تلقت حركة "حماس" دعوة رسمية لزيارة موسكو وذلك خلال لقاء بين رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 3 آب (أغسطس) 2015 الجاري. الدعوة الروسية ليست الأولى لقيادة "حماس" لزيارة موسكو بل هي الرابعة منذ عام 2005. لكنها لها الآن أهمية استثنائية لعدة أسباب، أولها ما يجري من اتصالات علنية وغير علنية بين "حماس" وأطراف أوروبية رسمية. وثانيها الاتصالات غير المباشرة برعاية أطراف دولية بين "حماس" وإسرائيل لها علاقة بما يُشاع في شأن الهدنة أو التهدئة على جبهة قطاع غزة. وثالثها وجود حركة ديبلوماسية روسية نشطة لها علاقة بملفات عدة في المنطقة وعلى رأسها الملف السوري.
لقد سبقت موسكو كل الأطراف الأوروبية إلى فتح علاقات مع "حماس" قبل الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006. بينما لم يكن الموقف الأوروبي موحداً إزاء العلاقة مع الحركة، ولم يكن في أي وقت متوافقاً على كيفية إدارة الاتصالات معها، وبقيت هذه المسألة مثار جدل بين الأوروبيين، مما دفع بعضهم إلى فتح قنوات اتصالات خلفية مع "حماس"، حيث تُشير مصادر كثيرة إلى لقاءات جرت في أكثر من عاصمة بين شخصيات قيادية من "حماس" وشخصيات رسمية أوروبية وعلى مستويات مختلفة، وكانت تلك اللقاءات بمبادرات من الأطراف الأوروبية.
بدأ الانفتاح الأوروبي على "حماس" من خلف الكواليس بعد انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني أوائل هذا العام، وزاد منسوب اللقاءات العلنية والسرية التي يقوم بها القناصل والمسؤولون الغربيون القادمون من القدس وتل أبيب إلى مؤسسات مقربة من "حماس"، واللقاء بعدد من القيادات "الحمساوية" في الدوحة وبيروت (وفي دمشق قبل مغادرة قيادة "حماس" العاصمة السورية) وفي غيرها من العواصم، ليكسر قرار دول الاتحاد الأوروبي (القديم) بمقاطعة "حماس"، الذي اتخذ منتصف آب 2003 حين أُدرِجَ المكتب السياسي للحركة على لائحة "الإرهاب".
لقد صدر تقرير قبل عدة أعوام عن لجنة برلمانية بريطانية تضم ممثلين عن كل الأحزاب يدعو إلى إنهاء مقاطعة "حماس" باعتبار المقاطعة سياسة أثبتت فشلها، وتبع ذلك التقرير اللقاء المطول بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأول آنذاك مع خالد مشعل. وصدر بعد ذلك تقرير أخير عن "مجموعة الأزمات الدولية" يعترف بأن سياسة إسرائيل القائمة على عزل "حماس" وفرض العقوبات على غزة أعطت عكس نتائجها المرجوة". وتلت ذلك التقرير مبادرة لـ "مجلس الشيوخ" وهو هيئة دولية تضم زعماء وديبلوماسيين قدامى من مختلف أنحاء العالم، وتوجه المجلس باقتراح إلى إسرائيل قدمه أربعة من كبار أعضائه هم: الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان، الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، الأسقف ديزموند توتو، ورئيسة إيرلندا السابقة ماري روبنسون، يحض على حوار مباشر مع "حماس" والاعتراف بدورها والكف عن منطق العزل. ثم جاءت لقاءات كارتر مع خالد مشعل أكثر من مرة، وبرفقته بعض السياسيين الأوروبيين.
وأظهر استطلاع نشرت نتائجه مؤخراً، أجرته مؤسسة "أي أس أم" للاستطلاعات تزايد الوعي الأوروبي بمجريات الأحداث في المنطقة العربية وبخاصة في فلسطين مقارنة مع استطلاع أجرته جامعة غلاسكو الاسكتلندية عام 2004، كما أظهر أن هناك تحولاً نسبياً في مواقف الأوروبيين تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، حيث دعت نسبة 45 في المئة ممن تم استطلاعهم إلى إشراك حركة "حماس" في المفاوضات. وتتفق نتائج هذا الاستطلاع مع استطلاع بين اليهود البريطانيين أجراه المعهد اليهودي للسياسات وجد أن 52 في المئة من المشاركين يؤيدون المفاوضات مع "حماس" من أجل تحقيق التسوية.
خلاصة القول، إن لقاء وزير الخارجية الروسي لافروف مع خالد مشعل ودعوته لزيارة موسكو تأتي في سياق الانفتاح على "حماس"، اذ تدفع موسكو باتجاه الحصول على أجوبة من الحركة تتعلق برؤيتها لحل الصراع: دولة واحدة أم دولتان؟ دولة ديموقراطية أم إسلامية؟
علي بدوان
* كاتب فلسطيني