القضاء مؤسسة وطنية تقوم على حماية والدفاع عن حقوق الناس ومصالحهم وأعراضهم وممتلكاتهم، وهو المؤشر لقياس مستوى تحقيق العدالة واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون في المجتمع، وهو المرآة التي تعكس بصدق ودقة حقيقة واقع المجتمع سياسيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وإداريا بل والاهم مستوى رقيه وتقدمه وتحضره، وهذا بطبيعة الحال مرهون تماما بتوفر ضمانة هامة تتمثل في هيبة القضاء.
فلسطينيا، فقد حقق القضاء الفلسطيني انجازات هامة لا يستهان بها ولا يمكن القفز عنها أو تجاهلها، ولكن بالمقابل لا يمكن أن ننكر أن هناك الكثير من الاختلالات ونقاط الضعف وأوجه القصور التي تحد من قدرة القضاء على تحقيق العدالة وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والتي تقلل من هيبة القضاء في نظر الناس بالنتيجة.
اللافت أن هناك انطباع عام في المجتمع الفلسطيني يتحدث عن اختلال في هيبة القضاء الفلسطيني وهذه بالمناسبة مشكلة ضخمة تهدد حاضر ومستقبل القضاء من حيث قدرته على تحقيق العدالة وتعزيز سيادة القانون، الأمر الذي يتطلب من كل الأطراف ذات العلاقة في كافة مواقعها بتحمل مسئولياتهم والقيام وبالسرعة الممكنة بخطوات حقيقية تجاه مسألة تعزيز هيبة القضاء الفلسطيني، وهنا اقترح ما يلي:
• ضرورة توفر إرادة سياسية حقيقية بعيدة تماما عن الشعارات تجاه احترام سيادة القانون وتطوير واستقلال القضاء وعدم المس بهيبته، إذ لا قيمة بالمطلق لأية خطوات أو إجراءات حقيقية تجاه تعزيز هيبة القضاء الفلسطيني ما لم تتوفر مثل هذه الإرادة السياسية،
• السعي لإنهاء كل مظاهر الانقسام القضائي وعدم ربط ذلك بمسألة المصالحة السياسية، بما يضمن وجود قضاء فلسطيني واحد موحد في جناحي الوطن ضفتنا الغربية بما فيها القدس الشريف وقطاعنا بعيدا تماما عن مظاهر التسييس و المحاصصة وكل آفات الانقسام القضائي، خصوصا وأن القضاء الموحد يعتبر عاملا هاما معززا لهيبة القضاء ولهيبة دولة فلسطين،
• تعزيز استقلال القضاء بشقيه المؤسسي والذي يشمل الاستقلال المالي (ميزانية مستقلة كافية للقضاء)، وتوفر موارد كافية، واستقلال إداري، وشقه الفردي الخاص بالقضاة أنفسهم من حيث خضوعهم فقط للسلطة القضائية (تبعية للسلطة القضائية وليس للتنفيذية أو التشريعية)، واستقلالهم عن المجتمع وأطراف النزاع وتحررهم من أية ضغوطات أيا كان مصدرها، وتمتعهم بحرياتهم الأساسية وضمان أمنهم الوظيفي، الأمر الذي يؤسس إلى قضاء نزيه وعادل يحظى باحترام وتقدير ورضا الناس،
• تعزيز مبادئ الحوكمة الرشيدة في القضاء وما يعنيه من أهمية تفعيل عملية التفتيش القضائي (الرقابة الداخلية)، والرقابة الخارجية (المجتمع المدني، والإعلام، والأفراد) بما يضمن تحقيق النزاهة والشفافية والمساءلة كمرتكز أساس لكسب ثقة ورضا المواطنين،
• تطوير مباني المحاكم والقاعات وتوفير التجهيزات الحديثة مع أهمية رفدها بكادر بشرى كاف ومؤهل بما يفي ومتطلبات تنفيذ الوظيفة القضائية بطريقة تحقق العدالة المنشودة،
• تطوير نظام عمل دوائر التنفيذ بما يضمن تنفيذ قرارات المحاكم وإعادة الحقوق إلى أصحابها دون مماطلة أو إبطاء وبما يتناسب ومتطلبات المحكمة النموذجية كمرتكز أساس لكسب ثقة ورضا الناس، خصوصا وأن تنفيذ الأحكام القضائية يعتبر سيف العدالة الذي يقتص به الحق، إذ لا قيمة للأحكام القضائية التي تصدر بعد عناء طويل إذا لم تجد طريقها إلى التنفيذ.
• تعزيز حساسية المحاكم للنوع الاجتماعي لجسر الفجوة ذات العلاقة بهذه القضية، فالكلام والنصوص عن المساواة بين الرجل والمرأة يظل لا قيمة له إذا لم يجد طريقه إلى التطبيق على أرض الواقع،
• إعادة هندسة إجراءات التعامل مع المتقاضين، ورفع مستوى المهارة الإدارية والتقنية بين العاملين بالمحاكم لتحقيق الاستفادة القصوى من الموارد البشرية،
• وضع نظام شفاف للتعامل مع شكاوى الجمهور ومعالجتها بالكفاءة والسرعة المناسبتين، إذ كيف لنا أن نتصور أن يحظى القضاء الفلسطيني باحترام وثقة الناس إذا لم يهتم بالاستماع إلى والتعرف على همومهم ومشكلاتهم وإيجاد الحلول الشافية والوافية لها،
• الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة لمواكبة متطلبات العصر في مجال الإدارة وتنظيم الملفات، إذ لا يمكن أن ندخل عصر جديد بأدوات قديمة عفا عليها الزمن.
بقلم/ د. يوسف صافى