ما زال موضوع الاتفاق الذي تم توقيعه بعد سنوات من المفاوضات بين ايران والدول الغربية ، يهيمن على المشهد السياسي والاعلامي العربي وخاصة في دول الخليج، حيث يمكن ملاحظة حالة الارباك الشديد التي تعيشها معظم عواصم تلك الدول.
بغض النظر عن موقف اي منا من الجمهورية الاسلامية الايراينة، فان من غير الممكن انكار حقها او غيرها من الدول، ان يكون لديها طموحاتها "المشروعة" في الحصول على ما ترغب من اشكال التكنولوجيا وانظمة التسليح والوصول الى ما يحقق اهدافها ومصالحها، من خلال امتلاك لكل اسباب القوة، بما في ذلك التكنولوجيا النووية، واقامة المصانع والمؤسسات التي تعزز من حالة الاستقلال والسيادة، والابتعاد عن هيمنة الدول الصناعية التي تسيطر على العالم.
في الحقيقة، إن حالة "الولولة" والعويل التي نسمعها من قبل الدول العربية بعامة والخليج بخاصة، لن تغير من الواقع شيئا، فالاتفاق تم توقيعه، وامكانية التراجع عنه اصبحت غير واردة، وخاصة ان الدول الغربية كانت تروم الوصول الى مثل هذا الاتفاق بنفس المنطق الذي كانت ايران تريده، وكل ما نسمعه من تهديدات وما الذي يمكن ان ينتج في حالة عدم التزام ايران بالاتفاق، ليس سوى ضجيج في غير محله، ولن تفعل تلك الدول اكثر مما فعلته في السنوات الماضية، هذا إن حصل.
الضجيج والعويل ذاته نسمعه من قبل دولة الكيان الصهيوني، وهو عويل مخادع، ينم عن عقلية خبيثة بتنا جميعا نعلمها، عقلية الابتزاز الرخيص، والتي سنرى نتائجها في اقرب فرصة، حيث سينتج عنها منح وهبات مالية وعسكرية غير مسبوقة، تجعلها اقوى اضعاف مما هي عليه الآن، ليس فقط من الدول العربية مجتمعة، لا بل ومن عديد الدول الغربية والعالمية.
لكن ماذا عن ضجيج العربان، والى اين يقود؟
واقع الحال يقول ان ليس بامكان هذه الدول ان تفعل شيئا، وكل ما نسمعه من صراخ، لن يفيد قيد انملة في تغيير ما جرى، خاصة في ظل وجود دول وضع قادتها انفسهم في مثل هذه المواقع، وهم من جلبوا على انفسهم كل هذا العار، عندما تآمروا على عراق العرب، فدمروه واعادوه عشرات السنين الى وراء، دون ان يكون لديهم ادنى تصور عن اليوم التالي وما الذي يمكن فعله، بعد اسقاط العراق وجعله لقمة سائغة في يد امريكا.
الاستمرار في التعبير عن عدم الرضى ومعاداة ايران وانها "الشيطان الاكبر"، وان الخطر القادم من الشرق هو أسوأ الاخطار، وادارة الظهر للخطر الصهيوني، لا بل والتعامل مع دولة الاحتلال كحليف محتمل، سيكون بمثابة كارثة اخرى تهب رياحها على الأمة، لا احد يضمن مآلاتها.
دولة الاحتلال التي تغالي في تقدير اخطار ايران، لن تقوم بحرب بالنيابة عن العربان، وهي ومن خلال سياساتها المعلنة، انما تريد ان تجعل من الكيان كيانا طبيعيا، وان يصبح جزءا من المنظومة العربية، وان يتم القبول به على انه واقع لا بد من التعامل معه، وانهاء النظر اليه كعدو غاشم.
العويل العربي المستمر من قوة ايران يعني ان عليهم بناء قوتهم الذاتية، وهذا يستغرق وقتا طويلا، تكون ايران خلالها قطعت مسافاات في مشورا قوتها، وهو اكثر كلفة مما نعتقد، وسيبقي تلك الدول بحاجة الى الغرب من اجل تزويدهم حتى بالطلقة او الصاروخ، وقطع الغيار وما الى ذلك.
من هنا، فاننا نعتقد بان من الافضل لدول العربان، ان تبحث عن امكانية للتفاهم مع ايران، من اجل ابقاء هذا الخطر المفترض، بعيدا عن التحول الى خطر حقيقي، ويتم تجنيب الامة صداما نعتقد بانه سيكون في غير صالح الامة وخاصة في الخليج، الذي اثبتت التجارب ان دوله ضعيفة وهشة وغير قادرة ولا مستعدة ولن تفلح في مواجهة اي عدوان.
على الامة التوقف عن العويل، واللجوء الى البحث عن مصادر القوة، وعدم الركون الى الغرب في كل اشيائها، وان تدرك ان قوتها تكمن في ان تصنع ما تحتاج، وان توفر الارضية لكل ما قد يعزز من سطوتها وقدرتها على المواجهة، لا ان تبذر اموالها على ما لا يمكن ان يضمن لها ولو جزء بسيط من كرامتها وقوتها واستقلالها.
حالة الذعر المخجلة التي تعيشها بعض دول الخليج، يجب ان تتوقف وهذا لن يحصل طالما لا تزال تلك الدول عاجزة عن امتلاك قوتها الذاتية التي تصنع بيد ابنائها وبسواعد رجالها.
بقلم/ رشيد شاهين