مرحلة جديدة في العلاقات الدولية والتوازنات الإقليمية بغد اتفاق فيينا

بقلم: عباس الجمعة

هل بدأت مرحلة جديدة في العلاقات الدولية والتوازنات الإقليمية، وسيكون لهذا الاتفاق معادلاته السياسية والنتائج الاقتصادية التي ستنعكس بالضرورة على مجمل دول هذه المنطقة، وبالذات منها الدول العربية التي تتبدى وكأنها تعيش ممزقة على حافة العصر، في ظل غياب القرار والقدرة على مواجهة هذا العدو المتوحش الآتي من الجاهلية مزوداً بأحدث تجهيزات العصر الإلكتروني وسكاكين الذبح على الهوية.
لقد اتى اتفاق فيينا النووي بعد جولات ماراتونية شاقة من التفاوض أثبتت الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمجموعة الدولية الكبرى المعروفة بـ"5+1" قدرا هائلا من تحمل المسؤولية والالتزام لإنجاح مسيرة التفاوض، وأهمية التوصل إلى اتفاق تاريخي يحترم مصالح الأطراف المتفاوضة، والإرادة الدولية بضرورة نزع فتيل التوتر المهدد للأمن والسلم الدوليين، وفتح آفاق جديدة على المستوى العالمي .
من هنا نرى ان الاتفاق التاريخي قد كتب عهدا جديدا بين الدول الموقعه ، وسيكوةن له تأثير كباشر خلال مرحلة جديدة من التعاون المثمر والاحترام المتبادل للمصالح وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، بعد علاقات متوترة شهدت في أكثر فصولها سخونة عالية وصلت إلى حد الحشد العسكري البحري والجوي، وملء البحار والمحيطات والمضايق بالقطع البحرية العسكرية وحاملات الطائرات، وملء الأجواء بمختلف الطائرات الحربية من طائرات التجسس بدون طيار إلى القاذفات وغيرها، وبلغ مرحلة الاحتكاك المباشر حينا، وسط تحريض إعلامي وعقوبات اقتصادية قاسية، ووضع خطط لتغيير النظام بكافة الطرق ومنها الانقلاب العسكري وبالتالي إسقاط النظام الإسلامي في إيران.
إن هذا الاتفاق يعني الكثير والكثير بالنظر إلى ما سيرتبه من آثار كبيرة جدا، بانتهاء مرحلة المواجهة إلى التعامل البناء والمثمر، وإعادة مخططات إسقاط النظام الإيراني إلى الأدراج، وإنزال البندقية من على الأكتاف، ووضع لغة المصالح المشتركة والاحترام المتبادل بدلا منها، والانطلاق نحو مرحلة مبنية على قاعدة احترام الآخر وعدم الانفراد بالقرار.
وامام هذا الواقع صمدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مفاوضات فيينا النووية وأفشلت محاولات الإدارة الامريكية والدول الأوروبية المعنية تجريدها من برنامجها النووي السلمي، وأثبتت أنها بالصمود يمكن الحفاظ على المكتسبات والمصالح الوطنية، ومن هنا نحن نتطلع الى الاطراف الشريكة بالتوقيع على اتفاق فيينا الى ملاحقة البرنامج النووي "الإسرائيلي" وتصفيته نظرا لما يحمله من تهديد ومخاطر على دول المنطقة وشعوبها، وفي إطار جعل منطقة الشرق الأوسط خالية تماماً من السلاح النووي.
إن نجاح الجمهورية الإسلامية الإيرانية في انتزاع الاعتراف بحقها في امتلاك التكنولوجيا النووية واستخدامها السلمي ودخولها النادي النووي، والعودة إلى الأسواق العالمية (الطاقة والمصارف والسلاح والسياحة والذهب والمعادن والتجارة والصناعة وغيرها)، سينعكس إيجابيا على الاقتصاد الإيراني وعلى العملة الإيرانية والسيولة النقدية، والرخاء الاقتصادي والمعيشي، والاستقرار السياسي والأمني الذي يتطلع إليه الشعب الإيراني، وكسر العزلة الدولية لإيران.
إن المنطقة خاصة والعالم عامة على عتبة بداية جني أرباح كثيرة لطالما تمنتها واستجدت الأقدار أن تتحقق لها، بعد عقود من الاستنزاف المادي والبشري، وتعطل التنمية والتوتر والقلق وعدم الاستقرار وانسداد آفاق المستقبل، إذ إن من شأن هذا الاتفاق أن يكرس الطاقات والموارد البشرية والمالية والمادية فيما يخدم تطلعات شعوب المنطقة والعالم، ويقيم ركائز السلم والأمن الدوليين.
ان الاتفاق النووي التاريخي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومجموعة "5+1" هو انتصار حقيقي للموقف الايراني, ولكن هذا النصر لدبلوماستها ولمستقبل شعبها ، اما النصر على الخصوم في المنطقة فهذا يحتاج الى نقاش، لانه بداية لابد من الاخذ بعين الاعتبار الزمن الذي لن يكون قصيرا حتى تقطف ايران ثمار هذا الاتفاق على الصعيد الاقتصادي والسياسي، والاتفاق لا يعني اتفاقية سلام دائم مع كل الغرب الذي لا تزال فيه تيارات واحزاب وقوى وشخصيات تناصب العداء لايران وتنظر بعدم رضا لهذا التوافق على برنامجها النووي، واللوبي الصهيوني سوف يستنفر لحشد هذه القوى وتفعيلها، والاخطر من كل هذا هو ان يدفع هذا الاتفاق الى تحالف اكثر وضوحا بين بعض الدول العربية واسرائيل ضد ايران،وبهذا سوف تدفع الشعوب العربية والشعب الفلسطيني ثمانا باهظا وليس ايران.
ان توقيع اتفاق فيينا اتى في ظل ظروف دقيقة حيث الامة العربية تفتقد لأبسط قواعد التضامن العربي بعدما تعرضت معظم شعوبها لأشرس هجمة عدوانية صهيوامريكية مركزة على قاعدة تعميم ثقافة الفتنة الطائفية والمذهبية على امتداد الوطن العربي في سياق ما يسمى الفوضى الخلاقة من خلال العصابات الارهابية التكفيرية المسلحة والمدعومة بشكل مباشر من بعض الدول العربيه التي سلحت هذه العصابات ومولتها بالاموال والرجال وتجنيد الامبراطوريات الاعلامية لكسر إرادة الشعوب المقاومة كما يحصل في سورية والعراق واليمن وليبيا ومصر والجزائر لتقسيم المقسم وفرض سايكس بيكو جديدة عليها بمقايس ومفاهيم صهيوامريكية لقلب معادلة الصراع العربي الصهيوني والوصول لتصفية القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني .
وامام هذه الظروف نؤكد ان اتفاق فيينا سيعيد خلط الاوراق ومواجهة الهجمة الارهابيه ومحاولات تقسيم المنطقة ، كما سيعزز من دعم ايران للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني ودعم المقاومة في لبنان وفلسطين حيث ترسخت شراكة مصيرية في مواجهة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية، وما جرى في فيينا انتصار كبير للجمهورية الاسلامية ولكل العرب الذين يحتاجون الى جرعة أمل وتفاؤل بإمكانية مقارعة كل أشكال الهيمنة والتسلط التي تمارسها الإدارة الأميركية بحق شعوب العالم وتعزيز أسس الحوار والتفاهم البناء القائم على احترام خصوصيات الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
ختاما: مهما تكن تفاصيل الاتفاق فايران اصبحت دولة نووية ووضعها في مصاف الدول الكبرى كما أنه شكل صدمة كبيرة لكيان الاحتلال ومشروعه العدواني في المنطقة، وان هذا النجاح الدبلوماسي الإيراني سيكون له تأثير على جميع الاوضاع في المنطقة وفي طليعتها القضية الفلسطينية وتحقيق اهداف الشعب الفلسطيني وفي طليعتها اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس ، والتوصل الى استراتيجية إقليمية ودولية لمكافحة الإرهاب التي تمارسه الجماعات التكفيرية المسلحة في عدد من البلدان العربية.

بقلم / عباس الجمعه
كاتب سياسي