بعد التأسيس الأميركي الإسرائيلي لمرحلة بلغت الآن اثنين وعشرين عاماً منذ توقيع اتفاقية اوسلو، تخللها احتكار حصري للولايات المتحدة لملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، لعبت خلالها أطراف الرباعية الدولية دور شاهد الزور، والمتواطئ كل الوقت على ما دأبت إسرائيل على ممارسته، بعد كل ذلك تتقدم أوروبا، لتجديد المرحلة السابقة لمنح إسرائيل المزيد من الوقت لإكمال مخططاتها.
المخططات الإسرائيلية باتت أكثر من معروفة لدى كل دوائر العمل السياسي وغير السياسي في المجتمع الدولي، غير أن الفاعلين الذين خلقوا المشروع الصهيوني، وأمدوه بكل عوامل النجاح، لم يغيروا جوهر سياساتهم، التي ترى في إسرائيل القوية والمتفوقة، أداة وظيفية لحماية مصالحهم الاستعمارية.
تتقدم أوروبا، بعد أن استنفدت الولايات المتحدة كل قدرتها على المناورة، وتقديم العون المكشوف لإسرائيل وبعد أن فقدت أميركا، القدرة على إقناع مواطن فلسطيني وليس فقط مسؤولاً، من أنها يمكن أن تتبنى سياسات تتصف بالحدّ الأدنى من النزاهة.
هي فقط ضرورات العمل السياسي، التي تجعل الفاعلين السياسيين في فلسطين والمنطقة، غير قادرين على اتخاذ مواقف حاسمة ضد السياسة الأميركية، خصوصاً في ظل غياب الحلفاء التقليديين للشعب الفلسطيني وقضيته، ونقصد روسيا الاتحادية والصين الشعبية.
هي مرحلة رمادية، تتسم بطابع انتقالي قد تطول قليلاً قبل أن تتمكن القيادة الفلسطينية والحركة الوطنية من إجراء مراجعات جذرية للمرحلة السابقة، بما لها وما عليها، ونحو إعادة بناء الاستراتيجية الفلسطينية القادرة على التعامل مع العناصر الفاعلة في الصراع.
تتقدم أوروبا، غير الراضية عن السياسة الإسرائيلية التي تخدم إسرائيل وحلفاءها الغربيين على المدى المتوسط والبعيد ولكنها أي أوروبا لا تجرؤ، والأرجح أنها لا ترغب في أن تستخدم قوتها في تعديل السياسة الإسرائيلية المدمرة.
الحراك الأوروبي النشط يدور حول ما بات يعرف بمبادرة فرنسية، لمجلس الأمن الدولي، تحت العنوان ذاته الذي اختاره الفلسطينيون والعرب، وهو إنهاء الاحتلال غير أن المبادرة الفرنسية تقدم مضامين أخرى، تفسد العنوان الرئيس.
من الواضح أن المبادرة الفرنسية، التي يتم تنسيقها مع الولايات المتحدة تستهدف أولاً، قطع الطريق على المبادرة الفلسطينية العربية إلى مجلس الأمن الدولي فضلاً عن أنها تسعى لإلقاء الكرة الملتهبة في حضن الفلسطينيين.
مجموعة من الألغام، تتضمنها المبادرة الفرنسية، من الموقف المائع إزاء قضيتي القدس واللاجئين، والداعم في الجوهر لسياسة الاستيطان، إلى الأهم وهو ما تتضمنه المبادرة حول يهودية الدولة.
لست أدري أية منظومة أخلاقية، تتيح لدولة الثقافة والعطور، الدولة الديمقراطية، لأن يتضمن أي خطاب لها، أو سياسة، تتسم بالعنصرية.
ألا تعرف فرنسا، أن مطالبتها الفلسطينيين الاعتراف بدولة يهودية، يوفر كل الذرائع والمسوغات لسعي التيارات الإسلامية، التي تتحدث عن أمة إسلامية، لأن تستمد من اعتراف الأمم المتحدة بيهودية الدولة، الشرعية القانونية للعمل من أجل إقامة الدولة الإسلامية.
ألا تدرك فرنسا، بلد الثقافة والعطور، أن غرض إسرائيل من الحصول على اعتراف دولي أو فلسطيني بطابعها اليهودي، هو التخلص من الشعب الفلسطيني، بما في ذلك الأقلية الفلسطينية صاحبة الأرض والتاريخ المتشبثة بوجودها على الأرض المحتلة العام 1948.
ألا تدرك فرنسا، والمتحمسون لمبادرتها، والداعمون لها، أن قراراً من مجلس الأمن ينص على يهودية إسرائيل، سيؤدي إلى الإسراع في اندفاع إسرائيل نحو العنصرية؟
لماذا يصر الفرنسيون على إحراج القيادة الفلسطينية، وإخضاعها للضغط، ذلك أنهم يعرفون بأن الاعتراف أو التعامل مع قرار من هذا النوع، يتضمن الاعتراف بيهودية الدولة، هو خط أحمر، يمكن أن يؤدي إلى نسف المسار كله ومن أساسه؟
في الواقع فإن انسجام أوروبا، ومنها فرنسا، مع ما تدعيه منظوماتها الأخلاقية، يستدعي قول كلمة الحق، وان الحرص على وجود إسرائيل لأسباب استعمارية، يستدعي حمايتها من نفسها، عبر الاعتراف بمسؤولية إسرائيل عن تدمير ممكنات تحقيق السلام، والاعتراف فقط بالحقوق الفلسطينية.
لوران فابيوس وزير الخارجية الفرنسي يدور في المنطقة قبل أن يصل إلى رام الله وتل أبيب، لتأمين عوامل الضغط عربياً على القيادة الفلسطينية، وليس لتسهيل، عملية تجديد المفاوضات على أسس سليمة مختلفة عن كل ما سبق.
على كل حال تتجند فرنسا، ومن خلفها أوروبا، مرة أخرى لخدمة المصالح الأميركية الإسرائيلية، طالما أن لا فرنسا ولا أوروبا قادرة على تجاوز الهيمنة الأميركية، جربت فرنسا، وأوروبا خوض معارك الولايات المتحدة في المنطقة وكانت تأمل في أن تحصل على مكانة الشريك لكنها قدمت ما قدمت، لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، ولم تحظ بالحد الأدنى من الاحترام لمصالحها، فلماذا تعاود الكرة؟