(1) زمن الرعب... "انا خائف"
"انا خائف" كلمة تتردد في كلام جميع من تلتقي بهم هذه الايام؛ في الجلسات الخاصة واللقاءات العامة، في المقهى وفي الافراح والمآتم، سواء كانوا من العامة أو النخب السياسة والثقافية؛ باحثين وكتاب، أشخاص رسميين وغير رسميين. يقولنها بشكل موارب وألفاظ متعددة احيانا، وبصريح العبارة احيانا اخرى، وشخصيا أذهب إلى أبعد من ذلك لوصف الحال بأنه زمن الرعب.
هذا الرعب جزء منه سببه غياب الأمان الشخصي والخوف من الغد على سلامته الشخصية أو سلامة ابنائه او المقربين منه، وعدم المعرفة بما ينتظره من قدرة أو ملاءته المالية، وعدم اليقين بقدرته على تأمين احتياجات ابنائه الاساسية كالتعليم والصحة.
والسبب الاخر يتعلق بالاوضاع العامة لعدم اليقين بأي اتجاه تسير البلاد، لا حلول جذرية لأغلب القضايا ان لم تكن جميعها، فلا مشوار استعادة الوحدة قد بدأ فعليا، ولا الخدمات تحسنت، وعدم القدرة على حل مشاكل كديون الكهرباء والماء أو ضبط الانفاق بل هي تتراكم على الرغم انها تحتاج الى قرار لإعادة النظر بالفشل في هذا الجانب أو ذاك؛ ما يوفر مساحة كبيرة من عدم الثقة بالمؤسسة الفلسطينية. ناهيك عن عدم اليقين المتعلق بمصير السلطة الفلسطينية أو لغز مستقبلها.
والسبب الاخر انسداد الافق السياسي أمام الفلسطينيين، فلا هناك مفاوضات طريقا للخلاص، ولا مقاومة طريقا للتحرير، وبات الفلسطينيون حائرون غير قادرين على تحديد خط المسير سوى الانتظار لعل وعسى أن يلوح في الافق أمل ليذهب ريح كابوسهم. كأن المثل الانسب لديهم اليوم "اللي يستنى خير من اللي يتمنى". وفي انتظار أيلول القادم، بعد نصف شهر، بات القلق يملأ النفوس.
في ظني هذا الرعب يحتاج الى صراحة ما بين القيادة والشعب لان انسداد الأفق، وغياب الثقة، والخوف من المستقبل أو الغد يولد الاحتقان والإحباط قد تتحولان الى لامبالاة أو الى عنف، وفي كلاهما خسران للنفس بل كلاهما خسران للبلاد. وبلادنا لا تتحمل الهجرة أو الفوضى.
(2) الممر المائي ... تجسيد للجريمة السياسية
تثير الاخبار الواردة عن قرب التوصل إلى اتفاق ما بين حركة حماس والحكومة الاسرائيلية تتضمن هدنة طويلة الامد، ما يوفر ممرا مائيا لقطاع غزة يتيح "حرية الحركة" للغزيين، القلق ليس على المشروع الوطني الفلسطينيفقط بل الرعب من تجسيد المشروع الاسرائيلي من انفصال غزة عن الضفة الغربية وإقامة دولة مشوهة في قطاع غزة.
بالتأكيد ان احتياجات قطاع غزة وسكانه لا تحتاج الى العناية ببذل الجهد بل تحتاج الى العناية بتحقيق نتائج، وهذا الأمر مسؤولية الجميع الفلسطيني دون استثناء. لكن توفير هذه الاحتياجات بالتأكيد ايضا يجب ان لا تكون على حساب المشروع الوطني. كما أن هذه الاحتياجات على اهميتها لا تسمح أو تتيح لفصيل مهما علا شأنه أن يتفرد بمستقبل البلاد، وان يعقد صفقات على حساب المستقبل.
واجزم أن حركة حماس تسير في الطريق الوهم الذي وقعت به منظمة التحرير قبل أكثر من عشرين عاما، عند توقيعها على اتفاق اوسلو، لكن الاتفاق الجديد إن أُنجز سيكون أسوء، دون اللعب في الكلمات، لغياب اي أفق سياسي؛ وقف المقاومة من أجل الحركة ورفع الحصار فيما اتفاق أوسلو وقف المقاومة مقابل افق أو أمل سياسي. كما أن الاتفاق مع فصيل سياسي دون المظلة السياسية الشرعية المتمثلة بمنظمة التحرير، على وهنها، يفتح باب مراهنة الاحتلال على قبول الفلسطينيين بالكانتونات في الضفة ومفاوضة مجموعات قد تنشأ هنا أو هناك مقابل الحفاظ على سيطرتها وحكمها مقابل بقاء الاحتلال. ناهيك عن تخلص الحكومة الاسرائيلية من الضغط الدولي، على ضعفه، باعتبارها قوة احتلال في الاراضي الفلسطينية المحتلة، والترويج للدولة الفلسطينية في قطاع غزة فقط.
واهم من يعتقد من السهولة ان توافق اسرائيل على حرية الحركة بل ستكون قائمة الشروط طويلة بحيث تفقد الحرية من الحركة، وشرطها ستطال مدى طول البشر وقصرهم ولون بشرتهم وعيونهم وصبغة الشعر المسموحة للذين يخوضون عُباب البحر وصولا الى قبرص. بكل الاحوال لن يكون هذا الممر افضل من معبر بيت حانون "ايرز"، أو اتفاق معبر رفح. فبدلا من التخلص من الاحتلال وسيطرته نمعن العمل على تكريسه دون تكلفة، وكأن قدر الفلسطينيين البقاء خاضعين لغطرسته من اجل تلبية احتياجاتنا دون أمل سياسي على الاقل في انهاء الاحتلال ورموزه الظاهرة والخفية.
وفي ظني ان حركة حماس تستكمل، في انجاز هذا الاتفاق، جريمتها السياسية بحق الشعب الفلسطيني التي بدأتها بالاستيلاء بالقوة المسلحة على قطاع غزة وصولا الى الانفصال التام عن الضفة الغربية والانسياق في المشروع الاسرائيلي بالتخلص من عبء قطاع غزة والاستفراد بالضفة الغربية بحجة تلبية احتياجات قطاع غزة.
جهاد حرب