لجنة تقصي الحقائق للدفاع عن حقوق البقر في غزة

بقلم: عبد الحليم أبوحجاج

الأبقار والعجول الاسترالية تشتكي إلى حكومة بلادها من سوء معاملة الغزيين لها ، وبكت حتى فاحت رائحة دموعها تلهب النخوة الإنسانية في جوانح الاستراليين ، فتشكلت لجنة لتقصي الحقائق ، وهُرعت إلى غزة دون إبطاء ، لأن الأمر يتعلق بحقوق ( رعاياها !) ، وبعد تجوال أعضاء اللجنة ومتابعة ظروف معيشتها (الصعبة) ، رفعت تقريرها إلى المسئولين في بلادها ، كشفت فيه أن هذه الأبقار والعجول تكابد وتعاني قسوة الحياة ، وأوصت بإيقاف تصديرها إلى غزة إلى أن يتم تحسين ظروف المعيشة ، وإصلاح الخروقات (اللاحيوانية !) الآتية :

1- الزريبة – المسكن - لا توفر للأبقار والعجول الراحة الجسدية والنفسية بما هي عليه الآن ، بسبب ازدحامها وإسكان أعداد منها تزيد عن المقرر المسموح به في خاناتها الزريبية ، ما ينغص عليها حياتها وهدوء بالها ، ويرفع من درجة قلقها النفسي وتوترها العصبي ، ويسلبها حقها في التأمل والتفكير الإبداعي .

2- طريقة تحميل وتنزيل الأبقار والعجول من وإلى المركبات الشاحنة – طريقة مُهينة ، تتنافى مع قانون الرفق بالحيوان والمعاملة بالإحسان .

3- شاهدت اللجنة أن البيطرة في غزة تنتهج طرائق وأساليب خشنة لا حيوانية ، فهي لا تراعي الصحة النفسية ، ولا الصحة الجسدية ، وهو شبيه بما يعامِل به الأطباءُ مرضاهم الغزيين حين يقعون تحت أيديهم ومشارطهم في المستشفيات العامة والخاصة .

4- شاهدت اللجنة الأبقار والعجول وهي تتناول إحدى وجباتها ، فاعترضت على طريقة تقديم الطعام ، ما يجعلها تتزاحم لنيل نصيبها من الغذاء ، فتتناطح ويؤذي بعضها بعضا ، أضف إلى ذلك أن الوجبة غير كافية وغير صحية ، وينقصها التنوع لتقوية الأجسام والتغلب على الأمراض .

5- رأت اللجنة أن الأبقار والعجول تُساق قصرا إلى المذبح بالضرب والجر والسب ، ما يتنافى مع الطرق التربوية الحديثة في التعامل مع الحيوان ، التي تحث على التعامل بالرفق واللين والكلمة الطيبة ، من غير إيذائها في جسدها أو في مشاعرها .

6- اعترضت اللجنة وبعنف على طريقة ذبح الأبقار والعجول في المسلخ ، ذلك في رأيها أن الطريقة مُهينة وموجعة للحيوان ، ما يجعله يعاني ويتعذب ويتألم قبل إنزال السكين على رقبته .

هذا وقد صورت اللجنة في تقريرها كيف استقبلتها أبقار وعجول بلادها بالخوار والبكاء بدموع حارة سخينة تكاد تُخفيها ، وهي عند الأستراليين أغلى من دموع الفلسطينيين والعراقيين والسوريين ، وهي عندهم أغلى وأطهر من دم ودموع الأطفال المصريين في مدرسة بحر البقر الذين حصدتهم الطائرات الحربية الإسرائيلية وهم على مقاعد الدراسة أيام حرب الاستنزاف .

وأتمت اللجنة الحقوقية زيارتها إلى غزة بما رأت وعاينت ، وغادرتها إلى بلادها حيث رفعت تقريرها وتوصياتها إلى المسئولين ذوي الاختصاص ، وبناء عليه صدر قرار بإيقاف تصدير الأبقار والعجول إلى غزة حتى تتحسن شروط الإيواء والمعيشة والبيطرة والمعاملة الحسنة باللسان الرطب المهذب وباليد الحانية الحنونة وبإقامة المتنزهات الفسيحة والحفلات الموسيقية الراقصة للترويح عن النفس أسوة بما في بلادها أستراليا وهولندا وفي البلاد الإسكندنافية ، وأوصت اللجنة بذبحها بطريقة مريحة لابكاء قبلها ولا ألم أثناءها .

والحمد لله أن فلسطين ليست دولة مستقلة ذات سيادة ، وليست ندا لأستراليا ، لهذا لم تحدث أزمة دبلوماسية بينهما على مستوى سحب السفراء ، وإعلان الحرب الإعلامية الساخنة . فقد طوَّق التجار والمستوردون أزمة الأبقار والعجول الاسترالية ، بأن توجهوا إلى شراء واستيراد البديل عنها من هولندا بأسعار مرتفعة وبتكلفة عالية ، ثم أخذ بعضهم بالالتفاف والتحايل بشراء الأبقار والعجول الاسترالية من (إسرائيل ) بأثمان أعلى مما كانت عليه من قبل ، لهذا وذاك كان السبب الرئيس في رفع سعر كيلو اللحمة ، بالإضافة إلى سبب رئيس آخر وهو فرض ضريبة التكافل التي فُرضت قصرا على الناس الغلابا في قطاع غزة ، فقد تحمَّلها التجار المستوردون في رءوس أموالهم في بادئ الأمر، ثم انصبت قيمة الضريبة " البدعة " في سلة المستهلك العادي – جمل المحامل الذي يجوع ويعرى ويعطش ويتحمل أعباء الغلاء في ظل الفقر والبطالة وقلة الحيلة وهوانه من أشقائه ، ولا أحد يتقي الله في هذا الشعب الذي سيقف يوم القيامة خصيما للقائمين على أمره في حكومة تأكل الحُصرم والناس يضرسون .

... ولكن لنا تعليق نوجهه إلى المُصدرين والمستوردين معا ونقول : الرفق بالحيوان وكيفية إعداده للذبح ، وكذلك طريقة ذبحه منصوص عليها في الشريعة الإسلامية ، فقد أوصانا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالرفق بالحيوان ، وأمرنا أن نتبع سنته بأن تُذبح الغنم والبقر وهي مُضطجعة على جنبها الأيسر ، ويُسن توجيهها إلى القبلة ، وأن تُحد شفرة المِدْيَة (السكين) ، ويُكره حدها والذبيحة تنظر إليها ، ثم يذكر عليها اسم الله . وقد نهى – صلى الله عليه وسلم – أن تُذبح واحدة والأخرى تنظر ، رفقا بها حتى لا يعذبها المنظر . والأحاديث النبوية الشريفة كثيرة لمن أرادها .

ولكن ما قولكم أيها الأستراليون ويأيها الأوربيون في القتل والذبح والدمار الذي يحصد بعض أرواح أكرم خلق الله ، وبعضهم الآخر يرى وينتظر دوره وهو لا يعلم من أين يأتيه الموت الذي يحيط به كالسوار من المعصم ؟! ، فليتكم تأتون إلى قطاع غزة لتقصي حقائق الناس الآدميين الذين يعيشون في العراء في ظل حوائط بيوتهم التي هدمتها الطائرات الحربية الإسرائيلية بصواريخها المحمومة ، وليتكم تأتون لتروا كيف تتكدس الأسر الفلسطينية بأعدادها الكبيرة في حجرات المدارس والكنائس وسائر المؤسسات التابعة للأونروا ، يعيشون حياة لو قُدر لهم أن يقفوا على معيشة أبقاركم وعجولكم في زرائبها لحسدوها ، ولتمنوا حياة مثل حياتها ، ولكنَّ الأستراليين لم يذكروا في تقريرهم شيئا عما تعرضت له أبقارهم وعجولهم من قتل بعضها وتدمير الزرائب على رؤوسها ، فتناثرت أوصالها ولحومها حين طالتها صواريخ الطائرات ومدافع الدبابات ، لماذا ؟ إنها الخشية من إغضاب حبيبتهم إسرائيل .

ويبدوا أن السلطة الفلسطينية قد أخطأت وجهتها حين تقدمت بطلب العضوية إلى الأمم المتحدة ، وكان من الأجدى والأنفع أن تتقدم بطلب العضوية إلى جمعية حقوق الحيوان والرفق بها ، لأن هذا ما نحتاج إليه نحن - الشعب الفلسطيني - حتى يتسنى لنا الحصول على الحقوق التي تتمتع بها الأبقار والقطط والكلاب ، وحتى نطمئن أن هيأة حقوقية ستنبري للدفاع عنا أمام المحافل الدولية إذا انتقص حق من حقوقنا ، وما أكثر الحقوق الضائعة التي تنقصنا ! وما أكثر الطامعين الذين سلبونا كل الحقوق الآدمية سواء كانوا غربيين أو عروبيين أو فلسطينيين ! وأولها وأبسطها : أن نحيا أحرارا في ديارنا وأن يكون لنا وطن نلوذ به ونلجأ إليه كسائر البشر والحيوانات . فتعسا للغافلين المغفلين الذين يوهموننا أن سفن " جالاوي " ستكسر الحصار ! وتعسا للذين يتركون المنجل يحصد الأرواح حين يشترطون سيطرتهم على معبر رفح والإشراف عليه ، ومصر لا تريدهم . وتـبت أيـدي الذين يطيلون أمد المكابدة والمعاناة بإصرارهم على تفرُّدِهم بأموال الإعمار، والمانحون لا يعترفـون بهـم ولا يرغـبون فيهم . فالعنوان الفلسطيني واحد معروف للجميع هو رئيس السلطة الفلسطينية . وسحقا لمن يستطيع صيانة حياتنا وترميم شخصيتنا ولم يفعل !. وطوبى للذين يدركون أن رفع الحصار وعودة الحرية مرهون بإزالة الانقسام وبإزالة الراغبين فيه والمتشبثين به ! وطوبى لمن يدرك أن خلاصنا مرهون بالتخلص من الحزبية المقيتة ومن رجالاتها المتاجرين بالقضية الفلسطينية ! . فقبل أن نسأل العالم أن يرفع عنا مقته وحصاره وأضراره ، علينا نحن - الفلسطينيين - أن نسأل أولئك الذين يدعون أنهم القائمون على الدين والدنيا ، القوامون علينا ، الزاعمون أنهم قادتنا وزعماؤنا : متى ستبادرون برفع الظلم عنا ؟ ، ومتى تحرروننا منكم ومن خصوماتكم الحزبية ؟ ، ومتى ستتركوننا نختار حُكَّامنا وساستنا بمحض إرادتنا دون فرض أو إكراه ؟ ، ومتى ستخلّون بيننا وبين قناعاتنا في اختيار طريقنا ومنهج حياتنا بما فيه نفع للجميع ؟ ، فنحن لسنا قاصرين ولا مُقصِّرين حتى يكون علينا أوصياء وأولياء من كُهَّان هذا الزمان . إذن ، من كان يؤمن بالله ورسوله وباليوم الآخر فليضحي بكرسيِّه من أجل مصلحة بلاده وشعبه ، ومن كان يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر فليقل للسيد الرئيس خيرا أو ليخرس ! ***.

بقلم/ عبدالحليم أبوحجاج