الزيارة التي قام بها وفد المكتب السياسي لحركة "حماس" برئاسة خالد مشعل إلى المملكة العربية السعودية لم تكن مفاجئة للمتابع والمراقب للاتصالات بين الجانبين منذ تسلم الملك سلمان مقاليد الحكم.،حيث كانت كل الدلائل والمؤشرات تؤشر الى تغير في السياسة السعودية تجاه مصر وتجاه حركة "حماس"،فالجسور المقطوعة ما بين السعودية وحماس على خلفية الموقف من النظام المصري في عهد الملك السعودي الراحل عبدالله،والدعم المطلق للنظام المصري في حربه على الإخوان،وبالطبع حماس كامتداد تنظيمي وفكري وأيديولوجي لحركة الإخوان المسلمين،والتي وصلت حد اعتبار الجماعة في السعودية ومصر منظمة إرهابية،لم تبق على ما هي عليه في عهد الملك سلمان،وخصوصاً بأن هناك جملة من المتغيرات العربية والإقليمية والدولية أوجبت مثل هذا التغير في المواقف للفريقين السعودية و"حماس"،فمصر لم تف بإلتزاماتها بالقتال الى جانب النظام السعودي فيما يسمى بعاصفة الحزم،الحرب العدوانية على اليمن،والسعودية كانت تريد ان تبتز النظام سياسياً من خلال ما تقدمه من دعم إقتصادي له،بحيث يصبح النظام فاقداً لقراره السياسي،وبما لا يسمح لمصر بإستعادة دورها ومكانتها في الشأنين العربي والإقليمي،وكذلك التطور الأبرز والأهم هنا،هو توقيع الآتفاق الإيراني مع الدول الكبرى،مجموعة (5+ 1).
توقيت القيام بالزيارة وتركيبة الوفد الحمساوي ومستوى اللقاءات التي تخللتها على مدار يومين متتاليين منذ وصول وفد الحركة في ١٥يوليو/تموز الجاري، منح الزيارة مزيداً من الاهتمام الإقليمي والدولي، ومحاولة الجانبين ترتيب الأوراق في إطار سياسي يتعلق بمستقبل توازن القوى في المنطقة.
فعلى الصعيد السعودي وجدنا بأن اللقاءات بين الجانبين لم تقتصر على اللقاء مع وزير الخارجية السعودي كما درجت عليه العادة،بل كان اللقاء بحضور الملك سلمان،ومعه ولي ولي العهد ووزير الدفاع محمد بن سلمان،ورئيس جهاز الإستخبارات السعودي،وهذا يؤشر الى تغير في آليات السياسة الخارجية السعودية،وتعاطيها مع التغيرات العربية والإقليمية والدولية،والتي ترى بأنها تهدد بشكل مباشر دورها ونفوذها على مستوى المنطقة بشكل عام والمنطقة العربية بشكل خاص،وتوقيت الزيارة حمل ويحمل دلالة خاصة على ما سيكون عليه التحرك المستقبلي للسعودية بعد توصل ايران ومجموعة(5+1)الى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني،وتصديق مجلس الأمن الدولي على هذا الإتفاق وتبني الإتحاد الأوروبي له.
السعودية من اكثر الدول انزعاجاً بالإضافة الى اسرائيل من الاتفاق الإيراني- الأمريكي،فهذا الإتفاق يعني،رفع للعقوبات الدولية عن ايران،وبالتالي ستعود ايران الى تصدير النفط بالحجم الطبيعي،وبما يعني تخفيض أسعاره،وليس هذا فحسب،بل ايران ستصبح لاعباً مركزياً ومؤثراً في كل ازمات المنطقة،وجزء من غرق السعودية في الوحل اليمني ياتي في إطار الصراع على النفوذ مع طهران،والسنوات القادمة قد تشهد تقارباً امريكياً – ايرانياً على حساب السعودية،السعودية تريد لملمة اوراقها السياسية للتحرك مستقبلياً،وخصوصاً أن المنطقة ما قبل توقيع الإتفاق الإيراني- الأمريكي،لن تكون كما كانت عليه بعد التوقيع،فالمنطقة ستشهد معادلات وتحالفات سياسية جديدة،وتغيرات جيو - استراتيجية تمس السعودية ومكانتها ودورها ونفوذها في المنطقة.
السعودية تريد أن تلعب دوراً في إنهاء حالة الإنقسام الفلسطيني،وخصوصاً بأن طرفي الإنقسام،قد وقفا الى جانبها في دعم حربها العدوانية على فقراء اليمن "عاصفة الحزم"،وهنية عضو المكتب السياسي ل"حماس" أشار الى ان السعودية ستلعب دوراً في إنهاء الإنقسام الفلسطيني.
"حماس" زيارة قيادتها للسعودية،حسمت حالة الحراك والصراع الداخلي فيها،بين التيار الذي يريد تطوير وتمتين العلاقة مع طهران،وبين التيار الذي يريد تدعيم علاقاته مع السعودية وقطر وتركيا،حيث هي الأقرب لحركة "حماس" والإخوان فكراً وتنظيما وأيديولوجيا وموقف ومذهب ورؤيا.
الجدال العميق الذي دار بين تيارات حماس المختلفة خلال وبعد حرب"الجرف الصامد" العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة تموز/2014،و"العصف الماكول" و"البنيان المرصوص" بلغة المقاومة،كانت تؤشر الى أن التأرجح ما زال قائماً بين التيارين،فتيار قطر - السعودية تركيا وجه الشكر في الدعم للحركة في تلك للحرب لتلك الدول وفضائياتها "الجزيرة " و"العربية"، في حين جرى تجاهل الحلف الإيراني،ايران سوريا – حزب الله الذي دعم "حماس" والمقاومة الفلسطينية عسكرياً ومالياً وسياسياً،ولكن عاد التيار المتشدد في الحركة كتائب القسام وقائده محمد ضيف،لكي يوجه الشكر لطهران علناً،وقام وفد من قيادة حماس اكثر من مرة بزيارة لطهران لتطبيع العلاقات معها،وأستانفت طهران دعمها المالي للحركة،والتي جاءت زيارة قيادتها بدون رئيس مكتبها السياسي في طهران،في ظل ازمة حماس المالية واشتداد الحصار وعدم دوران عجلة الإعمار،وتردي العلاقة مع النظامين المصري والسعودي السابق،وحماس كحركة تتعامل بلغة المصالح لا المبادىء،وتغلب الأيديولوجيا والمذهب على الوطني والقومي،وجدت بأن النظام السعودي الجديد بقيادة الملك سلمان،مواقفه من حركة الإخوان المسلمين و"حماس" مختلفة عن النظام السعودي السابق،ولذلك وجدت بان الفرصة مؤاتية،لكي تدعم علاقاتها مع النظام السعودي الجديد،وهذا النظام مع قطر وتركيا معنيين بعدم عودة حماس للمحور القديم،محور طهران – دمشق الضاحية الجنوبية،فحماس عدا عن الدعم المالي الذي تريده من النظام السعودي،فهي تريد من النظام السعودي الضغط على النظام المصري لتطبيع علاقاته مع حماس،وعدم إعدام الرئيس المصري السابق مرسي،وكذلك تريد من السعودية أن تعمل على عقد اتفاق جديد بينها وبين فتح حول إدارة الإنقسام،وليس إنهائه – مكة 3 -،او ان تكون حماس بديلاً للسلطة الفلسطينية.
ومن راقب تركيبة الوفد الحمساوي للسعودية،يرى بأنها ضمت من هم محسوبين على قطاع غزة موسى أبو مرزق،صاحب الحضور القوي في القطاع،والمالك لعلاقات جيده مع النظام المصري،محمد نزال الغائب عن الصورة والساحة ،الأردن والمقرب من النظام،خالد مشعل رجل قطر الأول في حماس،صالح العاروري القائد التنظيمي للحركة والموجود في تركيا.
التركيبة لم تضم أي من قادة حماس من زاروا طهران او يديرون قناة الإتصال معها،لأن الحركة أرادت أن تظهر للملك سلمان أنه بإمكانها أن يكون لها دور فعال ومحوري في كثير من البلدان التي لها علاقات جيدة معها، مثل قطر وتركيا وأنها تتطلع كذلك لدور السعودية حليف مصر الكبير في اتمام مصالحة الحركة مع النظام المصري كذلك، علاوة لعلاقة الحركة الذي تعلمه السعودية مع الإخوان المسلمين في اليمن،وهي الجماعة التي تريدها المملكة البقاء في صفها ودعمها في مواجهة الحوثيين وقوات علي عبد الله صالح،وكذلك الحركة تريد أن توصل رسالة للسعودية،بأنها لن تعود مجدداً الى محور طهران،وعبرت عن ذلك من خلال دعمها للسعودية في "عاصفة الحزم" على اليمن،والتضيق وحتى حظر نشاطات حركة الصابرين في القطاع المحسوبة على ايران،والأهم من ذلك بأنها لم ترسل أي رسالة تهنئة للقيادة الإيرانية بتوقيع الإتفاق حول برنامجها النووي.
"حماس" حسمت موقفها المتأرجح وجدلها الداخلي بالبقاء النهائي ضمن المحور السعودي – القطري – التركي – الإخواني،والتخلي نهائياً عن محور طهران – دمشق – الضاحية الجنوبية،وزيارة وفدها بقيادة رئيس مكتبها السياسي مشعل للسعودية،من أهدافها الرئيسة هو سحب حركة حماس من العودة مجددا للمحور الإيراني، في مسعى من المملكة لتمتين المحور السني، خاصة وأن اللقاء جاء بعد اتفاق إيراني التاريخي مع القوى الكبرى، وهو الاتفاق الذي سيرفع الحصار عن طهران، وسيعيدها من جديد لتكون قوة إقليمية فاعلة، يسارع الجميع لإقامة علاقات معها.
بقلم/ راسم عبيدات