بعد أن استنكفت فرنسا عن التصويت لصالح مشروع تقسيم فلسطين سنة في 25/11/1947م قامت بالتصويت لصالحة في 29/11/1947م. وبقي موقف فرنسا مؤيداً لإسرائيل ومناهضاً للقضية الفلسطينية حتى عام 1967م حيث طرأ تغير على السياسة الفرنسية تجلى ذلك في اعتبار شارل ديجول أن إسرائيل هي المعتدية. وفرض حظراً على إرسال الأسلحة الفرنسية إلى المتحاربين. وكان هذا الحظر يمس إسرائيل لأنها كانت تتزود بالأسلحة الفرنسية. وبدأ الموقف الفرنسي يحاول أن يأخذ بعداً متوازناً بعد ذلك لاسيما بعد اتباع ديغول ما عرف بالسياسة لعربية لفرنسا. وأعلن مجلس الوزراء الفرنسي بياناً في 21/6/1967م بأن فرنسا لن تعترف بأي تغييرات حصلت على الأرض نتيجة العمل الحربي. ولذلك تجسد الموقف الفرنسي في الصيغة الفرنسية لقرار 242 في 22/11/1967م، " الانسحاب من الأراضي المحتلة سنة 1967م". وهذا يعني أن فرنسا لا تقر بأي من حقوق السيادة الإسرائيلية على أي جزء من الضفة الغربية والقدس وغزة.
واستمر ذلك في عهد جورج بومبيدو الذي أبدى تقاربا مع القومية العربية.وتقدم الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو خطوة أخرى للأمام عندما قال في مؤتمره الصحفي المنعقد في 10/7/1969م حين دعا إلى "حل المشاكل الإنسانية والسياسية الناجمة عن وجود الفلسطينيين وحقوقهم". حيث تجاوز بذلك ما تناوله القرار 242 من الاقتصار على الدعوة إلى "حل عادل لمشكلة اللاجئين". وفي تشرين ثاني 1969م قال وزير الدولة الفرنسية للشؤون الخارجية جان ليكوفسكي عند تدشين المعرض التجاري الفرنسي السعودي في جدة في بيان له: "إن فرنسا ترفض أن ترى العلاقات الدولية تتأسس على الاستخفاف والعنف، وهي تقر بأن للشعب الفلسطيني حقوقه". وفي بيان فرنسي عراقي مشترك صدر في 8/7/1976م على أثر زيارة رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي لباريس " أن الطرفين بينا ضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية من أجل إقامة سلام دائم وعادل يضمن احترام حقوق الشعب الفلسطيني". ولكن الموقف الفرنسي اتسم بعدم الوضوح والتذبذب سواء على مستوى التصويت على قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة أو التصريحات. وقد قامت فرنسا بالسماح لمنظمة التحرير الفلسطينية في نهاية تشرين ثاني 1975م بافتتاح مكتب للإعلام والاتصال في باريس.
وبقيت فرنسا تركز على فكرة وطن للفلسطينيين وضمانات لأمن إسرائيل ضمن نشاطها السياسي في دول المجموعة الأوروبية. وتسعى للحفاظ على الوضع الخاص بالقدس وشجب أي تغيير من طرف واحد. ولم تعتبر القدس العربية خارجة عن الأراضي العربية التي احتلت سنة 1967م. وقد أخذت سياسة فرنسا تجاه القضية الفلسطينية تتصف بالسلبية في بعض الجوانب بعد أن استلم الحزب الاشتراكي الفرنسي في أيار 1981م (1).
وقد حاول بعد ذلك كل من الرئيس فاليري جسكارديستان (اليميني المعادي للديغولية)، وفرانسوا ميتران (اليساري المعادي للديغولية) أن يستمرا في سياسة التوازن. حيث امتد عهد ماتيران 14 عاما كانت العلاقات الفرنسية الإسرائيلية وطيدة، حيث كانت فرنسا تمد إسرائيل بالسلاح. وربطت علاقات وثيقة بين شمعون بيرس وفرانسوا ميتران. ومع ذلك شهدت هذه الفترة اعتراف فرنسا بمنظمة التحرير الفلسطينية، وإجراء وساطات ساعدت عرفات في العام 1982م من بيروت، و1983م من طرابلس (2).
وقد قامت فرنسا بدعم مؤتمر مدريد حيث أكدت هي والاتحاد الأوروبي التزامها بمبدأ "الأرض مقابل السلام"، كما التزمت بنهج المفاوضات المباشرة على أساس القرارين 242، 338 في مسار مزدوج بين الفلسطينيين والإسرائيليين من جهة، وبين العرب وإسرائيل من جهة أخرى. كما قامت فرنسا بدعم اتفاق أوسلو وما انبثق عنه من تشكيل سلطة حكم ذاتي في غزة والضفة الغربية. وقدمت الدعم للسلطة الفلسطينية والاقتصاد الفلسطيني.
كذلك بالنسبة إلى الصراع العربي - الإسرائيلي كانت لفرنسا مواقف نقدية للسياسة الإسرائيلية من اتفاق أوسلو إلى خارطة الطريق إلى يومنا هذا، وقد تعرض الرئيس شيراك شخصياً لانتقادات قاسية من قبل المسؤولين الإسرائيليين، كما قوبلت زيارات المسؤولين الفرنسيين إلى إسرائيل بالبرودة والانزعاج الكبير من زياراتهم الى السلطة الفلسطينية. كذلك فإن دعماً مالياً كبيراً قدم من أوروبا إلى هذه السلطة لبناء البنى التحتية والمؤسسات الفلسطينية ولعبت فرنسا على مستوى أوروبا والأمم المتحدة دوراً كبيراً مؤيداً للحل في المنطقة على قاعدة تنفيذ القرارات الدولية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. فيما اعتبرت فترة الرئيس جاك شيراك (1995-2007م) امتداد للحقبة الديغولية حيث زار القدس الشرقية عام 1995م وحاول الحديث مع المواطنين العرب بها. كما زار غزة سنة 1996م. وأبدى دعماً للعملية السلمية وللسلطة الفلسطينية.
وفي اجتماع للمجلس الأوروبي في برلين في 24-26/3/1999م، أكدت دول الاتحاد الأوروبي اقتناعها بأن إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة، وديمقراطية، ومسالمة، وقادرة على البقاء هو أفضل ضمان لأمن "إسرائيل"، ولقبول "إسرائيل" كشريك في المنطقة على قدم المساواة. وأكد المجلس الأوروبي على "الحق الدائم -ومن دون تقييد- للفلسطينيين في تقرير مصيرهم".
وقد طلبت فرنسا من الرئيس ياسر عرفات أن يرجئ المجلس المركزي إعلان الدولة الفلسطينية في 13 أيلول 1999م بعد انقضاء الفترة الانتقالية على أمل أن يتم تحقيق ذلك من خلال المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي.
ورغم اقتراب شيراك من سياسة التوازن ولكن شهد عهده الذي كان يتضمن التعايش بين اليمين واليسار توترات في العلاقة بين فرنسا والعرب. ففي عهد حكومة ليونال جوسبان الذي جاءت زيارته للشرق الأوسط في سنة 2000م وسط توتر في جنوب لبنان وتعثر المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. وتعرض لوسيان بسبب تصريحاته ضد مقاومة حزب الله في جنوب لبنان للهجوم بالحجارة من قبل طلبة غاضبين في جامعة بيرزيت رغم محاولته بدون جدوى تهدئة الأوضاع بإدانته خلال الكلمة في الجامعة للهجمات الإسرائيلية ضد المدنيين في لبنان، وتكرار دعم فرنسا لإقامة دولة فلسطينية باعتبارها " أمراً ضرورياً لإرساء السلام"، مما اضطره إلى اختصار جولته، وإلغاء مؤتمر صحفي وزيارة لأحد المخيمات. ويبدو أن التناقض في السياسات والتصريحات الفرنسية نابعة من أزمة التعايش بين اليمين واليسار في فترة جاك شيراك الأولى (2000-2002م). حيث تسبب هذه الجولة لجوسبان في أمة حقيقية بين قطبي التعايش في السياسة الفرنسية حيث سارع الرئيس الفرنسي جاك شيراك (اليمين التقليدي) إلى تحذير رئيس وزرائه جوسبان من مغبة التدخل في السياسة الخارجية الفرنسية التي تعد من سياسة رئيس الدولة. وأكد أن مصداقية فرنسا ستكون عرضة للضرر إذا قوض الحياد التي تتبعه بمنطقة الشرق الأوسط، في إشارة إلى أن تصريحات جوسبان انحيازا من جانبه لإسرائيل (
وبعد انتهاء التعايش بين اليسار واليمين عام 2002م، وعودة اليمين إلى الحكم أكد رئيس الوزراء الفرنسي سنة 2002م دومنيك دو فيلبان خلال جولته الشرق أوسطية عام 2002م على ضرورة استئناف عملية السلام في الشرق الأوسط بعد التوتر بسبب انتفاضة الأقصى. وبقدر ما يصر الموقف الفرنسي الرسمي على "حق إسرائيل في البقاء ضمن حدود أمنة" فإنه يؤكد على حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، وعلى عدم المس بالسلطة الفلسطينية (3).
وخلال فترة حكم ساركوزي واصلت فرنسا الدعوة إلى استئناف المفاوضات. ودعا إلى حل الدولتين، ووقف الاستيطان. وقد دعا ساركوزي في مؤتمر إعمار غزة في مارس 2009م إلى "الاعتراف بإسرائيل والدخول في مفاوضات سياسية معها، وأن لا خيار أمام إنشاء الدولة الفلسطينية سوى ذلك، وخاطب الفلسطينيين بالقول: "إن كنتم تريدون أن تكونوا محاورين شرعيين عليكم أن تقبلوا بأن لا طريق لإنشاء دولة فلسطينية إلا أن تمضوا بعزم في البحث عن تسوية سياسية، وبالتالي الحوار مع إسرائيل" (4). ولكن هل المشكلة في الجانب الفلسطيني أم الجانب الإسرائيلي فقد تنازل الجانب الفلسطيني عن تجميد الاستيطان ومع ذلك لم تحقق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية أي إنجاز عام 2012م
وعندما أستؤنفت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، ووضع لها أطار زمني لتسعة أشهر أبرز ساركوزي احتجاجه على استبعاد الاتحاد الأوروبي من الرعاية وتهميش دوره. وقد عارضت فرنسا طلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين سنة 2011م، ولكن أيدت وصوتت لصالح صفة دولة غير عضو لها صفة المراقب في الأمم المتحدة (5).
وهذا يبرز سعي فرنسا لإقامة الدولة الفلسطينية ولكن ضمن مباحثات سلام وليس حلاً أحادي الجانب. وأنها ترى أن الشرعية الدولية يمكن أن تشكل مرجعية قوية سياسية وقانونية لمباحثات السلام. ولكن التحرك الفرنسي يواجه تحفظات الولايات المتحدة مما يجعل الأمر بطيئاً.
ويعتبر فرانسوا هولاند مؤيد قوي لإسرائيل. وتبنى الموقف الإسرائيلي من الملف النووي. وفي زيارته لمقر الرئيس الفلسطيني في رام الله في 18 نوفمبر 2013م شدد الرئيس الفرنسي على أن الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة يعقد مفاوضات السلام. ويجعل حل الدولتين صعباً. وطالب بوقف كامل ونهائي لهذا الاستيطان. كما أكد الرئيس الفرنسي تأييده لرؤية حل الدولتين. وقال: "إن إقامة الدولة الفلسطينية هي الضمانة الفضلى لتوفير الأمن للإسرائيليين. وأن أفضل أمن لإسرائيل هو دولة فلسطينية ديموقراطية قابلة للحياة". كما دعا هولاند إلى تقاسم القدس لتكون عاصمة للدولتين الإسرائيلية والفلسطينية. ودعا الرئيس الفرنسي الجانب الفلسطيني إلى تأجيل مناقشة قضية اللاجئين مقابل وقف الاستيطان. وأن يكون هناك حل واقعي لهذه القضية.
وقد أيدت فرنسا المطلب الفلسطيني في الأمم المتحدة برفع مكانة فلسطين وكذلك في عضوية منظمة اليونسكو. وقد تم توقيع عدة اتفاقيات تعاون بين فرنسا وفلسطين أثناء زيارة هولاند حيث اصطحب معه ستة وزراء. وأشار أن فرنسا تدعم ميزانية السلطة بقيمة 30 مليون يورو (6).
ويعتبر البعض فرانسوا هولاند بأنه منحاز لإسرائيل ودعمها سياسيا في حرب 2014م على غزة. وأنه تخلى عن سياسة التوازن. فقد أصدر الرئيس الاشتراكي هولاند بياناً تفهم فيه المبررات الإسرائيلية للعدوان الأخير على غزة صيف 2014م، ودمج بين مقاومة حماس والأصولية، وعبر عن تضامن باريس مع إسرائيل التي تعرضت لإطلاق صواريخ فلسطينية، وبرر إجراءات الحكومة الإسرائيلية لحماية شعبها. مع استدراكه الطلب من إسرائيل تجنب الخسائر البشرية في صفوف المدنيين (7).
ورغم أن فرنسا شهدت نحو ستين مظاهرة خلال أيام العدوان على غزة ، تم خلالها رفع الأعلام الفلسطينية، وصور الأطفال الضحايا. وطالبت بوقف العدوان على غزة، ورفع الحصار، وفرض عقوبات على إسرائيل حتى تحترم القانون الدولي. وقد شاركت في ذلك مؤسسات مجتمع مدني ومؤسسات تضامن مع الشعب الفلسطيني. وقد قدم رئيس فرع منظمة العفو الدولية في فرنسا في أيلول 2014م 21265 توقيعاً على عريضة تطالب الحكومة بعدم توريد السلاح لإسرائيل. ومن الشخصيات السياسة التي تبرز تضامن مع الفلسطينيين في التظاهرات زعيم "حزب اليسار" جان لوك ميلانشون، والأمين العام " للحزب الشيوعي الفرنسي" بيار لوران. والوزيرة السابقة دومنيك فولينه التي تنتمي لحزب الخضر "أوروبا البيئة"، وقد هاجمت العديد من مؤسسات حقوق الإنسان هولاند التي وصفته بالمتحيز ضد العرب والفلسطينيين"، وهذا يبرز التغير الملحوظ للرأي العام في فرنسا تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. والجدير بالذكر أن اليسار الفرنسي يتشكل من الاشتراكيين والشيوعيين، بالإضافة إلى الأحزاب الصغيرة مثل: "الحزب الاشتراكي الموحد"، و"حزب اليسار"، و"راديكاليو اليسار"، و"النضال العمالي"، و"الماويين" و"أنصار البيئة" (8)
وشهدت فرنسا حراكاً ليس على المستوى الرسمي بل المستوى الحزبي نهاية عام 2014م فقد تداولت الأنباء عن حراك برلماني ينشط فيه الحزب الاشتراكي الفرنسي الحاكم بأن تعترف فرنسا بدولة فلسطين. وذلك لدعم الوصول لتسوية نهائية للنزاع مع إسرائيل. وقد تم إعداد مشروع قرار للتصويت على قرار تدعو فيه الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) الحكومة الفرنسية إلى جعل الاعتراف بدولة فلسطين أداة للحصول على تسوية نهائية للنزاع. وأنه يلاحظ التهديدات التي تلقي بثقلها على حل الدولتين، وخصوصاً المواصلة غير الشرعية لسياسة الاستيطان الأمر الذي ينسف إمكانية العيش للدولة الفلسطينية المقبلة ذات السيادة (9).
وقد أعلن لوران فابيوس في منتصف أكتوبر 2014م أن فرنسا ستعترف بدولة فلسطين في الوقت المناسب على أن يكون هذا القرار مفيدا للسلام. وقد خطب فابيوس أمام الجمعية الوطنية في 28/11/2014م " أن النتيجة المنطقية لتمسكنا بحل الدولتين وبدون أي غموض تتمثل في أن الاعتراف بدولة فلسطين ليس معروفاً ولا محاباة، بل هو حق. وينبغي أن يأت هذا الاعتراف في إطار تسوية شاملة ونهائية للصراع الذي يجري التفاوض عليه من قبل الطرفين، وبدعم من المجتمع الدولي وفقاً لجدول زمني" (10).
وقد صوت البرلمان الفرنسي بتاريخ 2/12/2014م بالأغلبية لصالح الاعتراف بدولة فلسطين، حيث صوت 339 عضوا مع الاعتراف بدولة فلسطين، مقابل 151 مع عدم الاعتراف، وامتناع 16 عضوا عن التصويت. وتم التصويت بحضور 490 عضوا من مجمل الأعضاء وعددهم 506. وهذا يشير إلى ازدياد شعبية القضية الفلسطينية في الأوساط الحزبية والبرلمانية. وإدراك الشعب الفرنسي بأحزابه ولاسيما الحزب الاشتراكي الذي كان له الدور الريادي في ذلك. هذا إضافة إلى نشاط مؤسسات المجتمع المدني والشخصيات السياسية والأكاديمية وجمعيات التضامن مع الشعب الفلسطيني. ويأتي اعتراف البرلمان الفرنسي بالدولة بعد خطوة مماثلة وتحرك سابق في البرلمان البريطاني في أكتوبر 2014م. ومن الجدير بالذكر أن السويد تعتبر أول دولة في غرب أوروبا تعترف بفلسطين في أواخر أكتوبر 2014م. وقد أثار اعتراف السويد بدولة فلسطين استياء إسرائيل التي استدعت سفيرها في ستوكهولم (11).
ويعد اعتراف الجمعية الوطنية على قرار الاعتراف بفلسطين غير ملزم للحكومة ولكن سيحمل دلالات رمزية كبيرة لاسيما وأنه يأت بعد موافقة مجلس العموم البريطاني على الاعتراف بدولة فلسطين.
وبتاريخ 20/3/2015م أكد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن فرنسا لا تزال تؤيد حل الدولتين في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، ومستعدة للعب دور مفيد في عملية السلام. وقال هولاند في ختام القمة الأوروبية في بروكسل: "إن موقف فرنسا كان وسيكون على الدوام قائماً على حل الدولتين مع المبدأ الثابت بالنسبة لنا وهو أمن إسرائيل". وأن فرنسا يمكن أن تضطلع بدور مفيد في هذه العملية، حيث يمكن أن تقوم بدور الوسيط بفضل علاقة الصداقة التي تربطها بالجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
وقد أكدت القنصلية الفرنسية بتاريخ 27/3/2015م في بيان لها " على تمسك باريس بحل الدولتين، وأن ذلك هو الطريق والحل الأمثل للصراع الدائر في الشرق الأوسط". " وأن تحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط " يتمثل فقط في إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة وذات سيادة تعيش في سلام وأمن إلى جانب إسرائيل وفي حدود أمنة ومعترف بها مع ضمان أمن إسرائيل" (12). وهذا يعني أن فرنسا لا تعترف بحدود 67 كحدود للدولة الفلسطينية وإنما تترك مسألة الحدود للتفاوض بين الفلسطينيين وإسرائيل.
وقد أكد لوران فابيوس_ وزير الخارجية الفرنسي بتاريخ 28/3/2015م أنها ستسعى مجدداً لإصدار قرار عن مجلس الأمن يحدد أطر اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين وذلك بالرغم من معارضة إسرائيل وتحفظات الولايات المتحدة. ومن الجدير بالذكر أن فرنسا قد اقترحت في ديسمبر 2014م نصاً يذكر بالمعايير الدولية لتسوية محتملة بين الإسرائيليين والفلسطينيين تستند على حل الدولتين. ولاقى النص الفرنسي تحفظ الولايات المتحدة. وقال فابيوس: "إذا كنا نريد أن نجعل حل بدولتين أمراً ممكناً مع تجنب انهيار كامل لعملية السلام في اتجاه واحد" (13).
ولكن وزير الخارجية الفرنسي يربط الاعتراف بنضج ظروف التفاوض والتوافق بين الجانبيين الفلسطيني والإسرائيلي. حيث قال: "أن ما يريده ليس اعترافاً رمزياً بل حلاً فعلاً للصراع في الشرق الأدنى" (14).
ومن الجدير بالذكر أن إصرار فرنسا أن تكون الدولة الفلسطينية نتيجة التفاوض مع الجانب الإسرائيلي وليس نتيجة الشرعية يجعل الموقف الفرنسي في دائرة الاتهام. بمعنى أن يخشى أن تكون الرؤية الفرنسية مبنية في حل الدولتين على الرؤية الإسرائيلية الأمريكية التي ترى أن حل الدولتين يقوم تسوية قضايا الحل النهائي وليس حلها ضمن الشرعية الدولية ومقتضى العدالة بل بديلاً عن العدالة. فقيام دولة فلسطينية سوف يكون على جزء من الضفة الغربية قد يصل ل 40%. وبالتالي الموقف الفرنسي من القول حدود معترف بها يعني أنها نتيجة تفاوض وليس تطبيقاً للشرعية الدولية بحدود 1967م. وأي خلاف بين حدود الدولتين بما فيها الدولة الفلسطينية المؤقتة سوف يكون خلاف بين دولتين وليس مسألة احتلال. ففرنسا تدعو لتجميد الاستيطان وليس إزالة كل المستوطنات. وتأجيل قضية اللاجئين يكون بإيجاد توطين لهم ومن يعود يعود لأراضي الدولة الفلسطينية وليس لأراضي 1948م. وبذلك ما يسمى دولة لا يغدو سوى نمط احتلالي عنصري جديد. فالوضع الذي سينشأ " هو نظام أبارتهايد متنكر في زي دولتين، دولة إسرائيلية موسعة تحتوى على مناطق كبيرة متصلة من أراضي الضفة الغربية، يتجول فيها المستوطنون المختصون بامتيازات الأسياد الذين يعتبرون الأرض خاصتهم تاريخياً، ويتمتعون بحرية الحركة، والكانتونات المفتتة التي يحشر فيها الفلسطينيون والمسماة دولة" (بشارة، عزمي: مخاطر النظرة الأمريكية – الإسرائيلية إلى الدولة الفلسطينية، مجلة الدراسات الفلسطينية، شتاء 2006م، العدد 65، 18-24). وبالتالي فإن فرنسا بإصرارها على التفاوض بدل تطبيق الشرعية الدولية هي تضع نفسها مع الجانب الإسرائيلي المتنكر للحقوق الفلسطينية، ويرغب بتسوية القوة التي تنافي العدل.
فالطرف الفلسطيني والعربي يحاول اللجوء للطرف الفرنسي كورقة ضغط على الصلف الأمريكي الإسرائيلي. وتحاول فرنسا لعب دور سياسي يضمن حضورها في المنطقة ربما يتيح لها الفرصة للبروز كقطب أوروبي خارج الدائرة الأنجلو- ساكسونية، عبر محاولة اختراق الأحادية القطبية المفروضة على العالم. وتحرص فرنسا على الظهور بأنها تلعب دوراً متوازناً وذلك من أجل الاحتفاظ بمصداقيتها لدى الطرفين العربي والإسرائيلي وذلك منذ عهد مؤسس الجمهورية الفرنسية الحديثة شارل ديجول الذي حاول رسم توجها فرنسياً رسمياً خاصاً في التعامل مع القضايا الخارجية يتسم بنوع من الاستقلالية عن القطبية الأمريكية الروسية التي كانت سائدة في ذلك الوقت.
ويحكم موقف فرنسا تجاه قضية فلسطين عدة مؤثرات منها مؤثرات إيجابية يتعلق بالتعاون التجاري والنفطي العربي الفرنسي، والأحزاب والتجمعات الشعبية الضاغطة باتجاه دعم القضية الفلسطينية، وهناك مؤثرات سلبية منها ضغوط الولايات المتحدة وحلفاء فرنسا في الاتحاد الأوروبي وكذلك الضغوط الصهيونية وبعض الأحزاب والتجمعات الموالية للصهيونية في الأروقة السياسية الفرنسية (15).
وتنطلق فرنسا من حماية مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، ومن من وجود أكبر أقلية مسلمة في أوروبا، ففرنسا حريصة على حضورها وإيجاد موقع لها في هذه المنطقة شديدة الأهمية وبالغة التعقيد. فهي تعد مهد الأديان والحضارات، ومخزوناً للطاقة، وتريد ربط حضورها التاريخي في سوريا ولبنان بحضور فاعل في الوقت الحاضر وفي المستقبل، والإبقاء على القوة الاقتصادية والسياسة لفرنسا كعضو دائم في مجلس الأمن. ومروراً بالبعد الثقافي باعتباره مدخلاً رئيساً في أثبات هذا الحضور. وتسعى لتزعم الدور الأوروبي في الشرق الأوسط (16).
بقلم أ. د. خالد محمد صافي
قائمة الهوامش:
1-(www.palestinapedia.net)
2-(ريم عبد الحميد، تشرين ثاني 2014م، في فرنسا اليساريون هم أصدقاء إسرائيل الحقيقيون www.palestine.assafic.com/article.aspx?ArticleID=3096)).
3-(محمد الغمقي: فرنسا وقضية فلسطين، التحيز المكشوف يضر بالمصالح الاستراتيجية، 15/10/2015، http://www.onislam.net/arabic/newsanalysis-opinions/palestine)
4-(https://www.palinfo.com/site/pic/newsdetails.aspx?itemid=103270 )
5-(ثابت، أمجد: بدائل دبلوماسية فلسطينية لمواجهة التحديات السياسية للاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الأزهر، 2014م، 121-125).
6- (http://www.alquds.com/en/node/474454 موقف فرنسي متقدم من القضية الفلسطينية)
7- (ريم عبد الحميد، تشرين ثاني 2014م، في فرنسا اليساريون هم أصدقاء إسرائيل الحقيقيون www.palestine.assafic.com/article.aspx?ArticleID=3096))
8- (ريم عبد الحميد، تشرين ثاني 2014م، في فرنسا اليساريون هم أصدقاء إسرائيل الحقيقيون www.palestine.assafic.com/article.aspx?ArticleID=3096)).
9-(www.paltoday.ps/ar/post/220267)
10-(http://fpnp.net/pages/print/52740 فرنسا: حل الدولتين هو الطريق الأمثل لإنهاء الصراع في الشرق الاوسط)
11-(http://www.maannews.net/Content.aspx?id=744342 البرلمان الفرنسي يصوت لصالح الاعتراف بدولة فلسطين)
12-(http://fpnp.net/pages/print/52740 فرنسا: حل الدولتين هو الطريق الأمثل لإنهاء الصراع في الشرق الاوسط)
13-(www.acrsf.net/post.php?id=56563)
14-(http://fpnp.net/pages/print/52740 فرنسا: حل الدولتين هو الطريق الأمثل لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط)
15-(www.palestinapedia.net)
16-(محمد الغمقي: فرنسا وقضية فلسطين، التحيز المكشوف يضر بالمصالح الاستراتيجية، 15/10/2015، http://www.onislam.net/arabic/newsanalysis-opinions/palestine)