واضح جداً بأن استمرار الوضع الداخلي الفلسطيني على ما هو عليه،يعني المزيد من التأزم وتكريس وشرعنة وإستطالة امد الإنقسام،فكما هو حال المفاوضات العبثية والماراثونية التي مضى عليها عشرون عاماً ونيف،ولم تفضِ سوى الى المزيد من الشرذمة والإنقسام في الساحة الفلسطينية والمزيد من نهب الأراضي وتكثيف الإستيطان في الضفة الغربية،والسعي للإجهاز النهائي على القدس،وكذلك الإنقسام الذي يقترب من عامه الثامن يتكرس ويتشرعن وتستطيل مداياته،وكل اللقاءات والإتفاقيات والمبادرات لإنهاءه فلسطينية وعربية وحتى اقليمية ودولية فشلت في وضع حد له،ليس فقط بسبب التدخلات الإسرائيلية والأمريكية والعربية والإقليمية،بل السبب الجوهري والأساسي في ذلك هو عدم توفر إرادة سياسية عند طرفي الإنقسام،ناهيك عن أن هناك مصالح وإمتيازات ومنافع حصلت ونمت عند العديد من قادة الفريقين المستفيدين والمنتفعين من إستمرار وتعميق الإنقسام،ولذلك همهم الأول وضع العصي في دواليب ومسننات أي دوران لعجلة المصالحة لخدمة مصالحهم واهدافهم وإمتيازاتهم.
الفصائل والقوى الفلسطينية التي طرحت مبادراتها فردية وجماعية لإنهاء الإنقسام،طرحتها في الإطار الفوقي والشعاري والنظري،بدون أية آليات عملية،ولم تقم بأية تحركات شعبية وجماهيرية جدية وحقيقية من أجل تعميق مازق المنقسمين وتشكيل حالة شعبية وجماهيرية ضاغطة عليهم تجبرهم على أن يستيجبوا لمطالب الجماهير.،بل لربما ما تعيشه هي من أزمات لم تجعل مبادراتها ونشاطاتها محط جذب واستجابة من قبل الجماهير الشعبية،لكي تشاركها انشطتها وفعاليتها في هذا الإتجاه.
اليوم في ظل ما نشهده من تكرار ملل وبوتائر تتصاعد وتزداد يوماً بعد يوم من تحريض داخلي ومناكفات وإتهامات واعتقالات على الخلفية السياسية وصراعات على كعكة سلطة منزوعة الدسم،فالخطر أصبح داهم وجدي على المشروع والقضية الوطنية،وكما هي حروب التدمير الذاتي العربية المفتتة والمفككة للجغرافيا العربية،والمدمرة لكل مقدراتها وطاقاتها والمبددة لثرواتها،فما يجري فلسطينيا بفعل الصراع بين طرفي الإنقسام،شبيه لما يجري في حروب التدمير الذاتي العربي،فالتفكك المجتمعي والوطني يزداد شقاً واتساعاً،والضحية المشروع والقضية الوطنيتين.
التحركات الشعبية الواسعة التي تبادر لها شخصيات وفعاليات أهلية ومؤسساتية،تكون القوى والأحزاب جزء منها،يمكن لها أن تشكل في مجرى العمل والفعل وبأشكال احتجاجية متعددة ومبدعة عوامل ضغط جدي وحقيقي على طرفي الإنقسام،كأن يكون هناك حالة من الاعتصام الدائم والمتواصل أمام مقرات السلطتين في رام الله وغزة "الرئاسة ومجلس الوزراء"،اعتصامات تشارك فيها حشود شعبية تتجند لهذه المهمة والغاية فقط،فهذا المطلب وهذا العمل يتقدم على خيار إعادة بناء وتشكيل منظمة التحرير الفلسطينية،او حتى بناء مقاومة جدية وفاعلة لمقاومة الإحتلال، فلا مقاومة جدية ومثمرة ومنجزة في ظل حالة منقسمة وضعيفة .
الآن خطر الإنقسام يتقدم على أي خطر آخر،حتى أنه يتقدم على خطر الإحتلال،ويشكل خادم ومغذي لمشاريعه،فعندما يكون هناك مشروع دويلة فلسطينية في قطاع غزة ،فهذا يعني تفكك وضياع المشروع الوطني،وانتفاء الجامع والموحد للشعب الفلسطيني برنامج وهدف واستراتيجية ومؤسسات وقيادة،وفي أحسن الأحوال تكون سلطة مخاتير لكل "كانتون" قطاع،ضفة،قدس خارج حتى المخترة ،تكون مبتلعة مع الداخل الفلسطيني -48 – من قبل الإحتلال.
وفي ظل هكذا حالة يتم تصفية المرتكز الأساسي والجوهري للبرنامج الوطني الفلسطيني،قضية اللاجئين،التي تتآمر مع الإحتلال الإسرائيلي والأمريكان والغرب الإستعمار قوى عربية وإقليمية ودولية على تصفيتها،سواء عبر طرح مشاريع مشبوهة جوهرها يقوم على التوطين،أو عودة لأعداد محدودة الى الضفة الغربية،أو دفع اللاجئين الفلسطينيين الى رحلة تيه وتشرد جديدتين،من خلال العدوان على المخيمات الفلسطينية ،من قبل أدوات مأجورة مجندة من قبل اسرائيل وأمريكا لهذا الغرض والهدف،كما حصل مع مخيم نهر البارد،وما قامت به جماعة ما يسمى فتح الإسلام من عدوان على الجيش اللبناني والتحصن في المخيم،مما اضطر الجيش اللبناني الى اقتحامه وتدميره،وتشريد سكانه،والذين لم يسمح للكثير منهم بالعودة اليه حتى الان،ومن بقي لا يسمح له بالإعمار،ونفس المشهد والدور تكرر من قبل قوى "داعش" ،"النصرة" و"اكناف بيت المقدس" في مخيم اليرموك أكبر المخيمات الفلسطينية في الشتات،حيث جرى تدمير المخيم،وتهجير أغلب سكانه،ومحاصرة من تبقى منهم،مع حرمانهم من ابسط مقومات الوجود والحياة،لدفعهم للموت أو المغادرة.
أي ضغط شعبي وجماهيري لإنهاء الإنقسام،يجب ان يستند الى بنية تنظيمية،ليس بالمعنى الحزبي الفئوي،بنية شعبية جماهيرية،تخلق لها أطر ولجان وحواضن في كل قرية ومدينة،مع قيادة مركزية تقود وتوجه تلك الجماهير نحو هدف مركزي واحد " لا شرعية لأحد في ظل الإنقسام".
كما هو الحال الشارع المركزي الذي رفعته الجبهتان الشعبية والديمقراطية ،عندما شكلت لجان الحرية والإستقلال من اجل إسقاط اتفاق اوسلو،ذلك الشعار الذي لم يكتب له النجاح،بسبب أنه لم يتم العمل على ذلك في الميدان،ولذلك الجماهير الرافعة لهذا الشعار،عليها ان تشكل قيادة لا تكتفي بالمتابعة والقيادة عن بعد،بل تكون حاضرة في الميدان والفعل.
تجربة الحراكات الشبابية وبالذات في القدس،في قيادة المناشطات الشعبية والجماهيرية ضد الإحتلال وبالذات ضد التطبيع والمطبعين والأنشطة التطبيعية،تثبت بأن هناك الكثير من الطاقات الجماهيرية والشعبية،قادرة ان تتولى عجلة القيادة والمبادرة في هذا الإتجاه،بالتعاون والتنسيق مع مؤسسات شعبية وائتلافات جماهيرية حقيقية الى جانب القوى والأحزاب المؤمنة بمثل هذا الهدف والخيار.
الآن الان وقبل فوات الآوان فلتبادر وتتقدم الصفوف كل القوى والمؤسسات واللجان وهيئات واطر العمل الشعبي والجماهيري،لكي تسقط مشروع تصفية القضية والمشروع الوطني بفعل الإنقسام المدمر.
بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
14/6/2015
0524533879
[email protected]