لم يرحم اشتداد موجة الحر وارتفاع درجات الحرارة لحدود 44 درجة في قطاع غزة لأول مرة منذ عشرات السنوات؛ محطة الكهرباء الوحيدة العاملة في القطاع من الاستمرار في تقديم خدماتها بما يتلاءم مع ذلك التغير المناخي الأول من نوعه, ووصل الكهرباء لآلاف من الأسر الفلسطينية الغزية لساعات أطول , واستمرت في مأسسة قضية الكهرباء وعدم وجود رؤى لغاية الآن من وضع حلول جذرية رغم أن الحل بسيط ويحتاج قرار سياسي من طرفين متخاصمين ومستفيدين من الانقسام السياسي ؛ قراراً يضع وقف معاناة الغزيين ضمن الأولويات كضرورة وطنية وإنسانية قبل أن تكون أخلاقية تتلاءم مع أدنى احتياجات الإنسان البسيط , حيث أن ساعات الوصل للكهرباء في قطاع غزة يومياً لا تزيد عن 12ساعة في أفضل أحوالها, لقد رافق ذلك تفاقم الصعوبات التي يعاني منها الغزيين حيث لا زالوا ضحية لتلك الأزمة المتفاقمة منذ 9 سنوات, وإلى حد كبير أقرب ما يكونوا قربان يُقدم مجانا لأصحاب المصالح الضيقة الرثة, وبين تلك المصالح الضيقة لأباطرة الانقسام هناك 1.8 مليون فلسطيني يعاني من شتى الأزمات الإنسانية وأهما الكهرباء, و نسبة محدودة جداً من القطط السمان والتي تزيد غنى وثراء ونفوذا كلما تأزمت الأوضاع أكثر وكأن مصائب قوم عند قوم آخر فوائد؛ وفي ظل موجة الحر الشديدة التي تعاني منها الأراضي الفلسطينية وتحديداً قطاع غزة فإن لسان حال الأسر الفلسطينية الغزية ( ضحايا الانقسام, ووقود الصراع على الثروة والسلطة, رهائن فصيلين كبيرين بالحجم والتأثير وكذلك كبيرين في كونهما عبئا على الجميع وعلى ما تبقى من فتات الدولة الفلسطينية المنشودة والمأمولة (, خذوا كل المناصب والمكاسب والكراسي والوطن والحكومة , لكن هاتوا لنا الكهرباء تلك العبارة انتشرت كانتشار النار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك, وهناك من قارن بين القول الخالد للأمام على بن أبي طالب وبين مقولة أهالي غزة المنددين بتفاقم أزمة الكهرباء" الفقر في الوطن غربة, والغنى في الغربة وطن" إلى قول 1.8 مليون فلسطيني يعيش في غزة " وصل الكهرباء في الغربة وطن, وقطع الكهرباء في الوطن غربة", تفاقم تلك الأزمة جعل جُل تفكير الفلسطينيين في غزة بمدى توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة, حيث أن أزمة الكهرباء تعتبر أحد أبرز الأسباب وأهمها في تراجع حجم الإنتاج المحلي وهذا ما تؤكده المؤشرات الرئيسية الكلية التي تعتبر الأسوأ منذ عقود كحدوث تباطؤ في الإنتاج بحدود 15% في العام 2014م وتراجع أداء القطاع الزراعي والصناعي والتجاري التي تعتمد نسبة كبيرة من أنشطتها على الكهرباء , إضافة إلى ارتفاع الفقر النسبي لحدود 60% , وارتفاع نسب الطلاق والعنوسة, والتوتر والاضطراب النفسي وزيادة عدد المراجعين لعيادات الدعم النفسي إضافة إلى أن نسبة كبيرة من التمويل الدولي في غزة يذهب لمشاريع وبرامج الدعم النفسي وحماية الطفولة التي باتت بلا طفولة, أي طفولة والكهرباء غير موجودة يستيقظ وينام الطفل دون كهرباء وما يرافق ذلك من صراخ دائم وتوتر وقلق في ليالي الأطفال التي أضحت مجالا للكوابيس والخوف, كل ذلك يعني أن الانهيار الوشيك للمجتمع الغزي بات قاب قوسين أو أدنى, هذا الانهيار يمكن ملاحظته لمن يمر بشوارع غزة مساءاً عندما تكون الكهرباء غير موجودة, وفجأة وعند مجيء التيار الكهرباء ( وهي نعمة كانت متاحة لجميع أسر قطاع غزة واليوم باتت حلم لكل غزاوي وأسمى أمانيه 24 ساعة وصل كهرباء يومياً), تجد مدى الفرحة والسرور على وجوه الجميع, حيث يبدأ الشباب بمغادرة مفترقات الطرق والشوارع والكفتريات ليستفيدوا من ساعات الوصل المحدودة والتي تذهب كبرق البصر 6ساعات يذهب الطالب فيهم للمذاكرة أو لشحن اللاب توب والموبايل والاستمتاع بساعات جميلة مع مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب , وربة البيت تذهب لتجهيز الغسيل والطبخ وغيرها من الأنشطة المنزلية اليومية التي باتت تعتمد على جدول وصل الكهرباء, كل ذلك يضع تساؤلا رئيسيا يعبر عن مأساوية القضية, وهي أنه من يستطيع أن يفسر أسباب ارتفاع أسعار أسهم شركة الكهرباء في قطاع غزة رغم ما تعانيه من أزمات مستمرة منذ 9 سنوات , ولماذا يُكبر الغزاويون ويبتسمون عندما يتم وصل الكهرباء , ولماذا بات الفلسطيني يتمنى تحسن جدول وصل الكهرباء ل 8 ساعات وصل بدلاً من 6 ساعات, وماذا يعني أن يكون أسمى أسامينا في غزة هي 12 ساعات وصل كهرباء مقابل 6 ساعات قطع أي خلافاً للجدول الحالي .
وفي الختام فإن تفاقم أزمة الكهرباء والمرتبط حلها بقرار سياسي واتفاق بين حركتي فتح وحماس والشركة, يعني أن هناك 1.8 مليون فلسطيني في غزة لا زالوا ضحية ورهينة للخلافات الحادة بين فصيلين كبيرين لم يفكروا ولو لثانية واحدة منذ 9 سنوات لعلاج تلك المشاكل , وإنه وبعد 9سنوات فإن الحلول تكمن في تشكيل جماعات للضغط على حركتي فتح وحماس لإجبارها على التنازل , تلك الجماعات أو الحشود الشعبية مهمتها إدارة الصراع وتفعيل الثورة البيضاء ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية ووضع رؤى للاقتصاد تنبع من مبادئ العدالة الاجتماعية والرشد الاقتصادي, ولا يتحقق ذلك إلا بإجراء حراك جماهيري يحمل عناوين البطالة والفقر والفساد وغياب الرؤى والأفق السياسي للأحزاب الفلسطينية, ويرافق ذلك العمل على حل الحكومة الفلسطينية والمجلس التشريعي وتشكيل مجلس وطني للإنقاذ, وإعلان الحداد العام على وطن قد خانه ويحاول أخانته البعض , وعلى شعب غزة الذي أذلته الحاجة والحرمان وتدني مستوى معيشته وأرهقه وأنزفه الفقر , فيا سادة فتح وحماس, ارحموا عزيز قوم عاش بغزة !
بقلم/ حسن عطا الرضيع
باحث اقتصادي_غزة