بداية لا بد من التأكيد بأننا كعرب وفلسطينيين نعاني من عقدة "إرتعاش" سياسي مزمن،عقدة التراجع والتخلي عن المواقف والمبادىء والثوابت،وهذه نتيجة لوهم غرسته قيادات منخورة في النظام الرسمي العربي عبر مرتزقة من كتاب وصحفيين ومثقفين وسائل اعلام مأجورة في أذهان الجماهير بأنه من اجل ان نستطيع كعرب وفلسطينيين الحصول على حقوقنا علينا ان نكون واقعيين وعقلانيين (التخلي عن نهج وخيار المقاومة،والتنازل ثم التنازل)،وهذا النهج قاده المغدور السادات(99)% من أوراق الحل بيد أمريكا،ومن ثم وصف حزب الله من قبل ما يسمى بمحور الإعتدال العربي بمجموعة من المغامرين والتآمر عليهم اثناء تصديهم للعدوان الإسرائيلي على الحزب والمقاومة اللبنانية في تموز 2006،ومن ثم استدخال ثقافة الإستنعاج من قبل مشيخات الكاز والنفط،في تبرير الصمت والتآمر العربي على الشعب الفلسطيني اثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة 2008 – 2009.
وبالملوس العرب طرحوا ما يسمى بالمبادرة العربية للسلام في قمة بيروت 2002،مبادرة الملك السعودي المرحوم عبدالله،عندما كان اميراً ومنذ ذلك التاريخ واسرائيل تصر على رفض تلك المبادرة،والعرب يرحلونها من قمة الى اخرى ويهبطون في سقفها حتى تقبل بها اسرائيل،لتصل الأمور الى مبتغاها ويعلن رئيس وزراء دولة الإحتلال نتنياهو،بأن المقبول في المبادرة العربية في ظل تغير الواقع العربي والإقليمي والدولي هو التطبيع الشامل ما بين الدول العربية واسرائيل،مع شرعنة وتأبيد الإحتلال مقابل تحسين شروط ظروف المجموعات السكانية الفلسطينية وليس الشعب الفلسطيني تحت الإحتلال.
وبالمقابل نحن الفلسطينيين في آواخر العام الماضي تقدمنا لمجلس الأمن الدولي بمشروع قرار يطلب من مجلس الأمن تحديد سقف زمني لا يتعدى 15/11/2017 من أجل إنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967،من اجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة على كامل حدود الرابع من حزيران /1967 وعاصمتها القدس،ولكن تم تقديم المشروع باللون الأزرق كمسودة وفتح المجال للشطب والحذف والتعديل حتى لا تقوم أمريكا بأخذ حق النقض "الفيتو" ضد المشروع،والحمدالله الذي لم نتمكن من جمع تسعة أصوات لمناقشة وقبول المشروع،حيث أنه جرى تجويفه وتفريغه من مضمونه،وليصبح فلسطيني بالإسم فقط وأسوء من المشروع الفرنسي نفسه.
اليوم يقوم وزير خارجية فرنسا وبضوء أخضر وموافقة من الإتحاد الأوروبي وبعلم وموافقة أمريكية أيضاً،بتحركات دبلوماسية وزيارات مكوكية للمنطقة،إلتقى فيها قيادات فلسطينية واخرى "اسرائيلية " وعربية،بقصد تحشيد الموافقة على المشروع الفرنسي الذي يأتي في ظل ظروف ولغرض أهداف نرى أنها تثير الريبة والشكوك،فهي على حد رأي فابيوس وزير خارجية فرنسا صاحبة المشروع من أجل إعادة الطرفين الفلسطيني و"الإسرائيلي" الى طاولة المفاوضات ومنع تدهور الأوضاع،والمشروع الفرنسي هذا أتى ويأتي في ظل حديث عن تحرك فلسطيني لتقديم ملفات بجرائم الإحتلال الى محكمة الجنايات الدولية،فهناك قيادات فلسطينية تتحدث بأنها جاهزة للتقديم خلال ايام،رغم أن كبير المفاوضين الفلسطينيين عريقات قال بأنه لن يكون أي تحرك تجاه اسرائيل في محكمة الجنايات الدولية،حتى تعطى الفرصة للتحركات السياسية،العودة لسياسة "تجريب المجرب"،والمشروع الفرنسي المتداول والمطروح إستصداره من قبل مجلس الأمن فيه الكثير من المخاطر الجدية على المشروع الوطني الفلسطيني،ليس لجهة فقط غياب المرجعية الدولية والسقف الزمني لإنهاء الإحتلال،بل لجهة الحديث عن التبادل الجغرافي،والمقصود هنا ضم الكتل الإستيطانية الكبرى لدولة الإحتلال من "غوش عتصيون" مروراً ب"معالي ادوميم" وانتهاءا ب"أرئيل"،وهذا معناه تقطيع اوصال الضفة،ومنع أي تواصل حقيقي بين أراض الدولة الفلسطينية،لتصبح دويلة "كانتونات معزولة"،بالإضافة الى أن الإستيطان يصبح شرعي وبموافقة فلسطينية،وكذلك فالحديث عن قدس مفتوحة وعاصمة لدولتين،بشكل صريح وواضح الإعتراف بشرعية إجراءات وممارسات الإحتلال من استيطان وتهويد في القدس وبالذات في البلدة القديمة،وبأن القدس الشرقية ليست عاصمة للدولة الفلسطينية،والمشروع الفرنسي يغيب عنه بشكل كلي،المرتكز الأساسي للبرنامج الوطني،قضية اللاجئين والقرار الأممي (194)،وهذا بحد ذاته خطر جداً،فقضية اللاجئين،هي قضية محورية،وبالتالي لا يجوز بأي شكل التخلي عنها،أو فتح الباب فيها للإجتهادات والمشاريع وما يسمى بالإبداعات الخلاقة ل"جهابذة" التفاوض،لنجد أنفسنا أمام تصفية لهذه القضية المحورية.
وحتى هذا المشروع الهزيل،والذي لا يلبي الحد الأدنى من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،نتنياهو في جلسة حكومته أمس الأحد استبق لقاءه مع فابيوس،ليعلن رفضه للمشروع لأنه على حد زعمه يفرض شروط وإملاءات على اسرائيل،ولا يأخذ احتياجاتها الأمنية بعين الاعتبار،ورفضه هذا للحصول على المزيد من التنازلات لتصل حد الإقرار بحق نتنياهو في الإحتلال ورفض الإنسحاب.
الفرنسيون والأمريكان وغيرهم،الهدف فقط استقطاع الوقت،والإستمرار في إدارة الصراع،خوفاً من ان يتفجر ويخرج عن إطار السيطرة الإسرائيلية – الأمريكية،وأمن اسرائيل هو الهاجس الأول ل "فابيوس" و"بايدن" و"كيري" و"اوباما" و"كاميرون" و"ميركل" وغيرهم من القادة الغربيين.
الرئيس الأمريكي يقترب من نهاية عهده ولا قدرة له على فرض مشاريع سياسية على اسرائيل،وحل الدولتين كما قال مسؤول "الشاباك" السابق يوفال ديسكن انتهى،فإسرائيل بإستيطانها المتواصل في الضفة الغربية وتهويدها للقدس قبرت هذا الخيار الى غير رجعة،وأفكار فابيوس والتي طرحها على الرئيس أبو مازن اليوم والتي سيطرحها مع زعماء عرب آخرين،هي فقط إجترار وتكرار و"طحن للماء".
بقلم/ راسم عبيدات