جريمة حرق الرضيع علي الدوابشة،لن تكون الأخيرة في مسلسل الجرائم التي ترتكبها سوائب المستوطنين بحق شعبنا الأعزل،وهم عندما يرتكبون جرائمهم واثقين بأن لا عقوبات رادعة ستتخذ بحقهم،بل هناك من يدعمهم ويساندهم ويوفر لهم التغطية والحماية في قمة الهرم السياسي والأمني "الإسرائيلي"،وزير الدفاع الإسرائيلي"موشيه يعلون" من الان قبل اعتقالهم حد سقف العقوبة لمن ارتكبوا هذه الجريمة البشعة،أقصاها الإعتقال الإداري،في حين رأينا كيف كانت العقوبات الجماعية بحق الشهداء من أبناء شعبنا الفلسطيني،عقوبات جماعية،هدم منازل واغلاق لها،طرد وترحيل قسري عن القدس لزوجات الشهداء وأطفالهم.
جماعات "تدفيع الثمن" الإرهابية الصهيونية إرتكبت عشرات،إن لم يكن مئات الجرائم بحق الفلسطينيين وممتلكاتهم وبيوت عبادتهم من مساجد وكنائس،وحتى المقابر لم تسلم من جرائمهم،وفي أغلب الحالات لم يجر إعتقال من قاموا بتلك الجرائم،ومن إعتقل منهم،وفق سياسة الباب الدوار،ما ان يعتقل ويهدا الرأي العام حتى يجري إطلاق سراحه.
وردات فعل شعبنا من سلطة وأحزاب ومؤسسات مجتمع مدني،رغم النبرة العالية وتهديدات كل قادة الفصائل والأجنحة العسكرية لها بأن الرد على تلك الجرائم،سيكون قوياً وبحجم تلك الجرائم،وسيلقن المحتل والمستوطنين درساً قاسياً،وسيجعلهم يفكرون ألف مرة قبل الإقدام على إرتكاب جريمة جديدة مرة أخرى بحق أبناء شعبنا، نكتشف مدى تواضع تلك الردود وضعفها،لكون تلك الردود القائمة على الإنفعال والعواطف الجياشة و"فورة" الدم،سرعان ما يتلاشى أثرها،لكي تكون في الغالب أو المجمل دون سقف التوقعات،مما يخلق المزيد من حالة الإحباط واليأس وفقدان الثقة بين جماهير شعبنا من تلك الأحزاب والفصائل.
دائماً رهان الإحتلال ومستوطنيه في كل معاركهم معنا،وما يرتكبونه من جرائم بحق شعبنا، على ذاكرتنا القصيرة،وعلى عقدة "الإرتعاش" السياسي المستديمة التي تعاني منها قيادتنا،أي عدم الثبات على الموقف والرأي والقرار،بل التراجع عن القرار والموقف في زمن قياسي.
صحيح تكون هناك هبات شعبية وجماهيرية ضد الفعل او الجريمة المرتكبة تطول وتقصر ليس إستناداً لخطة أو برنامج أو استراتيجية منفردة او موحدة،بل تلك الهبات تعلو وتخبو استنادا الى اجراءات الإحتلال القمعية والإذلالية وجرائمة،كما حصل في القدس بعد جريمة خطف وتعذيب وحرق الشهيد الفتى أبو خضر حياً في تموز/2014،حيث تواصلت وما زالت الهبات الجماهيرية الشعبية في القدس متواصلة منذ ذلك التاريخ،ودفع خلالها المقدسيون أكثر من عشرة شهداء وحوالي ألفي معتقل،ورغم ان تلك الهبات الشعبية تمكنت من إخراج العدو عن طوره،وخلقت معادلات جديدة في العلاقة المحتل،وكسرت حاجز الخوف عند الجماهير المقدسية التي كانت عاقدة العزم على أن تفشل مخططات الإحتلال في فرض وقائع جديدة في قضية المسجد الأقصى (التقسيم الزماني والمكاني) وكذلك أثبتت بأن المقدسيين لن يتنازلوا عن حقوقهم وكرامتهم،ولن يسلموا بمشاريع التطهير العرقي التي تنفذ بحقهم،ولكن غابت وتغيب عن تلك الهبات الشعبية القيادة والتنظيم والمشاركة الشعبية الواسعة والهدف،وفشلت كل الجهود والمحاولات لنقل تلك الهبات الشعبية الى طور اعلى انتفاضة شعبية شاملة،ليس فقط بسبب فقدان الإرادة السياسية عند السلطة الفلسطينية،ولكن الحالة الفلسطينية فيها الكثير الكثير من الضعف والشرذمة،وهناك الكثير من الكوابح والمعيقات المرتبطة بالعوامل الذاتية،اكثر من الموضوعية والتي هي ناضجة تماماً،حيث القمع الإحتلالي بلغ ذروته،ولعل جريمة حرق الرضيع دوابشة،وسن القوانين والتشريعات العنصرية،من تشديد العقوبات على راشقي الحجارة لكي تصل الى عشرين عاماً،وسن قوانين "التغذية القسرية" بحق الأسرى المضربين عن الطعام،ومنعهم من الإتصال الهاتفي مع ذويهم،وأيضاً منعهم من إستكمال تعليمهم في المؤسسات التعليمية،و"تغول"و"توحش" الإستيطان،وغيرها هي عوامل كافية لإشعال إنتفاضة شعبية عارمة،ليس في القدس والضفة الغربية،بل في كل فلسطين التاريخية.
لا نريد الحديث مطولاً في التشخيص للحالة الفلسطينية،ما نريده هو القول،بأن الساحة والحالة الفلسطينية من بعد جريمة حرق الرضيع الدوابشة حياً،هل هي مهيأة للإنتفاضة شعبية عارمة،وإحداث حالة قطع مع نهج وخيار المفاوضات،والعمل على إعادة صياغة علاقة السلطة مع دولة الإحتلال،وتغير دور ووظيفة ومهمة السلطة الفلسطينية؟؟؟،وكذلك هل تكون جريمة الطفل الدوابشة،نقطة تحول في سلوك ونهج ومواقف ورؤية طرفي الإنقسام ( فتح وحماس)،بحيث يكون الدم الفلسطيني وجرائم الإحتلال كافية لهما،لكي يخرجا من شرنقة الإنقسام المستديمة..؟؟،أم سيستمران في حالة التحريض والتحريض الداخلي والمناكفات وتحميل المسؤوليات،وتمسك كل منهما برؤيته وبرنامجه وخياراته..؟؟.
التوجه الى المؤسسات الدولية والى محكمة الجنايات الدولية والإشتباك السياسي والدبلوماسي مع المحتل على الساحة الدولية هام وضروري، في تعميق عزلة الإحتلال وفضحه وتعريته ومحاصرته دولياً،والتمهيد لجلب قادته وجنوده ومستوطنيه الى المحاكم الدولية لمحاكمتهم ومعاقبتهم على جرائمهم من خلال إعداد ملف كامل بتلك الجرائم جيد وصائب،ولكن هذا كله ليس بالعامل الحاسم في كسب معركتنا مع الإحتلال،المعركة تحسم في الميدان وفوق أرضنا المحتلة،وهذا الحسم اولاً وقبل شيء بحاجة الى إرادة سياسية،والى إعادة الثقة ما بين الجماهير والسلطة والفصائل،التي تشعر بأن ما يجري ليس أكثر من استثمار لنضالاتها وتضحياتها،خدمة لأهداف وأجندات سياسية لا تعبر عن أهدافها وهمومها وطموحها وتطلعاتها،وهذا اول ما يتطلب موائمة القيادة الفلسطينية لأقوالها مع أفعالها،وخصوصاً بأن الشواهد والحقائق غير مشجعة،وخصوصاً والجماهير ترى بأن القيادة الفلسطينية تفقد هيبتها وحضورها وتأثيرها على الشارع والجماهير،من حيث عدم إلتزامها بقرارات مؤسساتها من لجنة تنفيذية ومجلس مركزي وغيرها،بحيث أضحت تلك المؤسسات مجرد يافطات وديكورات مجوفة،فقط وظيفتها التصديق على قرارات يجري إتخاذها بمعزل عنها.
الجماهير الفلسطينية ضاقت ذرعاً بالسلطة والأحزاب والفصائل،والتي بعد كل جريمة وجريمة تتحدث عن قرارات ذات طابع استراتيجي،لنجد بأن الأمور من بعد إنتهاء " فورة" الدم والردود العاطفية والإنفعالية،نعود لنتحدث عن نفس الخيارات والمواقف والحلول، الرهان على المبادرات الدبلوماسية والسياسية المستقطعة للوقت تارة فرنسية واخرى قبرصية وغيرها،وكاننا ادمنا "تجريب المجرب" ،كما ادمنا المفاوضات.
فهل بعد جريمة حرق الرضيع دوابشة سنكون أمام قرارات ذات طابع استراتيجي؟؟؟،ام سنستمر على نفس المنوال والرتابة و"إجترار" نفس الإسطوانة المشروخة المفاوضات ولا بديل عن المفاوضات..!!.
بقلم/ راسم عبيدات