حالة من الترقب تنتاب الكل الفلسطيني لتشكيل حكومة وحده وطنية تمثل كل ألوان الطيف السياسي والوطني والإسلامي الفلسطيني، لإنهاء الانقسام وإعادة اللحمة بين شقي الوطن، لذا فالجميع ينتظر ما سيشهده الوطن خلال الأسبوع القادم إذا كان على صعيد تنفيذ ما تم الاتفاق عليه وتنفيذ بنوده، وخاصة تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية.
شعبنا الفلسطيني الذين أزكمت أنوفهم رائحة الدم، وتحملوا مشاق ثمانية سنوات من عمر الانقسام الذي احدث شرخا في مشروعهم الوطني، بعد إصابته بضربة موجعة، إضافة إلى العدوان الإسرائيلي المستمر عليهم والذي استهدف شجرهم وحجرهم وأبناءهم، يحلمون بمستقبل مشرق ومزهر لأبنائهم، تحت لواء حكومة وحدة وطنية تمثل جميع ألوان الطيف السياسي (حكومة فك حصار وتنمية وإعادة إعمار)
فيوم تاريخي في حياة شعبنا الفلسطيني، هو يوم إعلان حكومة وحدة وطنية حقيقية، تحاول أقصى ما يمكنها لتنفيذ برنامجها الوطني، وتعمل ما باستطاعتها على تلبية وإصلاح مفاصل الحياة العامة، وترميم المؤسسات الحكومية كافة، وترتيب البيت الفلسطيني الداخلي وإعادة إعمار ما دمره الاحتلال الإسرائيلي لقرانا ومخيماتنا ومدننا الفلسطينية، علاوة على ذلك إخراجه من حالة الفراغ السياسي إلى حالة الحكمة والتبصر لتضع الوطن الفلسطيني على جادة الديمقراطية بالاتفاق على المنهجية التي عرضت الصورة الحقيقية للمكونات الفلسطينية كافة، والبحث عن الاختناقات الحقيقية التي تقف بوجه استعادة الأنشطة الحيوية لمفاصل الوطن، بتحريك بوصلتها لتقديم أفضل الخدمات فضلا عن استهدافها الخطط الإصلاحية والمضي فيها من خلال الإشارة إلى الملامح الإستراتيجية.
في أوضاع معقدة مثل الأوضاع التي يعيشها وطننا، وفي هذا الوقت بالذات نعتقد أن حكومة وحده وطنية تكون أكثر جدوى لو ظل الجميع تحت سقفها، فكل المشاكل يمكن تسويتها بالحوار إذا ما خلصت النيات، وما تطالب به أية حركة أو فصيل من مكاسب سياسية، من المناسب أن ينظر إليه كحق مشروع في بعضها أو اغلبها، غير أن هذا الحق لابد أن يخضع للدراسة من قبل الأطراف الأخرى، إن كان ممكناً تلبيته في هذا الوقت أو تأجيله إلى مرحلة أخرى، فليس ما تطالب به هذه الحركات والفصائل والأحزاب أو تلك امراً يجب تنفيذه فوراً، ففي هذه الحال لا يصبح أي معنى للحوار الديمقراطي واحترام الرأي الآخر.
إن تحقيق رغبة الجماهير الفلسطينية، في تشكيل حكومة وحدة نزاهة وطنية نزيهه وحكيمة، تضع نصب أعينها المصلحة الفلسطينية الوطنية العليا، وليس مصالح أحزاب أو فئات او عائلات أو تكتلات بعينها, هو هدف نبيل يجب أن يسعى له كل المخلصين وشرفاء وأحرار الوطن الفلسطيني، بجانب القيادة العليا للشعب الفلسطيني، ممثلة بالأخ الرئيس أبو مازن رئيس الدولة الفلسطينية العتيدة.
ولا يخفي على أحد أن التحديات ما زالت موجودة على الأرض، ولن تزول بسرعة، ولكن بالعزيمة والإصرار يجب أن تكون أشد وأقوي، وما يشجعني على قول ذلك هو النتائج الباهرة لجلسات الحوار بين حركتي فتح وحماس من جهة وبين المشاورات التي يجريها الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع الكل الفلسطيني التي تحققت في الوطن.
إن الجماهير الفلسطينية ما زالت تدفع ثمن الانقسام البغيض الذي ضرب وطنهم وقسمها إلى مناطق وكنتونات صغيرة، فصرخة مدوية منهم توقظ القادة والساسة والمسؤولين من سباتهم وحثهم بضرورة توفير عناصر صالحة تُحْدِث طفرة في العلاقات العامة وتساعد في حل الأزمات وعليهم أن يعملوا وكأنهم في حزب واحد أو فريق وطني واحد كما في تشكيل ( الفريق الوطني ) للألعاب في لعبة كرة القدم التي يضم عناصر من عدة فرق متنافسة، وهذا الأمر يحتاج إلى ثقافة جديدة هي ثقافة نبذ الصراعات الثانوية وتجيد حلقاتها المغلقة.
إن الوطن الفلسطيني بمقدساته وبجماهيره وقواه الوطنية والإسلامية وثوابته وإنجازاته الوطنية في خطر محدق، إن بقي الجميع يفكر بطريقة الغالب والمغلوب وكم نحن اليوم بحاجة إلى شخصيات افتقدناها وأفتقدها الجميع اسمهما ياسر عرفات وأحمد ياسين الشهداء الأحياء، ولكن أملنا وأمل الجماهير بالخلف الصالح وبقية السيف والشهادة ممثل بالمناضل الوطني القائد محمود عباس وصحبه في القيادة الفلسطينية وكل المخلصين لهذا الوطن بأن يكونوا عند حسن ظن شعبهم وأن يعودوا لمبدأ الشراكة والمصلحة الأهم والغاية الأكبر فلسطين مزدهر وإلا فالقادم أخطر.
إن أساس المواجهة والتحدي والصمود يتوقف على شعبنا الفلسطيني وعلى الخروج من الخيار الراهن، فنحن جميعا على أرض هذا الصمود مدعوون لإيجاد السبل والآليات والتعاون والتكامل للمساهمة المشتركة في معالجة الطوارئ على الأرض، وتلبية بعض الاحتياجات الناشئة عن معركة البناء والتحرير.
وفي تقديرنا، إن الخطوة الأولى نحو العلاج الحاسم وخاصة بعد المداولات والمباحثات لتشكيل حكومة وحده وطنية، يكمن بتجسيد قيام حكومة تعمل على فك الحصار وإعادة إعمار ما دمره الاحتلال، حكومة وحدة وطنية دستورية تمثل كل ما هو وطني شريف قادر على خدمة وطنه وأمته وقضيته الوطنية المركزية، حكومة تتمتع بثقة واحترام الجماهير، والإرادة والقدرة على الالتزام بمصلحة الوطن والمواطن، وفقا لأحكام الدستور والقانون وحماية حقوق المواطن والوطن بالقول والعمل وفقا لمقتضيات المرحلة والمعركة والمصلحة القومية العليا، وأن يتجسد ذلك كله في برنامج وإستراتيجية واضحة لمثل هذه الحكومة.
إذا لا بد من صحوة حقيقية لأننا وبحق أمام منعطف تاريخي مهم وحساس جدا، يستدعي منا جميعا الانتباه والتمسك بوجود قضيتنا الوطنية وحماية شعبنا وقرارنا الفلسطيني على ترابه الوطني، وهذا يتطلب إحداث تغيرات شاملة ومهمة على بنيتنا التنظيمية والمؤسساتية، وكذلك في جبهتنا الداخلية والخارجية، والابتعاد عن سياسات الارتجال والعفوية، والاعتماد على الرد فقط في مواجهة قضايانا المصيرية، فالمسألة الوطنية هي أسمى من كل الأشخاص ومن كل التنظيمات وأكبر من كل القضايا التي يفكر بها البعض، ولن يرحم التاريخ أحدا منا، لأن مصير وطننا وشعبنا الآن هو بين أيدينا.
عاش الوطن الفلسطيني وعاش شعبنا الكريم في ظل أجواء السلم والعدل والسعادة والأخوة والصفاء والهناء، ونصر الله كل من ينصر ويعمل من أجل الوطن الفلسطيني وشعبه العظيم.
بقلم/ رامي الغف*
الإعلامي والباحث السياسي