المشفوعة بعبارات التخوين لشخص معين وكان هذا الشخص هو من باع القدس وتنازل عن فلسطين ، اتهامات دون الرجوع إلى الأسباب الحقيقة وجذورها ، ولعل حالة الخلل في النظام الفلسطيني الراهنة تقف وراء هذه الأسباب .
في البداية وحتى يمكن فهم هذا الأمر أرى بأنه لا بد من توضيح مصطلحي الإخفاقات والنظام اللذان يردان في هذا المقال ، فالإخفاقات هي حالات الفشل التي مني بها الفلسطينيون في أكثر من مناسبة طوال صراعهم مع عدوهم وخاصة في السنوات الأخيرة ، والإخفاقات كثيرة ومتعددة الأوجه منها ما هو إخفاقات على الصعيد الداخلي ، وإخفاقات على الصعيد الدولي ، نذكر منها : على الصعيد الداخلي حالة الانقسام الفلسطيني وهي اخطر أشكال الإخفاقات الفلسطينية حيث فشل الفلسطينيون في التمسك بوحدتهم الوطنية والحفاظ عليها ، ليبقى الانقسام خنجرا مسموما في خاصرة الشعب الفلسطيني ، إخفاق آخر داخلي هو حالة التفرد لبعض الأحزاب والفصائل في الاتصالات وإرسال الإشارات والرسائل والتعاطي مع المبادرات من اجل إيجاد تسوية ما للقضية دون الرجوع إلى الكل الوطني الفلسطيني ، وكان هذا الفصيل أو ذاك هو من يمثل كافة أطياف الشعب الفلسطيني .، إخفاق آخر أيضا هو تعكير وإفساد صفو العلاقات الفلسطينية الفلسطينية من جهة والفلسطينية العربية من جهة أخرى بدلا من تعزيزها والحفاظ عليها بما يخدم أبناء شعبنا ، ويأتي هذا من قبل البعض الفلسطيني .، وهناك الفشل الفلسطيني في مجلس الأمن الدولي بعد مشروع القرار الفلسطيني بطلب الاعتراف بدولة فلسطين ، ولعل الإخفاق الأخير هو ما حدث في سويسرا واجتماعات الفيفا ، وغيرها من إخفاقات .
أما مصطلح النظام فلا نقصد منه نظام الحكم على غرار أنظمة الحكم العربية التي جاءت بانقلابات عسكرية في ستينات القرن الماضي وسبعيناته ، ولكن نقصد مجمل الحالة المجتمعية الفلسطينية العامة بنواحيها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية ، الحالة التي من المفروض أن يحكمها النظام والقانون والدين من جهة وبمراقبة ومتابعة العرف الاجتماعي الموروث ، لذلك نشعر بأننا نعيش حالة من الفلتات المجتمعي ، فعلى الصعيد السياسي نرى أن كل فصيل سياسي في هذا المجتمع يحاول إنكار الأخر ، ويعتبر نفسه انه الوصي على هذا الشعب ، ويتصرف ويتخذ من القرارات دون الرجوع أو مشاورة الآخرون من يشاركونه العيش في هذا الوطن والأمثلة كثيرة لا مجال لذكرها ، على الصعيد الوظيفي والإداري تجد كثبر من الموظفين من أصحاب الوظائف الكبرى مدنية كانت أو أمنية ، يوحي لمن حوله من الأصدقاء والأقارب والجيران بأنه كل شيء في مؤسسه وهو حاكم هذه المؤسسة ، لدرجة يظن البعض انه قادر عل علاج أي مشكلة وتحقيق أي رغبة لأي سائل ، ويقوم بتشكيل هالة كبيرة من حوله من مرافقين وأصدقاء بحيث تبدأ الممارسات الخاطئة من قبل أفراد هذه الهالة معتقدين بقوة وتفوذ صاحبهم الذي سيكون هو سندهم وساعدهم تحت أي ظرف وإذا حدثت أي مشكلة لاستطيع هذا المسول فعل أي شي لعلاجها ، وأمثلة كثيرة لا يتسع المجال هنا لذكرها ، اقتصاديا أمور كثيرة تعبر عن الفوضى التي عنوانها الغش والاستغلال وعدم الرقابة ،
هذه هي حالة القلتان المجتمعي، لا تبالي من وجود قوانين ونظم وموروثات توارثناها جيلا بعد جيل ، والنتيجة أخطاء يرتكبها البعض بقصد أو بدون قصد .
هذه الأخطاء كثيرا ما تجلب نتائج كارثية ، وأول ما تواجه بالشجب والاستنكار ، والتخوين ، دون الرجوع إلى الأسباب الحقيقة لهذه الأخطاء ، ويتم استغلالها سياسيا لخدمة أهداف حزبية وفصائلية بعيدا عن المصلحة الوطنية .
أننا وإذ نتناول هذه القضية يجدر بنا أن نتساءل أولا عن سبب الإخفاقات الفلسطينية المتعددة ولنأخذ مثلا ما ذكرناه أنفا ، ونسأل : ما هي أسباب الانقسام الفلسطيني ؟ ، لماذا تتأخر المصالحة ؟ ، لماذا فشل مشروع القرار الفلسطيني في مجلس الأمن الدولي ؟، لماذا كانت نتائج اجتماعات مجلس الفيفا ؟ ، لماذا تتغير علاقاتنا مع أشقائنا العرب وخاصة مع مصر وشعبها ، والأردن وشعبه ، وسوريا وشعبها ، ألا يكفينا عدونا حتى نستعدي أشقائنا ضدنا ، قد يقول قائل أن سبب المشكلة هي حركة حماس بسياساتها وممارساتها ، ويقول آخر أنها فتح والسلطة بتفردها وعدم مشاركتها الآخرين وهكذا تبدأ الاتهامات دون وضع الإصبع على السبب ، ودون وضع الحلول الوطنية الصادقة ، أن السبب الحقيقي في نظري هو غياب هيبة المؤسسات بل غياب المؤسسة في الأصل ، غياب احترام النظام الإداري الذي يبدأ من قمة الهرم إلى القاعدة .
اعتقد أننا نعيش في أزمة حقيقية وسوف تعمل على إفراز المزيد من الإخفاقات بل والكوارث إذا استمر هذا الحال على حاله ، وللخروج من هذه الأزمة لابد من إعادة هيكلة للنظام السياسي والإداري ، وإعادة الهيبة لمؤسساتنا وفرض احترامها ، واعتقد أن العنوان الرئيسي آو المدخل الرئيس لإعادة هيكلة النظام السياسي والإداري هو "دولة فلسطين" ، وهذا يتطلب وقفة صادقة من كل الفصائل ورفع شعار فلسطين أولا.
بقلم/ أكرم أبو عمرو