فضائح الفساد تأتي تباعاً وتوثيقاً لما يقوم به رجالات الرئيس عباس في السلطة الوطنية الفلسطينية، فمن فضيحة المنحة الفنزويلية مروراً بفضائح مدير عام المعابر والحدود ووزارة الشؤون المدنية ومراسلات التسول الموجهة لبنوك التنمية لبناء منزل عائلة دوابشة التي قام بها أحد مستشاري عباس، إنتهاءاً بفضحية نجل الرئيس عباس ومستشاره للشؤون الدبلوماسية ورسائلهم الموجهة لوزير خارجية البحرين طلباً للمال بحجة دعم مشروع لمواجهة الإستيطان يستفيد منه موظفين من محدودي الدخل، في حين أن المال مخصص لبناء حي دبلوماسي راقي يسكن فيه قرابة 15 وزير من السلطة الوطنية الفلسطينية، إضافة لسفراء ورجال أعمال يبلغ عددهم حوالي 250 شخص بمن فيهم نجل الرئيس عباس الذي حصل على حوالة مالية قيمتها 50 ألف دولار من قيمة فيلا مقامة له في هذا الحي.
الإتّجار بمعاناة الشعب الفلسطيني، والتسول بإسم الشهداء والجرحى والفقراء والمدمرة بيوتهم ليست مسألة جديدة يقوم بها أزلام الرئيس عباس، ولكن الأمر المختلف هذه المرة أن وقاحة الفاسدين أصبحت علنية دون خوف من المحاسبة والملاحقة القانونية، والجميع شاهد تصريحات مدير المعابر الذي قال أن المطالبة بهذه الأموال لتغطية نفقات أسرته هو أمر مكفول في النظام المالي للسلطة، ليذكرنا بما قام به وزير العدل في السلطة الذي عيّن إبنه مديراً لمكتبه في أول أيام توليه الوزارة بحجة أن إبنه يجيد "إستخدام الكمبيوتر" !
شر البلية ما يضحك، مثل ينطبق تماماً على ما وصلت إلية حال السلطة الفلسطينية، ومستوى الإستهتار بوعي الناس عندما يقوم المسؤولين بمحاولات شرعنه نهب المال العام وإعطاءه صفة القانون، مستفيدون من حالة الفوضى وغياب الرقابة عن السلطة التنفيذية، بل عن كل شيء في مفاصل السلطة التي باتت تنخر فساداً على حساب الغالبية العظمى من أبناء الشعب الفلسطيني، فكيف يجرؤ مستشار عباس على طلب منحة مالية لحي دبلوماسي يسكنه الأثرياء وكبار موظفي السلطة تحت عنوان مواجهة الإستيطان، ويتجاهل كارثة في قطاع غزة حلّت بعد حرب وأبقت على آلاف الأسر الفلسطينية مشردة بلا مأوى سوى ملاجئ خصصتها وكالة الغوث، وفي ظل مجتمع يعيش مع سكانه تحت خطر الفقر والبطالة التي قالت تقارير دولية أنها الأعلى في العالم؟
قلنا مراراً أن النظام السياسي الفلسطيني هو نظام زبائني قائم على الرشوة والإبتزاز المالي، وقد إستولت على مفاصله مجموعة من التجار واللصوص يرتدون لباساً وطنياً يحظون على مباركة وحماية من الرئيس عباس وعائلته، ليتمكنوا من الإستمرار في عمليات نهب المال العام، والتعدي على حقوق المواطنين، وتعزيز الإحباط في صفوف الشعب الفلسطيني لثنيه عن الهدف الرئيس المتمثل في مواجهة الإحتلال ومستوطنيه، وإغراق الفلسطينيين بجملة من الأزمات تمكن هذه العصابة من تنمية إستثمارتها التي تتشارك في الكثير منها مع رجال أعمال إسرائيليين، وتوفر فرص مضاعفة وقوانين نموذجية للشركات الإحتكارية الفلسطينية من أجل إستنزاف جيوب المواطنين دون أي رادع لهذا النهم المتزايد، وبدون أي شكل من أشكال الحماية للمستهلك الفلسطيني.
الشعب الفلسطيني وقع ضحية الإحتلال الإسرائيلي وكان عنوان المعركة واضح ومحدد ويتمثل في مواجهة هذه الإحتلال حتى إنجاز الإستقلال، ومنذ سنوات تعددت المهام الملقاة على عاتق الشعب الفلسطيني، فقد إستطاعت عصابة فاسدة نمت وترعرت في أحشاء السلطة الوطنية الفلسطينية، ووجدت تسهيلات من الإحتلال، أن تحول حياة الفلسطينيين إلى جحيم لا يطاق، ولهذا السبب يجد الفلسطينيون أن أزماتهم أصبحت مزمنة وفي تفاقم مستمر دون حلول، والغاية أن تبقى بلا حلول، فلا يمكن أن يقبل أي عاقل في هذا الكون إستمرار أزمة إنقطاع الكهرباء عن قرابة 2 مليون فلسطيني منذ 9 أعوام حتى الآن بدون حل، ولا يمكن الإستسلام لفكرة العجز المالي المستمر للسلطة وتقليص النفاقات على قطاعات مهمة مثل التعليم والصحة تحت هذا العنوان، في حين أن الموازنات تصرف بشكل مفتوح لأجهزة الأمن ونفقات المسؤولين دون حسيب أو رقيب وتحت نظر المانحين، فلا تستقيم خديعة العجز مع تمارسه حاشية عباس وعائلته.
الفلسطينيون في قلب الكارثة، ومستقبلهم في خطر أكثر من أي وقت مضى في ظل تنامي الفقر والبطالة والإنقسام ومصادرة الحريات والتعدي على المال العام، إضافة لتخلي السلطة عن مسؤولياتها في حل مشكلات المجتمع بتزامن مع ما تقوم به وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في مناطق خدماتها الخمسة، فكل ما يجري هو تمهيد لصفقة ما تقوم به "روابط القرى" في حلّتها الوطنية مع الإحتلال، محاولات لتركيع الشعب ودفعه للإستسلام والإستكانة والموافقة على أي مشروع سياسي قادم، هذا رهان الإحتلال الذي سقط أكثر من مرة، ومناوراته الجديدة لتنفيذه مع القيادة الفاسدة التي تتقاطع مصالحها معه بما لا يدع مجالاً للشك.
مواجهة الفساد وعناوين الفساد مهمة لا تقل شأناً عن مواجهة الإحتلال، وإذا عجزت مؤسسات الرقابة والقانون عن تقديم الرئيس عباس وعصابته إلى المحاكم والسجن، فيبقى التحدي الأكبر أمام الفلسطينيين جميعاً تنظيم أنفسهم للإطاحة بهذه العصابة التي تعمل في العلن، وتتجراً بوقاحة منقطعة النظير أن تجاهر بفسادها، معتقدة أنها تقود قطيعاً أعيته الأزمات وتردي الحال، ولم يعد قادراً على الحراك والتصدي لهذه المهزلة التي لن يسلم منها أحد.
بقلم/ محمد أبو مهادي