باتت المصالحة كالدرداس الذي يجر نفسه على الارض برعاية بعض الأطراف الفلسطينية الناغصة التي لا ترى إلا بمصالحها هنا وهناك.
قبل عام كان اتفاق الشاطئ الذي أنجب لنا حكومة مشوهة من الكفاءات الذين قضوا حياتهم بعيدا عن السياسة دون فقه لأكثر من ألف باء " حياة " دون النظر إلى الحروف المحيطة لظروف الوطن ظانا الواحد منهم بأن الحياة من الممكن ان نتعايشها بغض الطرف عن مسار القضية الفلسطينية وتمرس الاحتلال في اذلال الفلسطينيين، أو بعيداً عن أي اطار سياسي.
اليوم بدأت آذاننا تسمع أصوات تنادي بحكومة وحدة وطنية وذلك يعتبر تصحيح مبدئي لمسار المصالحة إلا أن الاعوجاج السياسي سيحول دون هذا التصحيح.
إشكاليتنا ليست بتلوين الوزراء بل أعمق من ذلك في ظل استعراض العضلات على بعضنا متناسين ما تأول إليه قضيتنا في انحرافها الى اضمحلال ينغصنا.
فالمرجعية هي أساس المصالحة، تلك التي غيبها أشخاص مازالوا يختطفون المنظمة ويتحكم في مقاليدها دون اي سند شرعي شعبي او قبول وطني عام، بل يقف في وجه اعادة بنائها وإصلاحها والاشراك الحقيقي للفصائل جمعاء.
كذلك فإن الانتخابات الرئاسية والتشريعية لن تكون مخرج لحالة الصدع الفلسطيني، بل إن الانتخابات هي اعادة لسيناريوهات من الشرخ الفلسطيني المتكرر والممتد منذ سنوات، قد تتشابه مخرجاته بالمخرجات التي سبقتها إبان الإنتخابات التشريعية عام 2006م، وقد تختلف معها أنها قد تكون أكثر عنفاً عما سبق.
الرئيس عباس من الواضح بأنه غير جدي في طرح أي انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني لان ذلك يفقده هيمنته وتفرده بالقرار، بل ينهي حياته السياسية المليئة بالتنازلات والجمود البرنامجي فيما يطرحه.
والناظر التقييمي لبرنامج عباس السياسي والذي يعتبر مهندساً لأسلو يجد بأننا أمام أزمة دولية واقليمية وداخلية كرسها هذا البرنامج وخاصة في الإطار الأمني واتفاقياته الأمنية مع الاحتلال المغلفة بالتنسيق الأمني والحفاظ على أمن اسرائيل وسط توغل اسرائيلي استيطاني خطير في أراض الضفة أجهضت أيضا اتفاق أوسلو الذي يتبناه عباس، فنحن امام حالة من الكانتونات المقسمة بالضفة، وزحف اسرائيلي بطيء في تهويد مدينة الخليل ، بالإضافة لقناعة اسرائيلية يمينية لا تريد بل تقطع الجدل في مناقشة أي تسليم للضفة الغربية وجبالها للفلسطينيين، بل لا تؤمن بأي تسوية سياسية مع الفلسطينيين على حدود الـ67.
ماذا يريد عباس؟؟
الجميع يحتار في ماذا يريد عباس فوق هذا الاهتراء الذي وصلت إليه القضية، بل هو شخصيا لا يعرف ماذا يريد، لأن الإجابة لا نملكها نحن كفلسطينيين بل ملك للإسرائيليين الذين يرون بان السلطة اصبحت واقعا أمنيا منتفع منه، وأن الشخصية ومحيطها التي تدير هذه السلطة يجب أن تكون هزيلة ذات سمت تنازلي لا تؤمن بقضيتها، ألبست الثوب الفلسطيني وأصبحت هي المتحكمة فلسطينياً، لذلك نجد حالياً نقاشات مكوكية أمريكية اسرائيلية تتباحث في كيفية ايجاد الشخصية التي تلي عباس والتي يجب أن يطبق عليها نفس الشروط والمعايير التي ألبسها الاحتلال لعباس.
إذن مرة أخرى نحن بحاجة لتجديد في الدم السياسي الفلسطيني بعيدا عن هذه المؤامرات ومستنقع التنازلات، يحول الدور الوظيفي الأمني للسلطة لدور فلسطيني وطني أصيل بعيداً عن التفرد الخرف لقضيتنا، وإلباس قرارنا بالثوب الفلسطيني المجمع عليه من الفصائل جمعاء.
لذلك فالحديث عن حكومة وحدة وطنية في ظل التفرد بالقرار وإلزام للفصائل المشكلة للحكومة ببرنامج ورؤى فصيل معين لا يعتبر سوى تلوين للحكومة لقوس قزح مخرجاته فقط لون أصفر وهذا فيزيائيا وكيميائيا لا يمكن حدوثه.
أخيرا ، فإن مدخل وأساس المصالحة بالتوافق على اعادة ترتيب المرجعية الفلسطينية على أسس جديدة توافقية بقيادة جامعة فلسطينية تتبنى مشروع حركة تحرر وطني يضع حد للاستنزاف السياسي للقضية الفلسطينية، وهذا ليس بمستحيل ان وجدت الإرادة للبحث عن استراتيجية فلسطينية تتفق عليها الفصائل ببرنامج وطني يمزج ما بين السياسة والمقاومة بقواسم مشتركة تكاملية تخرج الحالة الوطنية من حالة الانقسام، فلا يمكن لأي فصيل ان يقود العمل الوطني لوحده، ولا يمكن لطرف أن يلغي الاخر، فالقضية ليست حكر لأي فصيل.
بقلم/ عماد أبو الروس