المشهد الفلسطيني في هذه المرحلة، قد يصيب بالاحباط واليأس والشعور باللاجدوى، نظراً لما يعتريه من ازمات وهموم ومشكلات تضرب في كل مجال واتجاه.
الأمل في تحقيق المشروع الوطني مشروع الدولة، والعودة وتقرير المصير، يتراجع في ظل تقدم المخططات الاسرائيلية والمصالحة الفلسطينية تتعثر، ويتسبب الأداء بشأن تحقيقها في تراكم المزيد من خيبات الأمل، والأهم ان تعثرها يقوض عوامل الصمود على الارض التي يكافح الشعب من اجلها.
المحيط العربي، يتعرض للمزيد من العواصف والاعاصير، واولوياته تتبدل لصالح حماية الذات لانظمة وجغرافيا الدولة الوطنية، وتتبدل بمصاحبة ذلك، قائمة الاعداء.
كل ما حول القضية الفلسطينية وشعبها مضطرب الى ابعد الحدود، وربما يستطرد البعض في الحديث عن تراجعات وهزائم وتنازلات، ولكن التدقيق بشمولية اوسع، وبعقل موضوعي مفتوح، وعند مغادرة مربع الرؤية بين الاقدام، فإن الانسان بامكانه أن يرى في المشهد الذي يبدو مظلماً، انواراً بعضها خافت وبعضها ساطع.
اذا ادركنا ان الصراع من اجل فلسطين محررة، مستقلة هو صراع مديد، لا يمكن لأحد ان يتكهن برزنامته الزمنية، وان هذا الصراع معقد وشائك نظراً لطبيعة العدو التي تختلف عن اي استعمار آخر، ليس لكونه مشروعاً استعماريا عالميا وحسب، بل ايضاً لأنه من النوع الخاص، الذي لا يشبهه استعمار آخر، اذا ادركنا كل ذلك، فإن علينا ان لا نستعجل الحكم على ما وقع في سياق خوض الشعب لهذا الصراع.
الحالمون فقط هم من كانوا يعتقدون أن طريق اوسلو، سيكون طريق انتزاع الحد الادنى من الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، غير أنه لا يكفي ان نندب حظنا العاثر على اكثر من عشرين عاماً من الفشل. بالجملة يمكن القول ان مسيرة اوسلو، مليئة بعناوين الفشل ولكن هذه المرحلة لم تذهب سدى، ذلك انها تؤسس لمرحلة قادمة يتوحد فيها الشعب وقواه السياسية على اولاً خوض الصراع والاشتباك المفتوح وثانيا لأن اسرائيل لعبت دوراً اساسيا ومقررا في ان يعود الصراع على ارض فلسطين التاريخية، ليتخذ طابع صراع الوجود وليس صراع الحدود.
بعيداً عن الاستثمارات السياسية الصغيرة، بين الفصائل الفلسطينية والقيادات السياسية، وعن حساب المكاسب والهزائم التكتيكية والصغيرة، فقد نجحت السياسة الفلسطينية في تغيير وعي المجتمع الدولي ازاء حقائق الصراع.
لا يعني هذا ان اسرائيل فقدت حلفاءها، ولا انها لم تعد مشروعا استعماريا، يلعب دورا وظيفيا لصالح العديد من الدول الاستعمارية الكبرى، ولكن مكانة اسرائيل في وعي المجتمعات الدولية، تغيرت، وتتغير لصالح الشعب والقضية الفلسطينية.
ثمة جانبان للموضوع الاول هو أن السياسة الفلسطينية قدمت نفسها بطريقة اقنعت العالم بما في ذلك حلفاء اسرائيل، على انها مقتنعة وملتزمة بسلام عادل، وان اسرائيل هي المسؤولة عن تبديد فرص تحقيق السلام، والثاني هو أن طبيعة المشروع الصهيوني تجعل اسرائيل تقدم نفسها على انها دولة عنصرية، ودولة مارقة ودولة ارهاب، دولة تسعى وراء اطماع توسعية، ولا ترى في تحقيق السلام مصلحة لها.
فقط في هذا التبدل في الوعي العالمي، امكن تغيير مكانة منظمة التحرير في الامم المتحدة، الى دولة فلسطين غير كاملة العضوية وفقط في ظل هذا التبدل يمكن لفلسطين ان توقع على كل المعاهدات والمواثيق الدولية بما في ذلك معاهدة روما، والتوجه بقوة نحو تدويل الصراع.
وفقط في ظل هذا التبدل، يمكن اقناع المزيد من المؤسسات ومنظمات المجتمع الدولي المدنية وغير المدنية بضرورة معاقبة اسرائيل ومقاطعتها اقتصاديا واكاديميا.
فقط في ظل هذا التبدل تسارع العديد من البرلمانات الاوروبية لرفع توصيات لحكوماتها بالاعتراف بدولة فلسطين، وبعض هذه الدول، اعترفت رسميا، بعد اكثر من عشرين عاما على اتفاقية اوسلو، تقدم دولة مثل فرنسا، هي التي زودت اسرائيل بالمفاعل النووي، تقدم او تستعد لتقديم مشروع قرار لمجلس الامن، لانهاء الاحتلال، بغض النظر عما اذا كان منصفا للشعب الفلسطيني ام تعتريه بعض الاختلالات.
ثم لنتبصر في هذه الشهادات غير الحصرية.
هل كان لأحد أن يتوقع من رئيس الولايات المتحدة، وهي الداعم والحامي الرئيس لاسرائيل، ان يقول إن شروط نتنياهو قاسية، وتضرب مصداقية الدولة، وان اميركا قد لا تستطيع رفع الفيتو على مشروع قرار يقدم لمجلس الامن؟
هل من كان يتوقع ان منظمة هيومن رايتس ووتش، يمكن ان ترفع للأمين العام للأمم المتحدة، توصية بوضع اسرائيل على قائمة العار، وان تصدر توصية مماثلة من اطراف اممية، على اثر تقارير تتهم اسرائيل بقتل مئات الاطفال الفلسطينيين؟
ان التدقيق اكثر فيما يجري على الساحة الدولية خصوصا على مستوى المجتمعات واهمها ما يجري في اوروبا، يشير الى ان حملات المقاطعة اخذت تتسع، وتتزايد جدواها، وينضم اليها الكثير من المؤسسات والمنظمات النقابية والمهنية، قبل أن تستدركني مساحة الكتابة أرى أن على الفلسطينيين ان يستعيدوا ثقتهم بأنفسهم وثقتهم ببعضهم البعض، وثقتهم بشعبهم وعدالة قضيتهم، وحينذاك ستطول قائمة الشواهد المسجلة على خانة تراكم الانجازات ذات الآثار والابعاد الاستراتيجية والتاريخية.
بقلم/ طلال عوكل