اليوم الرابع عشر من شهر يونيو ، يكون قد مر ثماني سنوات على الانقسام الأسود ، في هذا اليوم الذي يمكن تصنيفه في سلسلة النكبات التي حلت بشعبنا بالنكبة الثالثة ، هذا اليوم كان من المفروض أن يكون وقودا يشتعل تحت مرجل المستقبل الفلسطيني لإنضاجه لا إلى حرقه وتدميره ، كان من المفروض أن يكون بداية لمراجعات حقيقية وجادة لكل السياسات والمسلكيات الفلسطينية من اجل الخروج بمنهج جديد يقودنا إلى المستقبل المنشود ، لكن وبأيدي فلسطينية تم تحويله إلى نافذة عريضة للدمار والخراب والضياع ، ضياع شعب ، وضياع وطن ، وضياع قضية .
نقول هذا الكلام ونحن ننظر إلى تلك السنوات الثماني وهي تمر أمام أعيننا ببطء شديد ، عانى فيها شعبنا اشد المعاناة فالوطن تم تقسيمه أرضا وشعبا ، ثماني سنوات عجزت فيها كل المحاولات لرأب الصدع بين الإخوة ، ثماني سنوات شهدت ثلاث حروب مدمرة شنتها إسرائيل على قطاع غزة ، حصار مستمر لم ينقطع ، والنتيجة قتل وتدمير وفقر وبطالة ، وما زلنا نبحث عن فلسطين في وسط هذا الركام .
بالأمس أوردت وكالات الأنباء خبرا مفاده إرسال إسرائيل رسالة تهديد إلى السلطة الوطنية الفلسطينية ، وفيها بان الدبابات الإسرائيلية يمكنها السيطرة على الضفة الغربية خلال 24 ساعة ،إذا استمرت القيادة الفلسطينية في محاولات عزل إسرائيل ، واعتقد أن مسالة محكمة الجنايات الدولية ، والفيفا ، وطلبات الاعتراف بالدولة في مجلس الأمن ،والدعوة إلى استئناف المفاوضات ، كانت حاضرة في هذه الرسالة، وفيها اعتراف إسرائيل بشروعها في دراسة إنشاء الميناء والمطار في قطاع غزة ، وجاءت هذه الرسالة في الوقت الذي أطلق فيه نتنياهو تصريحا بأنه لا يغترف إلا بدولة فلسطينية منزوعة السلاح وتعترف بيهودية الدولة الإسرائيلية ، وتأتي هذه الأخبار جميعها في ظل توالي زيارات العديد من الوفود الأجنبية التي يرأسها مسؤلين كبار على قطاع غزة ، والهدف المعلن دائما هو الاطلاع على أحوال قطاع غزة .
إذن من هنا يمكن قراءة الخطوط العامة لطبيعة المرحة القادمة ، حيث تدرك إسرائيل حقيقة ما آلت إليه الأوضاع الفلسطينية الداخلية منها والخارجية ، الداخلية حيث يقف الانقسام كأكبر معالم هذه الحالة سوءا ، ثم الصراع الحزبي والفصائلي الداخلي سواء بين الفصائل الكبرى ، أو داخل الفصائل ، الأمر الذي أدى في النهاية إلى تغليب الأجندات الحزبية والفصائلية على حساب الأجندة الوطنية من جهة واشتداد حالة المعاناة لشعبنا المرهق والمنهك جراء الحروب والحصار ، وبالتأكيد إسرائيل هي العامل المؤثر بل والفاعل في أحداث هذه الحالة ، التي تقودها إلى تمكنها من إنهاء الصراع السياسي والتاريخي مع الفلسطينيين وذلك بقتل الحلم الفلسطيني محاولة استغلال البعد الإنساني للوصول إلى أهدافها ، أما الخارجية فإسرائيل تدرك ما آلت إليه قضيتنا من تراجع على سلم الأولويات العربية والإقليمية بل والدولية ، تدرك طبيعة العلاقات العربية الفلسطينية وخاصة العلاقات الشعبية ، تدرك تماما ما آلت إليه العلاقات بين الشعبين الفلسطيني من جهة والشعب المصري ، والأردني ، والسوري ، والعراقي، وباقي الشعوب العربية ، حيث بدأت النظرة والموقف المؤيد والمساند المتعاطف في اقل الأحوال في الفتور ، بل في كثير من الأحيان إلى التنكر والاستنكار ، لقد أصبح هم الدول العربية وشعوبها مصالحها الوطنية أولا وثانيا وثالثا ، في ظل رياح عاصفة وما زالت تهب على منطقتنا ، ولا نعرف متى ستهدأ أم أنها ستستمر لتحرق الأخضر واليابس وهو على الأرجح تحت مظلة التغيير تارة ، والديمقراطية ومحاربة الظلم تارة أخرى .
وعلى الرغم من هذه الحالة السوداوية إلا أن هناك ثمة أمورا في الأفق ربما تبث لنا بعض الأمل وإن كان بعيدا ، فهناك حملة المقاطعة لإسرائيل والتي وصلت إلى الشركات الأوروبية الكبرى وقرارها بوقف استثماراتها في الأراضي الفلسطينية ، وهناك أمور كثيرة تحدثنا وتحدث الكثير بدءا من الدولة المعترف بها امميا ، ومحكمة الجنايات الدولية ، لكن مثل هذه الأمور تحتاج إلى إرادة قوية وصلبة لتتحول أداه تقدم وأداة اندفاع ناحية الهدف ،
وعلى الرغم من أن فحوى الرسالة الإسرائيلية إذا كان خبرها صحيحا ليس جديدا ، فإن السؤال الذي يراودني الآن ما هو رد القيادة الفلسطينية على تلك الرسالة التهديدية الإسرائيلية ، هل ستودع في الأدراج ، أم يتم الاستجابة لها ، اعتقد أن هناك فرصة سانحة للرد عليها ، ردا ليس بالبيانات الباهتة ، قريبا ستعقد القيادة الفلسطينية اجتماعاتها ، أتمنى أن يكون الرد الأول على إسرائيل بلا قاطعة لا للمفاوضات العبثية ، خاصة أن نتنياهوا قام بتسهيل الرفض الفلسطيني للمفاوضات عندما صرح بعدم اعترافه إلا بدولة منزوعة السلاح وتعترف بيهودية الدولة ، والرد الثاني هو الإعلان عن انتهاء السلطة الوطنية وإحلال الدولة بدلا منها ، وليتاتي دبابات نتنياهو لاحتلال الضفة ، إذا أراد لأنه سيصطدم حتما بإرادة شعبنا أولا ، والرد الثالث هو توجه وفدا من القيادة فورا إلى قطاع غزة للإشراف الجاد والقوي على إنهاء الانقسام وعدم مغادرة القطاع إلا بعد إتمام مهمتها ، بدون حجج واهية حول عرقلة المهمة .
فلسطين قادمة وعائدة بإذن الله رغم كل الصعاب ورغم كل حالات التيه والضياع ، وهي باقية وسوف تفشل كل محاولات إخفائها وطمسها ، طالما أن أصحابها هم شعبها الفلسطيني الخالد .
بقلم/ أكرم أبو عمرو