الرئيس الفلسطيني محمود عباس منذ توليه الرئاسة في كانون ثاني/2005،لم يقم بأية زيارة لطهران،بإستثناء حضوره لقمة عدم الإنحياز في طهران 2012،وكانت علاقة السلطة الفلسطينية مع طهران فاترة على خلفية دعم ايران للفصائل المعارضة لعباس (حماس والجهاد الإسلامي)،ووقوفها ضد النهج والخيار السياسي للرئيس الفلسطيني،والسلطة الفلسطينية هي جزء من محور مصر السعودية،ووثقت علاقاتها مع النظام المصري الجديد (السيسي) بعد سقوط حكم الإخوان هناك،وكذلك مع السعودية في عهد الملك الراحل عبدالله،ولكن ثمة عدد من المتغيرات جعلت السلطة الفلسطينية تتجه الى تعزيز علاقاتها في هذه الفترة بالذات مع طهران،فالسلطة الفلسطينية تعيش أزمة اقتصادية ودورها ونفوذها في أوساط الشعب الفلسطيني يتراجع،حيث انسداد الأفق السياسي و"تغول" و "توحش" الإحتلال وعربدة وبلطجة مستوطنيه وما قاموا به من عمليات حرق متعمده بحق عائلة الدوابشة في دوما وما سبقها من خطف وتعذيب وحرق للشهيد الفتى أبو خضير،ناهيك عن جرائمهم المتواصلة بدون أي رادع،وما يمر به الشعب الفلسطيني من أزمة اقتصادية خانقة،والمتغير الأبرز الذي دفع بعباس للتوجه الى طهران وإرسال احد اعضاء لجنته التنفيذية احمد مجدلاني لهناك من أجل إستكشاف آفاق التعاون والحصول على دعم ليس سياسي من طهران،بل الحصول على مساعدات اقتصادية بعد توقيع الإتفاق النووي الإيراني،وما يتوقع من تحرير لأكثر من (150) مليار دولار أمريكي محتجزة لطهران في البنوك الأمريكية والأوروبية الغربية،وارسال رسائل سياسية للسعودية ومشيخات النفط الخليجية الأخرى وبالذات السعودية بأن سعيها لتوثيق علاقاتها مع خصمه السياسي حركة حماس،من خلال اللقاءات التي تمت بين قيادة حركة حماس وعلى رأسها خالد مشعل والقيادة السعودية في الرياض،وما يجري من حديث عن لقاء آخر ما بين مشعل والقيادة السعودية سيجعل الرئيس الفلسطيني يتجه الى طهران،طهران التي كانت الداعم الرئيسي لحماس،قبل أن تفتر علاقتها بها بشكل كبير،ليس فقط على خلفية الموقف من الأزمة السورية،بل تأييد حماس ل"عاصفة الحزم" السعودية ضد فقراء اليمن،وما تبع ذلك من لقاءات سعودية - حمساوية،أي البديل السياسي والمالي عن الحاضنة السعودية جاهز،فالسعودية بتوثيقها لعلاقاتها مع حماس قد تسيطر على قطاع غزة،وتستبدل اللافتات التي كانت ترفع في كل ساحات ومداخل القطاع مرحبة بالأمير القطري والخليفة العثماني أردوغان باللافتات واليافطات المثمنة للمواقف " القومية" و"الوطنية" للسعودية ودورها "العروبي و"الوطني" في دعم الشعب الفلسطيني وقضيته.ولكن ستدفع السعودية ثمن ذلك خسران نفوذها ودورها في الضفة الغربية.
وليس هذا فحسب من يدفع الرئيس الفلسطيني للتوجه نحو تدعيم علاقاته بطهران،فطهران بعد توقيعها للإتفاق النووي مع المجموعة الدولية (5 + 1)،باتت قوة إقليمية كبرى في المنطقة،لها دورها وفعلها ومصالحها في المنطقة،المعترف بها من قبل أمريكا والغرب الإستعماري،وربما تشارك امريكا وروسيا في فكفكة ولحلحة العديد من ازمات المنطقة من الأزمة السورية والتي تقوم ايران مع روسيا بدور نشط وفعال من اجل حلها،فطهران طرحت مبادرة لحل الأزمة السوري من أربعة نقاط تشاورت بشأنها مع مصر وتركيا وقطر،وعقدت لقاءات مع القيادتين السورية والروسية،وهي تامل التصديق على مبادرتها من قبل مجلس الأمن الدولي،وهي كذلك لاعب فعال في الأزمات العراقية واللبنانية واليمنية ونفوذها وتأثيرها يطال أفغانستان وفلسطين.
الرئيس عباس قد يستفيد من ايران في القضية الفلسطينية،من خلال تشكيلها موقف داعم صلب للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة،وايران يمكن لها أن تستثمر الورقة الفلسطينية في طرحها لشرق اوسط خالي من الأسلحة النووية،وكذلك الورقة الفلسطينية مهمة جداً في قضايا الصراع العربي – "الإسرائيلي"،وخصوصاً بأن "اسرائيل" تنظر لطهران على انها عدوها المركزي في هذه المرحلة،بعد تفكك وإنهيار الحاضنة العربية والقومية للقضية الفلسطينية على ضوء حروب التدمير الذاتي.
نحن مع تصحيح السلطة الفلسطينية لعلاقاتها مع طهران،فطهران دائماً كانت لجانب شعبنا وقضيتنا،وكيف وهي الان أصبحت قوة إقليمية كبرى مؤثرة وفاعلة في كل قضايا المنطقة؟؟،ولكن نحن لا نريد أن تكون تلك العلاقات قائمة على أساس المصالح والصراعات والمناكفات الداخلية بين طرفي الإنقسام ( فتح وحماس)،فالعلاقات مع الدول المحيطة عربية وإسلامية،يجب ان تستثمر وتوثق وتدعم خدمة للمشروع الوطني والفلسطيني والمصالح العليا لشعبنا،وليس نكاية أو لممارسة الضغط على هذا الطرف العربي أو ذاك،فطهران الآن هي محطة من المحطات الإقليمية التي يجب أن نستثمرها بما يمكننا من الصمود في وجه المبادرات والحلول السياسية المشبوهة المدعومة عربياً وإقليمياً ودولياً لتصفية القضية الفلسطينية ومشروعها الوطني،وخصوصاً أن ما هو مطروح الان من مشاريع تقوم على إيجاد حالية كيانية محدودة الإستقلال في قطاع غزة،وتقاسم مدني وظيفي في الضفة الغربية وإبتلاع القدس.
وتصحيح العلاقة ليس مطلوباً مع طهران لوحدها،فعلينا ان نلتقط المتغيرات الجيو استراتيجية المتبلورة في المنطقة بعد توقيع الإتفاق النووي الإيراني،فمسيرة التدحرج صوب الحلول السياسية في المنطقة يبدو انها بدأت،ونحن جزء من هذه المنطقة،ولكي لا تكون تلك الحلول على حساب قضيتنا ومشروعنا الوطني،فلا بد من إستكمال تصحيح العلاقة مع سوريا وحزب الله،فهذا الحلف طهران- دمشق والضاحية الجنوبية،سيمتلك الكثير من اوراق القوة والتأثير في المنطقة،وقضيتنا بحاجة الى حلفاء وأصدقاء موثوقين،وليس كمن هم يستخدمون قضيتنا للمتاجرة وخدمة لأجنداتهم ومصالحهم.
بقلم/ راسم عبيدات