خرابيش -16-

بقلم: نبيل عبد الرؤوف البطراوي

ألوان وأحزان وكلمات مبعثرة وخيوط متشابكة الى حد عدم القدرة على التمييز ,فالكل يرفع شعارات ويتغنى بالآهات ويوزع الأحلام والابتسامات وكأنها أكياس المعونة التي ينتظرها الفقراء بعد أن جعلوا الشعب والقضية سلعة يتاجر بها في كل الحانات وتأخذ الصورة بجانب المسئول والكل يحيي القائد الهمام على السعادة التي صنعها على مر الايام في كوابيس النصر التي تعود بنا الى الخلف بدل الأمام .

وهنا البحث عن الحقيقة لم يعد ممكن فذاك جائع يبحث عن كسرة خبز من محسن يسمى قائد فيحدثه عن النصر القادم بعد أن ينتقل الى جوار رب الكون ,ولكن الجوع يعود ويتدخل فيسأل من ذا الذي يخفي رغيف الخبز عله يجد جواب ؟وهنا يركب القائد سيارته السوداء ليختفي خلف الزجاج ويترك لجائع فسحة ترضيه فيجعل بصره يقع على عبارة منقوشة للمارة على الزجاج الخلفي لسيارة -الصبر مفتاح الفرج-.

وهذا مشرد يبحث له عن وطن بحجم رغيف الخبز على خارطة الكون ,على الرغم من كثرة الحانات والرايات وتزاحم الشعارات ألا أنه لم يجد له مكان الا في بطن الحوت وهنا يتذكر المعجزة الربانية هل سيعود الحوت ليقذفه ليجد شجرة اليقطين ,ويتذكر في زحمة الموج تاريخ الهزائم التي نسميها انتصارات ,فالقائد باقي ليس مهم كل الاسماء فتلك أقدارهم .

تلك فتاة تبحث لها بين طابور العاطلين عن الحياة علها تجد من يطفى شوقها لتكون الجزء الآخر من استمرار الكون وهنا تصافح نظرتها ابتسامة شاب متكئ يطلب منها ثمن سيجارة وحين سألته لماذا تريد السيجارة ؟قال لها لعلي أصنع من دخانها جسد فتاة أحلم أن يتراقص أمام عيوني فتبتسم وتتذكر بأنها كمن يبحث عن قطرة ماء في بحر .

وسط هذا السكون وحالة الموت السريري ,يخرج من مكان مجهول في زمن مجهول ,صوت بائع الشعارات ,عابد الرايات ,محقق الانتصارات من بين الاشلاء والركام ليرسم لنا صورة بلون الدم مكتوب عليها انتصار ومطلوب منك أن تفرح وأن تبتسم وتقدم الشكر بأن ظل القائد فينا لكي يحقق لنا مزيدا من الانتصارات ليجدد فينا الشباب ونعيد بناء المزيد من العمارات ,فكبير الأصنام مطلوب أن يبقى لكي لا نتيه في اختيار الآلهة .

فبيضة القبان لم تتغير على الرغم من مرور الزمان ,المهم أن يبقى القائد حيا ليرسم لنا الأحلام ,وتبقى الدماء تسيل لكي يلون لنا الاوهام ,فجوعنا عند القائد صبر وقهرنا وقتلنا عند القائد فوز والوطن عن القائد سلعة للإتجار, والحرية عند القائد ضرورية كنعل للمسمار ,فجواري السلطان ليس لها في النقاشات والحوارات مكان ,فمطلوب منها أن تبتسم وأن ترتسم لتدخل البهجة والسرور على الملهم المأمور ,فهو علينا المندوب ولنا المحبوب بسمه نهتف وفي حبه نذوب ,فلغة الرصاص في الرجل أو في الرأس هي وسيلة القائد لضبط الاحساس ,فلا تعبث في أمن المواطن بعد أن اعتاد على الجوع والظلام وبعد أن حنطت الاحلام ولم يعد الوطن اكثر من شيء من الاوهام

بقلم/ نبيل عبد الرؤوف البطراوي