بنك الفقراء؛ مشاريع البنية التحتية روافد حقيقية للتنمية الاقتصادية في قطاع غزة !!

بقلم: حسن عطا الرضيع

يعاني الاقتصاد في قطاع غزة من أسوأ الأزمات الاقتصادية والإنسانية وأكثرها شدة وضراوة حتى من أعوام الانتفاضة الفلسطينية الثانية في عامي 2002-2001م ؛ رغم الآثار الاقتصادية السلبية التي رافقت تلك السنوات, إلا أن ما يشهده الاقتصاد في قطاع غزة يعتبر الأكثر مأساوية, حيث تفاقمت وتهاوت المؤشرات الاقتصادية الكلية وانزلقت نحو قيعان الكساد الاقتصادي؛ لقد حقق اقتصاد غزة انكماشا اقتصادياً بحدود 15% في العام 2014مقارنة بالعام 2013م, إضافة لارتفاع معدلات البطالة لحدود 43.9% والفقر فاق أل 60% وما رافق ذلك من اعتماد حوالي 80% من أهالي غزة على المساعدات الإغاثية والنقدية الخارجية, وكذلك فإن 89% من الأسر في قطاع غزة لديها صعوبة في الحصول على احتياجاتها الضرورية مما ساهم أيضا ذلك بارتفاع درجة الحرمان ونقص الأمن الغذائي لقرابة 67% من الأسر الغزية, تلك المؤشرات السلبية تعتبر الأسوأ في المنطقة العربية, مما يتوجب على السلطة والحكومة الفلسطينية البحث الجدي وإعداد رؤى اقتصادية تساعد وتخفف من حدة تلك المشكلات, تلك الحلول والتي من الممكن للسياسات الاقتصادية الفلسطينية رغم عدم استقلالها المطلق وعدم جدواها الاقتصادية؛ أن تساعد في علاج ذلك وفقا للإمكانيات المتاحة والموارد المالية الذاتية والتي تكفي لتمويل جزء ليس يسيراً من متطلبات التنمية الاقتصادية في قطاع غزة والتي تحتاج دوما للاستقرار السياسي والأمني ؛ ورغم النقص الحاد في معدل الادخار الوطني وغياب الإنتاج وتهاوي العديد من الأنشطة الاقتصادية ذات الأهمية التنموية كالزراعة والصناعة؛ إلا أن هناك روافد هامة بإمكانها التقليل من حدة البطالة والفقر وتعجل بالنمو الاقتصادي في قطاع غزة؛ ومن تلك الروافد خلق طلباً متزايداً في السوق والاقتصاد الفلسطيني ليس بخلق وظائف حكومية جديدة أو بزيادة النفقات كما رأينا سابقا في الحكومات المتتالية , وإنما بخلق قدرة على الإنتاج وتحفيز الطلب الكلي الفعال بشقيه الاستهلاكي والاستثماري, ويتم ذلك بالاهتمام بمشاريع البنية التحتية واستصلاح الأراضي الزراعية واستغلالها بالشكل الأمثل , إضافة للاهتمام بالقطاع الصناعي عبر إنماء الصناعة التحويلية والتي تشكل 14% من الصناعات الفلسطينية ؛ إضافة لذلك العمل على إنشاء مناطق صناعية صغيرة في كل محافظات قطاع غزة, والتي تهدف إلى توفير مئات فرص العمل وتنمية المخيمات عبر توفير تمويل كافي لإنشاء مشاريع صغيرة وتحديداً للنساء كمشاريع الخياطة والتطريز والمواد الغذائية وبعض الصناعات التحويلية الهامة, والأهم من ذلك هو إنشاء بنك للفقراء مهمته تقديم القروض الميسرة للآلاف من الأسر في غزة, وبدون فوائد وبفترات سماح مختلفة وفقا لطبيعة المشروع, وأن يقوم ذاك البنك بتشكيل لجان اقتصادية وعلمية لإعداد دراسات الجدوى وتقييم المشاريع وتحديد احتياجات كل منطقة من تلك المشاريع, وأن تنبع فلسفة هذا البنك من فلسفة اجتماعية وأن تكون طبيعة الأنشطة تنموية بحتة وذات بعد اجتماعي؛ وفي المقابل تقدم الحكومة الفلسطينية دعما لهذا البنك كتغطية نسبة من قيمة القرض المقدم للأسرة الفقيرة؛ وأن يرافق إنشاء هذا البنك اهتمام متزايد للسلطة الفلسطينية بخلق وظائف وفرص عمل تنموية كالاهتمام بقطاعي الصحة والتطوير البحثي, وزيادة نصيب التنمية الاقتصادية والتطوير من الموازنة العامة الفلسطينية وإعادة النظر في السياسات الفلسطينية المنتهجة وتحديداً ترشيد الإنفاق العام والتوزيع العادل للرواتب كوضع حد أدنى وأقصى للرواتب يتوافق مع حد الفقر وتطبيق ذلك للتقليل من الاختلال المتنامي في بنية مجتمع غزة الذي يميل لمزيد من اللا مساواة وإلى اللا إنسانية, وعليه فإن ارتفاع عدد العاطلين عن العمل لحدود 200ألف شخص في غزة وبهذا الارتفاع المتنامي والسريع يحتاج لاتخاذ التدابير العاجلة؛ لأن تفاقم ذلك من الممكن أن يؤدي في السنوات القادمة لصعوبة إيجاد حلول اقتصادية لذلك, لقد كان الأجدى على الاقتصاديين الفلسطينيين تقديم رؤى للسلطة الفلسطينية مفادها ضرورة إنشاء بنك للفقراء في قطاع غزة, وإنشاء مناطق صناعية في كل المحافظات الجنوبية على غرار المحافظات الشمالية, وتطوير قطاعي الصحة والتعليم, وكذلك الإسراع في إعمار قطاع غزة لما له من دور في التخفيف من مشكلة البطالة والإسراع في تحفيز النمو في غزة وإنشاء مشاريع تحلية المياه والتي تبلغ تكلفتها قرابة 450 مليون دولار , وفي الختام فإن إنشاء بنك للفقراء والتمويل الأصغر في قطاع غزة سيكتب هذا المشروع البسمة الحقيقة ( ليست بسمة الحصول على مساعدة عينية؛ وإنما بسمة ترافق العمل والإنتاج وتُشعر الفقير بكونه منتج وعاملاً وليس عبئاً وسلعة للابتزاز) على وجوه الآلاف من الأسر في قطاع غزة, ويصبحوا مع مرور الوقت عائلات منتجة وعمادة للاقتصاد الفلسطيني الذي لن يكون إلا باستثمار تلك الطاقات المهدرة في الاقتصاد الفلسطيني؛ ولسان حال تلك الأسر تقول " لا نريد سمكة متهالكة وبالية كل يوم ؛ بقدر ما نحن بحاجة لتعلم فنون الصيد, صيداً يوفر لنا لقمة العيش والكرامة الإنسانية" , وكأن فقراء وضحايا الانقسام في غزة يوجهون رسالة لمتخذي القرار السياسي والاقتصادي بقولهم " كونوا كونفوشيوسين هذه المرة, كونوا كمحمد يونس واقتلوا الفقر واخلعوا مخالبه , وسنقف لكم احتراما وعرفانا وسننحني لكم تقديراً لجهودكم الإنسانية والوطنية , وعليه فإن وصولكم لهذه الدرجة العظيمة وهي أن تكونوا " قتلة للفقر" مرهوناً بتأسيس هذا البنك وتمويله وإنجاحه بكل الوسائل المتاحة , كن قاتلاُ للفقر , تكن رحيماً بالفقراء .

بقلم/ حسن عطا الرضيع
باحث اقتصادي_غزة