في ظل تطورات ومتغيرات تطال القضية الفلسطينية باعتبارها جوهر الصراع العربي الاسرائيلي ، والمنطقة بمجملها ،هذه التطورات التي تجري لاول مرة في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني وتاريخ الامة العربيه نتيجة الهجمة الامبريالية الصهيونية الاستعمارية الارهابية التكفيرية ، تتحول وتصبح خطرا داهما وجديا على القضية الفلسطينية، أرضا وشعبا وهوية ومصيرا ومستقبلا ومنجزات ومكتسبات.
وامام هذه الاوضاع نرى بأن الوضع الداخلي الفلسطيني، يشهد حالة غير مسبوقة من الانقسام السياسي والجغرافي، ومسألة توحده أصبحت مرتهنة لأجندات واشتراطات غير فلسطينية، وفي ظل للأسف تهرب حركة حماس من تشكيل حكومة وحدة وطنيه ، او اي تعديل على حكومة التوافق ، اضافة الى تهديداتها باتخاذ مواقف في حال اي تعديل وزاري ، مما يعتبر تعديا صارخا على الديمقراطية الفلسطينية.
ما تشهده وتعيشه الساحة الفلسطينية من أصحاب هذه العقليات والرؤى، والتي أغلقت وصدت الأبواب في وجه كل المبادرات الوحدوية التي أطلقتها الكثير من القوى ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، منفردة ومجتمعة وغيرها، تتطلب من كافة القوى ومؤسسات المجتمع المدني ومعها كل القوى الحية والشريفة، التحرك من اجل وضع حدا لما يجري من خلال تحريك الشارع لوقف ما تتعرض له القضية الفلسطينية والعمل على انهاء الانقسام المدمر حافظا على المصالح العليا للشعب الفلسطيني.
إن الشعوب تصنع تاريخها بنضالها ، من خلال مسيرتها ، والشعب الفلسطيني يعاني اليوم من أوضاع صعبة على كافة المستويات ، ويترحم على عمالقة فلسطين الذين رحلوا ، حيث لم يسمحوا للخلافات الأيديولوجية ولا لأصحاب الأجندة الخارجية ولا للمال السياسي ، أن يكون في الانقسام وتدمير المشروع الوطني .
ونحن ندرك ثقل وجسامة المهام النضاليه التي تقع على عاتق القوى والفصائل الفلسطينية في ظل حالة الانقسام، وندرك ان هناك فصائل تعاني من اوضاع مالية صعبه ولم ترهن قرارها السياسي ، وتسعى ان تغرس حضورها ووجودها في عمق الوجدان الشعبي ، نرى ان ضعف الفصائل والقوى ،قابله بالمقابل ضعف في مؤسسات المجتمع المدني،حيث ان أغلب هذه المؤسسات تعتمد على التمويل الخارجي، وبالتالي هذا الاختراق السياسي والاقتصادي والتمويل المشروط،جعل ولاء قياداتها للممول قبل الولاء للوطن،ونظرت الى مؤسساتها كنوع من البرستيج والجاه الاجتماعي،والمكانة الاقتصادية والاجتماعية والمنفعة الشخصية، نحن اذا أمام ازمة شاملة وطنية وسياسية بحاجة الى عملية تقييم جدية ، حيث الفساد والمحسوبيات والواسطة والكثير من السلوكيات اللامعيارية من دجل ونفاق ورشوة والنفاق والدجل الإجتماعي الخ،كلها تدفع نحو المزيد من الإحتقان لذلك لا بد من المعالجة لكل هذه القضايا قبل فوات الاوان.
ومن هنا نرى اهمية ان تقوم كافة فصائل العمل الوطني بمراجعة جدية بما فيها جبهة التحرير الفلسطينية للحفاظ على هويتها الفكرية وصوغ أهدافها وبرامجها، حتى لا تكون لقمة سائغة وفريسة للأفكار السلفية والرجعية والانتهازية، والتي تؤثر ببنية الجبهة، واستخلاص الدروس من التجربة الماضية لتصليب البنية التنظيمية والفكرية والسياسية على طريق الخروج من الأزمة الخاصة للجبهة المرافقة للأزمة الوطنية العامة، رغم ما تعرضت له جبهة التحرير من خسارات كبيرة بفقدان قادتها العظام طلعت يعقوب وابو العباس وابو احمد حلب وسعيد اليوسف وابو العز وفؤاد زيدان وحفظي قاسم ومروان باكير وكوكبة من أعضاء لجنتها المركزية في المقدمة منهم جهاد حمو وجميل حفني وابو عيسى حجير وبرهان الايوبي اضافة الى عدد من قادتها ومناضليها ،على الرغم من كل ذلك،ما زالت الجبهة متمسكة باهداف شعبنا وثوابته الوطنية،وما زالت تواصل مسيرتها الكفاحية والنضالية،وأيضاً لم تتخلى عن دورها تجاه شعبنا وجماهيرنا،من حيث همومها اليومية وحقوقها الاجتماعية ،ولكن هذا لا يعفينا من القول بأن الجبهة ملزمة ان تقوم بعملية مراجعة شاملة،أين أخفقت وأين أصابت،ولماذا تراجع دورها وأدائها وفعلها،وأين مكامن الخلل والقصور،عليها أن تبادر إلى عقد اجتماعات هيئاتها القيادية ،باعتبار ذلك محطة هامة للمراجعة والتقييم والمحاسبة والمساءلة بعيداً عن لغة المجاملة والمسايرة،حتى تشكل رافعة حقيقية لعمل الجبهة في كل اوجه وميادين العمل التنظيمي والكفاحي والشعبي ، كل هذا يستدعي مراجعة وتقييم شاملة لأساليب العمل، ولمجمل السياسيات والخطط، ولصياغة رؤية سياسية تنظيمية منهجية للمرحلة الجديدة، تشكل أساسا ومنطلقا لاشتقاق المواقف والسياسيات، والارتقاء بمستوى فعالية الجبهة ودورها وحضورها على طريق تحقيق أهداف شعبنا الوطنية والاجتماعية.
وفي ظل الظروف السياسية الخطيرة حيث تتواصل المخططات الصهيونية الأمريكية الهادفة لتصفية القضية الوطنية الفلسطينية من خلال استغلال ظروف انشغال البلدان العربية بهمومها ومشاكلها الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن خلال ما تسعى اليه بعض الدول الاوروبيه لتمرير مشاريع تستهدف تصفية الحقوق المشروعه للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حق العودة ، وكذلك تتجاهل قرارات الشرعية الدولية والحقوق الوطنية الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني ، مما يستدعي من الجميع العمل على رفض مخططات إسرائيل في تهويد مدن وقرى الشعب الفلسطيني ، والوقوف ضد كل أشكال الطرح السياسي حول يهودية الكيان العنصري وفضح مراميها وأهدافها وتبعاتها على مستقبل نضالنا الوطني والشعب الفلسطيني ، والاسراع في تفعيل وتطويرمؤسسات م. ت. ف على أسس ديمقراطية وبمشاركة الجميع ، وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني وتعزيز وحدة الشعب الفلسطيني ، ورسم استراتيجية عمل فلسطينية جديدة تستند للتمسك بكامل حقوق شعبنا الوطنية واستخلاص دروس المرحلة الماضية ووقف كامل للمفاوضات العبثية التي دفع شعبنا ثمنها غاليا، ونقل ملف القضية الفلسطينية الى الامم المتحدة لمطالبتها بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة والتمسك بخيار المقاومة الشعبيه بكافة اشكالها حتى استعادة حقوق شعبنا في الحرية والاستقلال والعودة .
ختاما لا بد من القول : ان المرحلة الراهنة بحاجة الى مراجعة نقدية جريئة ورسم استراتيجات نضاليه ، بغض النظر عن محاصرة بعض القوى ومنها جبهة التحرير االفلسطينية على مستوى دعمها المالي والمعنوي الذي أثر على إمكانياتها، نتيجة مواقفها الوطنيه وحرصها على القرار الفلسطيني المستقل وهذا هو ظرف موضوعي لا شك أنه صعب وقاسي نتيجة سياساتها و تضحياتها وكفاح مناضليها وهي تستجيب لضرورات النهوض المطلوب الذي يشكل يقينا مستقبل الشعب الفلسطيني.
بقلم / عباس الجمعه
كاتب سياسي