لا قيادة بدون جماهير

بقلم: صلاح صبحية

عندما يضيق علينا الأفق ، ونجد أنفسنا أمام خيار صعب ، فلا خيار آنذ إلا خيار الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية في نضالنا المستمر من أجل إنجاز أهدافنا التي تحقق لنا الوجود اليومي على الأرض ، لأنّ تحديد أي هدف وفي أي مجال كان ، وتعبئة الجماهير لخوض النضال من أجل تحقيق ذلك الهدف ، يتطلب النضال المستمر لتحقيقه ، وعدم التراجع عنه في اللحظة الأخيرة مهما كانت نتائج مواجهة الأعداء له عنيفة ، لأنّ ذلك يؤدي إلى فقدان ثقة الجماهير بقيادتها ، وخاصة عندما يتم تعليل ذلك التراجع نتيجة الضغط الدولي ، فالضغط الدولي مستمر ضد أهدافنا مهما كان حجمها ومساحتها ، ولن يتوقف هذا الضغط مهما قدمنا من تنازلات ، لأنّ الخضوع للضغوط الدولية قد استغلها العدو الصهيوني بما يخدم مصلحته وأهدافه ، فمن الخطأ التضحية بثقة الجماهير وقدرتها على العطاء مقابل الرضوخ للضغوط الدولية .

فعندما حصلنا على مقعد مراقب في الأمم المتحدة باسم دولة فلسطين مساء يوم 29/11/2012 لم تنتبه القيادة الفلسطينية إلى ما صرّح به المندوب الصهيوني في الأمم المتحدة لحظة إعلان نتيجة التصويت حيث قال : ( سيستيقظ الفلسطينيون صباح الغد ليجدوا أنّ شيئاً لم يتغير عليهم ) ، وكأنه كان يقول لنا لا قيمة لحصولكم على مثل هذا المقعد ، فإذا بنا نغادر قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة تاركين على مقاعدها إنجازنا التاريخي الذي لم يرَ النور حتى هذه اللحظة ، وما زال المندوب الصهيوني في الأمم المتحدة يقهقه ساخرا منا لأننا لم نغير شيئاً على أرض الواقع نتيجة ما حصلنا عليه في ذلك اليوم التاريخي ، فليس المهم أن نحصل على القرارات الدولية التي تمنحنا بعضاً من حقوقنا ، بقدر ما هو الأهم ترجمة القرارات على أرض الواقع .

وإذا ما عدنا إلى صيف عام 2000 واجتماعات كمب ديفيد الفلسطينية الأمريكية الصهيونية على مدى نحو أسبوعين نجد أنّ الأمر كان مختلفاً ، فلم تخضع القيادة الفلسطينية لكل الضغوطات الأمريكية التي مورست على القيادة الفلسطينية من أجل التنازل عن الحقوق الفلسطينية ، بل كان جواب القائد الفلسطيني ياسر عرفات ، أنني أدعوكم لحضور جنازتي ، بل أنّ الضغوطات على القيادة الفلسطينية في ذلك العام توسعت مساحتها حتى شملت نحو خمسين دولة عربية وإسلامية رافضة الموافقة على إعلان قيام الدولة الفلسطينية ، فلم يخضع القائد ياسر عرفات لكل هذه الضغوط ، بل لجأ إلى شعبه يستمد منه القوة فكانت انتفاضة الأقصى رداً طبيعياً على نتائج اجتماعات كمب ديفيد .

لم يكن ياسر عرفات قائداً شعبوياً بقدر ما كان قائداً شعبياً يستمد قوته من أشبال فلسطين وهم يواجهون دبابات العدو بالحجارة الفلسطينية المقدسة ، فقد كان الشبل فارس عودة في نظر أبي عمار هو القائد الحقيقي للشعب الفلسطيني ، ولا امكانية لاستعادة القدس لتصبح العاصمة الأبدية لدولة فلسطين في نظر أبي عمار إلا بملايين الشهداء وهم يروون بدمائهم أرض القدس .

فأية مواجهة مع العدو تتطلب الصدق مع الجماهير التي هي دائماً على استعداد للعطاء مهما كانت النتائج ، فنحن في معركة الفيفا لم نخسر جولة ، لأننا لم نخض هذه الجولة حتى نهايتها ، فخسرنا جماهيرنا لكي نحافظ على شعار الألمان بأنه لا فيفا بدون " اسرائيل " ، متناسين أن " اسرائيل " كائن غير شرعي في منطقتنا العربية .

إنّ التضحية بالجماهير أمر خطير جداً ، لأنه لا معنى لوجود قيادة بلا جماهير ، فالقيادة التي لا تهتم بمطالب جماهيرها ستحول هذه الجماهير إلى عدو لها ، فالمسلكية الثورية تحتم ضرورة التحام القيادة مع جماهيرها في كل مواقع المواجهة مع العدو حتى لا يهزمنا العدو في كل مكان .

بقلم/ صلاح صبحية