تعتبر المشاركة السياسية الوسيلة التي تجعل المواطن يشارك في صنع القرار وتوجيه السياسات في بلده، وتعنى في أوسع معانيها ترسيخ مفهوم المواطنة الايجابية نحو ضمان حقوقه الأساسية التي أقرتها الدساتير والمواثيق الدولية، بحيث يكون للمواطن دور فاعل في تجديد شرعيات مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية، بمعنى أن يأخذ المواطن حقه ويدافع عن مصالحه في المجتمع، وبالتالي هي وسيلة لمنع السلطة الحاكمة من الالتفاف على إرادة ورغبات المواطنين، فالمشاركة السياسية وسيلة تجعل السلطة الحاكمة عندها إحساس بوجود مواطنين في الدولة لديهم حقوق ومطالب يعبروا عنها من خلال مشاركتهم في مختلف مجالات الحياة العامة.
وبذلك يعد حق المشاركة السياسية من الحقوق والحريات العامة الذي يعتبر محور المواضيع الأساسية في أي دولة، وذلك لأهمية ارتباطه بالحقوق السياسية مثل الحق في تشكيل الأحزاب السياسية والجمعيات، والحق في عقد الاجتماعات وتقلد المناصب والوظائف العامة، وفي أضيق معانيها تعني حق المواطنين في ممارسة الرقابة الشعبية واستبدال الديمقراطية المباشرة بالحق في المشاركة في بالانتخابات واختيار ممثلي الشعب في الحكم، وتجسد إرادة ورغبة المواطنين في المشاركة والتحول إلى عامل مؤثر على سياسة سلطات الدولة ، فالحقوق السياسية لا يمكن لها أن تتحقق في الواقع العملي إلا في ظل الحريات العامة، كما أن الحقوق السياسية بدورها تمثل ضماناً قوياً للحريات العامة، ولما تعتبر المشاركة السياسية من أهم مبادئ الدولة الوطنية الحديثة وسمة من سمات الدول الديمقراطية، لذا فكلما زادت المشاركة السياسية في أي بلد ، كان البلد أكثر ديمقراطية.
وفلسطين لديها تجربة حديثة في مجال المشاركة السياسية، التي ترسخت بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية من خلال مؤسسات مختلفة تشريعية ومحلية، لكن شابها العديد من النواقص في الممارسة العملية من غياب التعددية السياسية وضعف مؤسسات المجتمع المدني، والنصوص الدستورية والقانونية واستمرار الانقسام بين شطري الوطن وصراع الأخوة الفلسطينية وعدم توفر عوامل الاستقرار السياسية لوجود الاحتلال، وغابت مشاركة المواطن في الحياة السياسية وخاصة في مجال الانتخاب والترشح منذ اجراء آخر انتخابات رئاسية وتشريعية ومحلية في العام 2006م المفترض انتهاء ولايتها في العام 2010م والمطلوب تجديد شرعيتها بالانتخاب.
باعتقادي أن غياب المشاركة السياسية في فلسطين يقوض دعائم شرعية النظام السياسي، وغياب القدرة والكفاءة مما يعنى تدنى فعالية النظام، واستمرار غيابها يهدد شرعية وجود السلطة نفسها في نظر الدول الاخرى، وتعطى الفرصة للتدخل الخارجي للعبث في الأمن الداخلي وتقوية الأحزاب المعارضة ومصالحها الشخصية على حساب المصلحة العامة، وغيابها لها تأثير كبير على فئات المجتمع ولاسيما الشباب، مما يعني ترك أولئك الشباب عرضة لتأثير الفكر المتطرف المتنامي والقوى التقليدية في المجتمع، وتنامي الشعور باليأس والإحباط، وتعطى فرصة للأحزاب لتحدى السلطة والتوجه نحو الانغلاق المعاكس والتعصب والدفاع عن كل ما هو تقليدي.
لذا فإن المشاركة السياسية مهمة للمجتمعات وخاصة المجتمع الفلسطيني لأنها تساهم في تدعيم الديمقراطية وترسيخها في أذهان الناس والحصول على مجتمع قوي يستفيد من قوة أفراده مهما اختلفت أفكارهم، وأيضا تساهم في تدعيم الحريات ومكاسب حقوق الانسان والمساهمة في توطد العلاقات بين أفراد المجتمع وذلك بوضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبار، وهذه المشاركة هي ضمان للتعددية والتداول السلمي على السلطة وتقوية وتفعيل الرقابة الشعبية على السلطة والوقوف ضد كل التجاوزات التي يمكن أن تقترفها في حق المواطن، بالإضافة إلى أن عامل المشاركة السياسية يلعب دورا مهما في دعم وإنجاح عملية التنمية وتعزيز انتماء المواطن لوطنه، هذا المواطن المدني بطبعه كما يقول ابن خلدون لا يمكن له أن يعيش دون انتماء الى مجتمع ودون الانتماء الى وطن، وبالتالي لا يمكن أن يرضى بوطن لا يلبي له طموحاته, أو بوطن يقمع له حرياته أو بوطن لا يشعر فيه بإنسانيته، والوطن لا يمكن أن يهدى من السماء وانما على المواطن أن يشارك في صنعه، وكما يقول كوجيتو ديكارت "أنا أفكر اذا أنا موجود" ونحن نقول "المواطن اليوم يشارك في الحياة السياسية لبلادة فهو موجود".
فالمطلوب اليوم من السلطة الوطنية الفلسطينية العمل على تهيئة البيئة الداخلية الفلسطينية بإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الداخلية نحو توحيد مؤسسات الدولة وتجديد شرعيتها وتعزيز حق مشاركة المواطن في الحياة السياسية، والقيام بإصلاحات دستورية وقانونية للاعتراف بجميع الحقوق السياسية المقررة وفق القانون وضمان احترامها، وتهيئة المناخ لممارستها نظرا لارتباطها الوثيق بمصير الشعب ومشاركته في إدارة شئون بلاده والشعور بالمواطنة المتساوية والانتماء للوطن وتأكيد الذات الوطنية.
بقلم/ رمزي النجار
[email protected]