هل نبقى كذلك

بقلم: صلاح صبحية

في لحظة فقدان الذات على مستوى الأفراد أو الجماعات فأننا نفقد الرؤية الاستراتيجية لما نعمل من أجله، وتضيع منا بوصلة العمل اليومي، ونصبح أسرى لعدونا الذي عرف حالنا فراح يتعامل معنا بما يحقق له مصالحه وأهدافه، ولأننا فقدنا ذاتنا فلم نعد نقوى على مواجهة عدونا مواجهة حقيقية على أرض الوطن، ففقدان الرؤيا جعلنا نعيش حالة ضبابية، نتخبط في داخلها فتنعكس سلبا علينا، يجعلنا عدونا ننجح وهما في بعض الميادين الخارجية، لكنه يكسر شوكتنا في فعله اليومي على أرضنا، قتل وحرق واعتقال لأبنائنا، اقتحامات يومية للمسجد الأقصى، مصادرة أراض وهدم بيوت، وبناء وحدات سكنية استيطانية يزداد كل يوم، ونحمل ملفات ما يفعله عدونا بنا ونضعه على طاولة المنظمات الدولية، وعدونا يهزأ من فعلنا هذا، لأنه يدرك تماما بأن مشروعه الاستعماري الصهيوني على أرضنا والمدعوم عالميا لم يكتمل بعد لأنه مرتبط بكل التفاصيل الجغرافية والسياسية في المنطقة العربية، فلذلك فإن عدونا يعلم علم اليقين بأن مجلس الأمن لا يمكن أن يتخذ أي قرار يكون ملزما له، وبأن قرارات الجمعية العامة غير قابلة للتنفيذ، وكذلك قرارات المنظمات الدولية هي مجرد قرارات لا أكثر، فعديدة هي القرارات التي تدين الاستيطان وترفضه ولكن الاستيطان في تزايد، وكم قرار اعتبر بناء جدار الفصل العنصري باطلا ويجب إزالته ولكن لا شيء على الأرض، فلا قيمة لأي قرار دولي، حتى القرار الأممي الذي منح دولة فلسطين عضوية مراقب في الجمعية العامة لم نستطع تحويله إلى واقع على الأرض، وقد قال المندوب الصهيوني في الأمم المتحدة لحظة تصويت 138 دولة على هذا القرار بأن الفلسطينيين سيستيقظون باكرا ليجدوا أن شيئا لم يتغير عليهم، وها هو قد مضى ثلاث سنوات على هذا القرار وما زال حبرا على ورق، وذلك كغيره من عشرات القرارات الدولية ولم يتغير على الأرض شيء.
حملنا جريمة حرق عائلة الدوابشة إلى محكمة الجنايات الدولية ونحن ندرك تماما آلية العمل داخل هذه المحكمة، وعدنا فرحين بتسليمنا ملف الجريمة إلى من يعنيهم الأمر دوليا.
منذ مائة وعشرون عاما والعدوان الاستعماري الصهيوني مستمر علينا ولم نستفد من كل ما مر بنا عبر هذا الزمن الطويل من العدوان، وقد استطاع هذا العدو أن يوقعنا في فخ أوسلو الذي اعترفنا بوطنه القومي اليهودي على أرضنا ، وذلك ظنا منا أنه سيعترف لنا بدولة فلسطينية على أرضنا، وخضنا مفاوضات عبثية كان نتيجتها مزيدا من الاستيطان، بحيث أصبح ما بقي من أرض لنا غير صالح لأقامة دولة عليها ، وافتعلنا حروبا عدة مع عدونا فلم نجني سوى المزيد من الدماء والدمار، والاتفاق على وقف الأعمال العدائية ضد العدو، والخوض معه في مفاوضات غير مباشرة تفضي إلى إمارة ربانية.
وبدل أن نزداد وحدة واتحادا أصبحنا نتنازع فيما بيننا ونشد أزرنا بغيرنا الذي يرضيه حالنا حتى نبقى بحاجة إليه، وأصبحنا نعيش صراعا داخليا في إطار لا شرعية للآخر في إطار وجوده، بل أصبحت لغة الاتهام بالخيانة والتفريط والارتباط مع الاحتلال هي لغة الردح اليومي بيننا، فهل يمكن لنا بذلك أن نتفق فيما بيننا.
كل ذلك يحدث في ظل فقداننا ذاتنا الذي أفقدنا استراتيجيتنا في مواجهة عدونا فخسرنا بذلك أدوات نضالنا اليومي، فهل نبقى كذلك أم يمكن لنا أن نعود إلى ذاتنا لننهض بها من جديد لمقاومة عدو يتربص بنا الدوائر.

الرياض في 10/8/2015. صلاح صبحية