النوايا الطيبة ومحاربة الفساد والمفسدين

بقلم: رمزي النجار

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الفساد المستشري في مؤسساتنا الرسمية والشعبية والأهلية الفلسطينية سواء على وسائل الاعلام أو الندوات والمؤتمرات، ويبدو أن قول الحقيقة في هذا المجال يزعج الكثيرين الذين يريدون كل شيء وفق أمزجتهم الفردية السلطوية وتحت سيطرتهم على اعتبار أنهم أصحاب النفوذ والسلطة وممنوع المساس بهم لأنهم أهل القدسية، والأدهى من ذلك هناك من يصمت على هذا الفساد ويبرره خدمة لمصالحة الشخصية، كما أن المواطن العادي يقف موقفا سلبيا بعدم الابلاغ عن قضايا الفساد التي يمر بها خلال تعامله مع المؤسسات الرسمية والمحلية والأهلية لغياب حماية حقوقه والثقافة السائدة، وإذا نظرنا إلى واقع مؤسساتنا ترى أن الفساد الإداري منتشر بشكل غير عادي في شقيه الرشوة والمحسوبية والواسطة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ويعتبر مدخلا للفساد المالي، وغالبا ما يكون من خلال استغلال النفوذ لأغراض خاصة سواء في تجارة الوظيفة أو الابتزاز أو المحاباة والتلاعب للوصول إلى مبتغاه وعلى عينك يا تاجر نظرا لعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب وغياب الرقابة الرسمية والشعبية على المستويين الإداري والمالي.

ولا أحد يستطيع أن ينكر غياب الفساد الواسع النطاق وما يسببه من عواقب سيئة ، والاعترافات الصادرة من هنا وهناك خير دليل، وما كشفه رئيس هيئة مكافحة الفساد عن الفساد المستشري في قطاع الهيئات المحلية بإحالة العديد من القضايا للمحكمة المختصة يؤكد صحة الحديث بوجود الفساد في مؤسساتنا الخدماتية بمختلف مسمياتها، وما بالكم بالتقارير التي تتحدث عن الفساد الكبير المنتشر بين أوساط الجمعيات الخيرية والرواتب الخيالية التي يتقاضاها مدراءها وتوظيف أقربائهم وأبنائهم على سلم هياكلها الإدارية، بالإضافة الى التقارير التي تتحدث عن الفساد في المؤسسات الرسمية في ظل الخلل في الإداء الرقابي الداخلي وتزايد شكاوي المواطنين دون النظر بها، وهو ما يؤشر ترابط منظومة الفساد وغياب منظومة النزاهة، وتحالف الجهات المتلاعبة بمصير البلاد والعباد من اجل غايات شخصية وحقيق مكاسب مالية بطريقة غير مشروعة، هذا للأسف جانب بسيط جدا وتصور بسيط ايضا لما يجري في بلادنا، بينما هناك امور اشد وطأة واكثر خطورة بأن هناك قادة سياسيين متورطين بالفساد ولا أحد يستطيع الاقتراب منهم ومحاسبتهم، كما أن هناك أشخاص هاربين من الوطن نهبوا أموال الشعب ويتمتعون بها في الخارج دون ملاحقتهم قانونيا لاسترداد الأموال المنهوبة.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوه بعد كل هذه الأحاديث والمؤتمرات والتصريحات الإعلامية والمطالبات بتفعيل الجانب الرقابي، هل بالفعل حققنا شيئاً او نفذنا القرارات او التوصيات التي تصدر نهاية كل مؤتمر وندوة تجاه الفساد والفاسدين وما اكثرهم في بلادنا؟ هل تم تقديم مسؤول او موظف ما أثبتت التقارير أنه فاسد الى العدالة في اتجاه جاد للقضاء على منابع الفساد والمفسدين، هل سمحنا لوسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية أن تقوم بواجبها بكل حرية دون فرض أي قيود عليها ليتسنى لها فتح ملفات الفساد في كل مؤسسة دون ان نفرض عليها أي رقابة لكي نثبت للرأي العام أن الجهات الرسمية جاده في القضاء على الفساد ومستمرة في متابعه الفساد أينما حل وحيثما وجد حتى ننظف مؤسساتنا الرسمية من واقعها المؤلم الذي تعيشه؟ هل نمتلك خطة وطنية شاملة ومحكمة لمحاربة الفساد بمشاركة شعبية وسياسية؟ هل لدينا الجرأة على الإصلاحات المؤسسية والتشريعية لسد منابع الفساد والوقاية منه وتعزيز الشفافية والمساءلة وتقوية منظومة الرقابة في نظم إدارة الدولة؟

في ختام مقالي لا يسعني الا ان اقول اننا بحاجة لوقفة جادة تقفز فوق المصالح وتغلب حياة المواطنين وامنهم وخدمتهم على كل شيء اخر، وضرورة الانصات قليلا للعقلاء والغيورين على بناء البلاد، فلا تأخذكم العزة بالإثم والغرور بالنفس الى ساحة المجهول، ولن تكفى النوايا الطيبة والتصريحات المتفائلة في مواجهة هذه الآفة اللعينة التي تأكل وتخرب منذ سنوات وحتى يومنا هذا في جسم الوطن ومؤسسات السلطة وتبدد وتشوه سياساتها وبرامجها، فنحن بحاجة ماسة إلى الاصلاح الدستوري والقضائي لملاحقة الفساد ونوقع بالفاسدين ونقدمهم لمحاكمات عادلة نحو سيادة الأمن والعدل، وإلا سيجد الفاسدين مئات الثغرات في القوانين الحالية لينفذوا منها, ويمارسوا فسادهم, ويبقي المواطن هو من يدفع الثمن .

بقلم/ رمزي النجار