الاحتلال أساس الإرهاب والبقية تفاصيل

بقلم: علي الصالح

آما آن لنا أن نتخلص من العقلية القبلية والعشائرية.. عقلية الثأر والانتقام؟ متى سنتعلم أن الحروب ليست ردات أفعال وأعمالا ثأرية على اغتيال فلان أو علان؟ متى سندرك أن الحروب استراتيجيات ومخططات وخطط عسكرية تسبقها أهداف سياسية تستخدم آلات الحرب وأدواتها لتحقيق هذه الأهداف؟
آما آن لنا أن نستوعب أننا في حالة حرب مع عدو احتلالي استيطاني لا يرحم.. لا لشيء، بل لأنه على قناعة مطلقة بأننا وهم خطان متوازيان لا يلتقـــيان، وأن وجودنا هو عكس وجودهم.. طال الزمان أم قصر… وما الحديث عن تخلي الصهيونية عن أهدافها إلا نوع من أنواع التخدير.
في كل مرة ترتكب فيها حكومة الاحتلال، أو أدواتها مجزرة أو جريمة، وهي نهج لم تتوقف عنه على الأقل في غضون الاثني عشر شهرا الماضية يوما واحدا، تخرج علينا الأصوات وتتعالى الصرخات والتهديدات الداعية والمطالبة بالانتقام والثأر لدماء هذا الشهيد أو ذاك، وكأننا في كل مرة نفاجأ بما أقدم عليه العدو أو نتوقع منه غير ذلك، او ربما نشعر بالخجل لاننا لم نسدد الديون السابقة من التهديدات… وكأن القضية بمجملها تختصر في دم شهيد وهم بعشرات الآلاف.
تكررت هذه الأصوات مجددا بعد استشهاد الطفل الرضيع علي دوابشة، رغم بشاعة الجريمة وفظاعتها وقساوتها التي تعجز الكلمات عن وصفها… لكن الرضيع دوابشة لن يكون الأخير في مسلسل القتل الاحتلالي، فقد عقبه استشهاد شابين، أحدهما في الضفة الغربية والثاني في غزة، وهو بالتأكيد ليس الأول فقد سبقته الطفلة الرضيعة إيمان من الخليل وغيرها الكثير.
علمتنا التجارب أن التهديد والوعيد والعويل ينتهي إلى لا شيء.. وينطبق علينا المثل القائل "اسمع جعجعة ولا أرى طحنا".. ومن يريد أن يفعل لا يهدد، بل يخطط وينفذ بصمت… وحتى لو عملنا فان عملنا يكون مجرد ردة فعل وعملية ثأرية.. عمل غير متناغم مع الأهداف العامة ولا يأتي في إطار نهج شامل وواضح.. والحقيقة المرة أنه ليس لدينا نهج عمل من أصله، ولهذا آلت الأمور إلى ما آلت اليه.. وبالنظر إلى ما وصلنا اليه أقول وبكل أمانة، اننا منساقون عسكريا وأمنيا وسياسيا وتفاوضيا واقتصاديا، وحتى عندما نقرر عملا فإن عملنا يأتي لفائدة ذاك الفصيل الذي يقوم به ولا يصب في المصلحة العامة التي تأتي بالفائدة للعموم.. وربما يأتي مضرا لها.
ليس العيب أن نتعلم من عدونا ونعمل بأساليبه، ولكن العيب أن نظل جاهلين بأمره. وقبل أي شيء وكل شيء علينا أن نعترف امام أنفسنا أولا وأخيرا، بأن المؤسسة الاسرائيلية تعمل وتتحرك بكل تناغم وتكامل بين مكوناتها الأساسية. وأشدد في هذا المقال على مكونين رئيسيين، وهما المكون السياسي والمكون الامني، الذي يجمع بين ثناياه.. جيش الاحتلال واجهزة المخابرات، لا سيما الداخلية، أو ما يعرف بـ"الشاباك"، وطبعا، المستوطنين الذين لا يقدمون على اي خطوة الا بعلم وتمويل وتنسيق جهازي الجيش والمخابرات، اللذين يقدمان الحماية لهم، الا في ما ندر.
ولا أدل على ذلك مما جاء في تقرير بثته القناة التلفزيونية العاشرة، بعد استشهاد الرضيع دوابشة حرقا وإصابة والديه وشقيقه بحروق بالغة. ويتحدث التقرير وهو ليس الاول من نوعه، بالتفصيل عن حجم الأموال، الذي بلغ في عام2013 (243 مليون شيكل).
فعمل كل مكون يصب في خدمة الهدف الصهيوني الاكبر والاوحد، وإن اختلفت الاّراء والمصالح الفئوية. الجزء الأول من هذا الهدف هو وضع اليد على فلسطين كل فلسطين من النهر إلى البحر. وتحقق في نكبة 1948 والتهموا البقية في ما يسمى بحرب يونيو 1967. والجزء الثاني من هذا الهدف هو تثبيت الأقدام في الجزء الثاني وبدأوا بالقواعد العسكرية التي تحولت لاحقا إلى مستوطنات. وانتزعوا لهذه المستوطنات، وعلى وجه الخصوص الكتل الاستيطانية الكبرى في منطق نابلس جنوب بيت لحم والقدس والخليل، شرعية دولية وأصبح الحديث عنها جزءا من الحديث عما يسمى بالتسميات السياسية، اي تحصيل حاصل… وحتى القدس الشرقية وهي جزء من الاراضي المحتلة عام 1967 نجح العدو في إقناع العالم بسيادته على اجزاء كبيرة منها.. واذا طال جهلنا وفشلنا فإنها ستصبح جزءا من اسرائيل بقبول من العالم اجمع.
هذ هو عدونا الذي يخطط لعشرات السنين المقبلة، أما نحن والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، فنخطط للأمس، وكل واحد منا يغني على ليلاه، ولا يعنيه الطرف الاخر ولا يرغب في التنسيق معه خدمة للمصلحة العامة او القضية، أو كما يحلو للبعض تسميته بالمشروع الوطني، لان في الامر منافسة. فحتى في اللحظات الحرجة التي تتطلب موقفا جماعيا تفرضه الظروف والاحداث. فكل طرف يزاود من اجل المكسب الفئوي، فحتى استشهاد الطفل الرضيع دوابشة حاول البعض استغلاله لفائدته الضيقة لا لفائدة ومصلحة الوطن و"المشروع الوطني"، وشهد مزايدات لا تليق بالحدث الجلل. فردود الأفعال بأغلبيتها كانت تدور حول الأخذ بالثأر والمطالبة بحماية شعبنا، وهو على ارضه من قطعان المستوطنين والمتطرفين اليهود، ناسين او متناسين أن حكومات الاحتلال المتعاقبة هي التي تمارس ارهاب الدولة.. ناسين او متناسين أن جيش الاحتلال هو المسؤول الاول والأخير عن هذه الجريمة وكل الجرائم السابق منها والحالي والمقبل. في المقابل هكذا تعامل الطرف الآخر مع جريمة دوابشة:
رئيس اسرائيل رؤوفين ريفلين يتصل بابو مازن معزيا ومدينا العملية الإرهابية. ويتبعه بنيامين نتيناهو رئيس حكومة الاحتلال بالاتصال به للمواساة والتعزية، وكأن جريمة الرضيع دوابشة هي اولى الاحزان وآخرها.. نتنياهو يدين الاٍرهاب تصوروا انه يدين الارهاب الذي تموله حكومته ويحرض عليه شخصيا هو ومعظم، إن لم يكن جميع أعضاء حكومته.. أليست إيليت شاكيد وزيرة القضاء هي من طالبت بقتل كل الاطفال الفلسطينيين، خاصة الأجنة الذين شبهتهم بالأفاعي؟ ومن يقود اقتحامات المسجد الأقصى أليس وزراء ورؤساء اجهزة أمنية؟
تستغل حكومة الاحتلال جريمة دوابشة لتحقيق أكثر من هدف.. الأول: الظهور امام العالم بمظهر المعادي لارهاب المستوطنين، او اليهود المتطرفين، وتبدو أنها تعمل على مواجهته، من خلال اعتقال عدد منهم، رغم انها تعتقلهم من الباب الأمامي لتفرج عنهم من الباب الخلفي. والعالم يتقبل لأن الذاكرة قصيرة ويأخذ بالمثل "عفى الله عما مضى.. ونحن اولاد اليوم".
ثانيا الحديث عن الإرهابيين اليهود في إطار الحديث عن "الإرهابيين الفلسطينيين" وهم بذلك يساوون امام العالم بين نضال الضحية الذي تشرعه القوانين الدولية المغيبة في الوقت الحاضر، بإرهاب الاحتلال وأدواته. وعبر عن ذلك عمير بيريتس النائب عن "المعسكر الصهيوني" بدعوته إلى هدم منازل الإرهابيين اليهود أسوة بـ "الارهابيين العرب".
ثالثا إعطاء مصداقية لقانون الاعتقال الاداري الذي تستغله سلطات الاحتلال لزج الاف الفلسطينيين في السجون، من دون تهم او محاكمة. وذلك بتطبيقه على عدد من المشاركين في جريمة دوابشة.
واخيرا فإن الحديث عن تقديم ملف استشهاد الرضيع دوابشة إلى المحكمة الدولية.. كلام لا يقدم ولا يجيب . القضية ليـــس فعل ورد فعل ويجب الا تحيدنا هذه القضية، رغم بشاعتها وصعوبتها عن الطريق الأساس .. والأساس هنا هو الاحتلال.. لا تدعوهم يشغلونكم في معارك جانبية.
وأخيرا يجب أن نضع نصب اعيننا أن الاحتلال ثم الاحتلال هو أساس الإرهــــاب وهـــو أم كل الخطايا وهو أصل كل بلاوي ومصائب الفلسطينيين.. والمستوطنون المتطرفون، والإرهابيون اليهود ليسوا سوى التفاصيل والأدوات لهذا الاحتلال..

٭ كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"

علي الصالح