انتقال غير آمن للسلطة يبدأ في فلسطين وحتى العام 2017م

بقلم: طلال الشريف

كنت أتحاور مع صديق لي في أغسطس عام 2007 حيث كنت في زيارة عائلية لعمان بدأتها قبل أسبوع من الانقلاب الحمساوي في غزة وكان رأي صديقي بأن الأمور سرعان ما ستعود إلى الهدوء وإلى ما كانت عليه قبل اندلاع الأحداث رغم أن صديقي هذا كان من عائلة محافظة ليست حمساوية ولكنها تؤيد حماس فقط لأن ما شاهدته وسمعته في وقت سابق عن السلطة وعن الحدث باتت على قناعة بأن الحكام الوطنيين في غزة قد أساءوا استخدام السلطة وثبت أنهم غير مؤهلين للحكم في فلسطين.
كان لي رأي آخر أتحدث به لهم ليس من باب الدفاع عما كان من أخطاء ولكن كنت أوضح لهم قناعتي بأن الأمور لن تعود إلى الاستقرار في غزة وفلسطين وأن عشر سنوات على الأقل ستمر على هذا الحال المشتبك ليس معرفة بالغيب أو ضربا للودع ولكن كانت ملاحظتي البسيطة التي أحس بها ككل فلسطيني متابع في ذاك الوقت وهي أن اسرائيل قد وقفت كطرف محايد في تلك الأحداث وكثيرون وقتها ولازالوا يتهامسون أن اسرائيل هي من خطط لذلك وأن اسرائيل لا يمكن أن تقف موقف المحايد مما تعتبره في عرفها الأمني في أن غزة والضفة هي مناطق امن اسرائيلية بحتة أي أنها مشاكل داخلية اسرائيلية في حيز السيادة والسيطرة الاسرائيلية.
كان صديقي يحاول أن يفهم ما أقوله ولكنه يستكثر العشر سنوات التي أتحدث عنها فيرد عليّ بمنطق أهلنا أيام هجرة 1948 بأنه قليلا من الوقت وسيعودون لديارهم ، وأحاول مرة ثانية فأقول له الزمن تغير وأن هناك انقسام حقيقي بين الفلسطينيين في المفاهيم والقناعات والمصالح مثل اي شعب فيعود يؤكد لي أن الاسرائيليين هم من عقد اتفاق اوسلو وهم لن يوافقوا على غير فتح و م.ت.ف لأنهم لن يرضوا عن حماس بما فعلته وما تحمله من أفكار وهم على عداوة شديدة معهم فأرد عليه قائلا هذا كلام صحيح ولكنهم لماذا سكتوا وكان في استطاعتهم لو أرادوا التدخل أن ينهوا ما قامت به حماس وقتها في غزة في دقائق.
بالأمس ذكرت صديقي السياسي المخضرم هنا في غزة بما قلته له أثناء حواري معه بعد عودتي من عمان لغزة بعد ثلاث شهور على الأحداث وبكلام قريب مما قلته لصديقي في عمان ولكن بلغة سياسية بأنه ستمر عشر سنوات عجاف بعد الانقلاب يأكل الفلسطينيون بعضهم البعض ويشتبكون أكثر على قضايا حياتية من المساعدات والوظائف قد تكون ذروتها الانتخابات التشريعية القادمة وبعد أن يروب حليب الفلسطينيين (بهذا المصطلح بالضبط ) سيهرعون لمن ينقذهم مما هم فيه وقلت أن هذا المنقذ قد يكون حزبا جديدا سيقوم العرب ومصر على تأسيسه ودعمه على شاكلتهم بعيدا عن حماس وفتح وسيهرع الفلسطينيون الجدد جميعا إلى اسرائيل لكي يعطوها ما تريد من أمن ومن حدود.
دارت الايام ومرت الايام وجاء الربيع العربي وذهب الربيع العربي وجاء الاخوان وذهب الاخوان وانبطح العرب على بطونهم يقتلون بعضهم بعضا حتى الآن ويعيشون اوضاعا في غاية الخطورة وبقيت حماس في غزة للسنة الثامنة على التوالي وانسحق الناس تحت الحصار وضربات الحرب الاسرائيلية الشرسة ثلاث مرات وازداد سحقهم من الداخل ومن الخارج ومن حكام غزة الاسلاميين بحجة الصمود ومن حكام رام الله بحجة التعبئة للثورة على حماس ولم يحدث ثورة وكل ما حدث أن الشعب استسلم لقدره ولا حول له ولا قوة واشتبك في حيثيات حياته الضنك يتسول كوبونة أو يُبتز بوظيفة ليس فقط في حكومة حماس بل أيضا في مجالات العمل الاخرى المبتزة للمقهورين مثل وكالة الغوث والمنظمات غير الحكومية والعمل الخاص.
ضعفت فتح واشتبكت في داخلها وتسلطن الرئيس وأطاح بكل المؤسسة الحاكمة والتشريعية والتمثيلية وأصبح في الثمانين ونيف ولا شيء لديه قابل للإصلاح وتراكمت الورطات وكبرت التحديات وازداد التمزيق وأصبح ترهل الحكم والتنظيم والأخطاء غير مرتجعة ووصلنا الآن فصاعدا لنقل السلطة وتوقعنا أن يجري الرئيس وحاشيته استحقاقات النقل السلمي للسلطة لرئيس جاوز الثمانين عام ولأي حدث مفاجئ فإذا به يزيد الدمار دمارا ويؤسس لانتقال غير آمن للسلطة المركبة التي يتولاها في اللجنة التنفيذية وفي رئاسة السلطة وفي رئاسة فتح في وضع سياسي واجتماعي ووطني غاية في التعقيد يواجهه الفلسطينيون ويبقى الرئيس على عناده وقلة خياراته.
مساكين هؤلاء الفتحاويون الطيبون المخلصون وهم يقلبون حالهم وحال فتحهم ورئيسهم وتاريخهم كل يدلي بدلوه فمرة يحسبونها تحديات قانونية ومرة يحسبونها اشكاليات تشريعية فيمن يخلف رئيسهم الذي أوشك على الرحيل ولم يتعملوا ولم يعلمهم درس غزة الكبير سواء الموجودين في غزة او حتى الموجودين في رام الله وأن الزمن تغير والأدوات تغيرت والمفاهيم أيضا والصراع العنيف على السلطة هو سيد الموقف وأن لا تبادل سلمي للسلطة في أوقاتنا هذه رغم أنهم يتابعون ما حدث ويحدث في دول الجوار ومازال هؤلاء الطيبون على امل أن تبقى الاحوال كما كانت سابقا في النظام الفلسطيني فيتجادلون ويتفاكرون من هو رئيسهم القادم ورئيس الشعب ورئيس السلطة وكأنهم لا يعرفون ما وصلت اليه الامور وان لا انتقال آمن للسلطة قد بات مؤكدا بفعل الخوازيق الكبيرة التي استلبستهم وهم تاركون القصة لوقتها حالمون بمؤتمر سابع مزلزل ورئيس لجنة تنفيذية فتحاوي قادم بسهولة روتين السابق وعليه يبقى لهم الرئيس وتبقى لهم السلطة ومنظمة التحرير في الوقت التي بات مصير فتحهم على المحك.
أقول الرئيس عباس على الأكثر لن يبقى لعام قادم وقد لا يكمل هذا العام وأن صراعا خطيرا بات يتحرك على السلطة والحكم ويجري في داخل فتح وبين فتح وحماس ولن يكون انتقالا آمنا للسلطة وستختلط كل الأوراق وقد تصل لعنف شديد بين الفتحاويين أنفسهم وبينهم وبين الحمساويين الذين ثبتوا مداميكهم في غزة واكتسبوا خبرة لم يكتسبها الفتحاويون ولن يفرطوا في الحكم وهم يديرون السياسة وبوصلتهم سابقا ولاحق هي هدنة طويلة الأمد وأنا لست ميالا لموضوع دولة غزة ولا ولاية غزة ولا إمارة غزة وثبت للجميع براجماتية حماس وتمسكها بالحكم الذي ينفي عدم قبول اسرائيل بوجود حماس في الضفة الغربية أو خشية حماس من استلام السلطة في الضفة الغربية وعلى الطيبين الفتحاويين الانتباه لحالهم إن كان هناك مازال هامش لاستعادة مجدهم وأنا أشك في ذلك إلا بمعجزة تحدث لا يتوقعها أحد وستجري الاحداث أمامنا جميعا حتى بداية أو نهاية العام 2017 ويكون من ظفر بالرئاسة والسلطة من عمل لها وحافظ على خطته وأدار ازمته باقتدار مثلما فعلت حماس سابقا وقد تفعل لا أدري ولكن المؤكد أن لا انتقالا آمنا للسلطة بين الفتحاويين أنفسهم ولا بينهم وبين حماس واللي بيعيش بيشوف إن عجبه أو لم يعحبه العجب أوالصيام في رجب.

د.طلال الشريف
10/8/2015م