واهم وساذج من يعتقد بأن نظام أردوغان،المحتضن ل"داعش" والمسهل لها دخولها وخروجها من والى سوريا،والذي قدم وما زال يقدم لها كل الدعم المادي والعسكري واللوجستي والاستخباري،بين ليلة وضحاها ينقلب ويعلن الحرب عليها، فقرار تركيا بدخول الحرب على "داعش" وشن طائراتها غارات على الشمالين السوري والعراقي تحت ذريعة ويافطة محاربة "داعش"،ومنح تسهيلات واسعة للطائرات الأمريكية في استخدام مطاراتها وقواعدها العسكرية لشن غارات على قواعد "داعش" في سوريا والعراق،يأتي لصرف الأنظار عن حقيقة الأهداف التركية من هذه الغارات،هذه الغارات التي مهدت لها تركيا بالتفجير الانتحاري في بلدة سروج على الحدود التركية- السورية،والذي أدى الى قتل العشرات وجرح اكثر من مئة جلهم من الأكراد والقوى اليسارية التركية،وهذا التفجير ليس بعيداً عن أجهزة استخبارات أردوغان،حيث المستهدف بالأساس من ذلك التفجير هم الأكراد وبالذات حزب العمال الكردستاني،الذي لم يتأخر رده على هذا التفجير،بقتل اثنين من ضابط شرطة أردوغان،وتركيا عندما تضع حزب العمال الكردستاني واليسار التركي المسلح و"داعش" في نفس السلة،فهي تريد ان تخلط الأوراق وتخفي نواياها الحقيقة من عملياتها العسكرية.
فعملية سروج جاءت وما تبعها من غارات تركية،لكي تخلق لتركيا الذريعة والمبرر لكي تصفي حسابها المفتوح مع "المسألة الكردية" وبخلاف ذلك، لا معنى لأي تحليل أو "تقدير موقف". ،ومن اجل خلق واقع صعب التغيير في قطاع جغرافي لفترة من الوقت يرتب فيه لإقامة كيان ما لمعارضة سورية ستخلع عنها ثياب «داعش» و»النصرة» التي ترتديها قبل أن ينسحب الجيش التركي ويسلمها مهمّة الحفاظ على الأمن،وأهم وظيفة ستكون مواجهة الأكراد وتشتيتهم وإشغالهم بحرب بلا نهاية مع كيان رمادي بين سورية وتركيا لا يتبع أي دولة، وستكون مهمّة هذا الكيان محاربة الأكراد تحديداً، وتشكيل مغناطيس لجذب المقاتلين الأكراد إليه.
تركيا كانت تريد من "داعش" ان تتولى مهمة محاربة الأكراد،وان تقضي على آمالهم وطموحاتهم بإقامة كيان تركي،ولكن بعد ان فشلت "داعش" في مثل هذه المهمة،حيث إستطاع الأكراد بدعم دولي من تحقيق انتصارات على "داعش"،وبعد أن بدأت "داعش" بالتمرد والتطاول على مشغليها الأتراك،وجد النظام نفسه مضطراً لكي يقوم بالمهمة بنفسه،ولكن لا ضير من جعل "داعش" العنوان في الحرب على "الإرهاب"،الإرهاب الذي رعاه أردوغان وامده بكل مقومات القوة والدعم،لكي يحقق أحلامه بالتمدد على حساب الجغرافيا والدم العربي،وبالذات السوري،حيث كان يحلم بإقتطاع مدينة حلب،التي سرق مصانعها،وكذلك كان منتفعاً من النفط السوري الذي تسرقه "داعش" وتبيعه له بثمن بخس.
ما يقوله النظام التركي عن منطقة عازلة او آمنه في الشمال السوري،يصعب تصديقه الآن،فإذا كان ذلك غير ممكن في لحظات ضعف النظام السوري،وقبل توقيع الإتفاق النووي الإيراني،فكيف سيتم تحقيق ذلك في وقت تستعيد فيه سوريا سيطرتها على جغرافيتها،حيث طرد وتصفية جبهة "النصرة" من الزبداني،واقتراب تطهير تدمر من عصابات "داعش" وإقتراب معركة تحرير حلب،وانضمام ايران الحليف الإستراتيجي لسوريا الى نادي الدول الكبرى،وصمود الحوثيين في اليمن،وتعميق أزمة النظام السعودي وخساراته المتتالية وغيرها،كلها تجعل تحقيق هذا الحلم غير ممكن،ولكن اذا ما أقدمت أمريكا على توريط نظام أردوغان بإقامة منطقة عازلة او آمنه او خلق كيان في الشمال السوري،من اجل إستنزاف الجيش السوري،فأعتقد بان ذلك سيشكل مقبرة لجيش أردوغان،حيث أعداء الجيش التركي كثر من حزب العمال الكردستاني الى اليسار التركي،فالجيش السوري الذي سيدافع عن سيادته الوطنية،ولن يكون وحيداً في المعركة،بل ستكون الى جانبه القوى الحليفة من طهران وحتى الضاحية الجنوبية في بيروت.
نظام أردوغان المتهور قد يقدم على مغامرة عسكرية كبيرة،فهو دائماً كان من أشد الداعين الى اسقاط النظام السوري،وربما يجد بأن تغيير جلده وثوبه،والظهور بمظهر المحارب للإرهاب والذريعة "داعش" قد توفر له فرصة سحق الأكراد والقضاء على أمالهم بخلق كيان كردي مستقل متواصل جغرافياً مع اكراد تركيا،ويعبد له الطريق نحو دمشق.
عنجهيات وعنتريات النظام التركي باتت مكشوفة،وهو الذي تتعمق ازماته بعد سقوطه المدوي في الإنتخابات التركية الأخيرة،حيث كان يحلم بأن يصبح الزعيم الأوحد،ويفصل الدستور التركي على مقاسات حزبه،حزب العدالة والتنمية،ولكن لم يحصل لا على ثلثين ولا على أغلبية مطلقة،ولم تعد السياسة الخارجية التركية ملك الإخوان المسلمين،حزب العدالة والتنمية التركي،وكلنا يتذكر قول أردوغان بان النظام السوري يلفظ انفاسه الأخيرة،وحرضوا امريكا مع مشيخات النفط والكاز واسرائيل على تدمير وإسقاط النظام السوري بحجة استخدام النظام للسلاح الكيماوي،ولكن تراجع الأمريكان،ومن بعد ذلك كان اردوغان يتحدث عن تدخل بري واسع في سوريا من اجل إسقاط النظام،واليوم يتحدث عن منطقة آمنه او عازلة في الشمال السوري.
واضح بأنه اذا ما أكمل أردوغان مخططاته بخلق منطقة عازلة أو آمنة في الشمال السوري،فهذا الحزب الذي المريض والذي يترنح تحت ازماته،لن يكون حالة بأفضل حال الإمبراطورية العثمانية قبل مئة عام،التي تشظت وتفتت،فما كان ممكناً قبل توقيع الإتفاق النووي الإيراني،لن يكون ممكناً تحقيقه بعد ذلك،وأختم بما قاله الرئيس السوري في كلمته أمام الذي تحدث خلال لقائه رؤساء وأعضاء المنظمات الشعبية والنقابات المهنية وغرف التجارة والزراعة والصناعة والسياحة "نحن في مرحلة مصيرية لا مكان فيها للحلول الوسط والغرب دفع ثمن دعمه الإرهابيين"،والنظام التركي لن ينجو وسيدفع ثمن دعمه للإرهاب.
بقلم/ راسم عبيدات