منذ ان سيطرت حركة حماس على قطاع غزة بما سمته الحسم العسكري، وما يسميه البعض الانقلاب على الشرعية، لم تتوقف آلتها الاعلامية ولا ناطقيها الرسميين ولا إي من قادتها عن محاولات شيطنة السلطة الفلسطينية، من خلال توجيه كل أنواع الاتهامات للقائمين على السلطة.
محاولات حماس لشيطنة "سلطة رام الله"، برغم ما كل فيها من "صحة" نتفق معها ولا يمكن نكرانها أو الدفاع عنها في احيان كثيرة، هي في الواقع كلمة حق يراد بها باطل، وهي ترمي إلى ما هو ابعد من السلطة، وتهدف الى التشكيك ليس بالسلطة "التي هي، أي حماس، صارت عمليا جزءا أصيلا منها بمجرد مشاركتها في انتخابات عام 2006، وتشكيلها للحكومة في حينه"، وانما الى التشكيك بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، برغم كل ما يمكن ان يقال عن هذه المنظمة.
في الواقع عداء حماس "والاسلام السياسي بشكل عام" لكل ما هو وطني وللحركة الوطنية الفلسطينية بكل أطيافها ليس بجديد، وليس له علاقة باتفاق اوسلو البائس، ولا بإنشائ السلطة، ولسنا هنا بوارد ايراد امثلة "وهي كثيرة جدا" على ما قامت به حماس في حقبة الثمانينات من القرن الماضي في الارض المحتلة ضد القوى الوطنية.
ما جرى منذ الحسم أو الانقلاب الحمساوي، هو سلوك ممنهج يقوم على التعبئة المبرمجة ضد كل ما هو ليس حمساوي، وصارت الممارسة الحمساوية في هذا الاطار سلوكا يوميا و"حياتيا"مبالغ فيه لدرجة تبعث على الريبة والتساؤل.
بعد ان شعرت حماس انها قامت "بحملتها" بشكل ناجح ضد السلطة، خاصة في ظل حالة الفشل والانتكاسات المتتالية "لنهج" السلطة في التعامل مع دولة الاحتلال، الامر الذي لا نعتقد بان السلطة لوحدها هي المسؤولة عنه، بل هنالك اطراف عديدة تتحمل مسؤوليته، وعلى رأسها مجلس الامن، والادارات الامريكية المتعاقبة، إضافة الى قادة دولة الاحتلال، الذين لم يلتزموا بنصوص تفاهمات اوسلو. صارت لا تتردد في الهجوم على منظمة التحرير، وصارت تظهر وجهها الحقيقي للمنظمة ، وتحاول بعد ان نجحت الى حد كبير نسبيا في شيطنة السلطة، ان تشوه صورة المنظمة وشيطنتها، ومحاولة النيل منها ومن كل ما له علاقة بالمنظمة والتشكيك في اهدافها وبرامجها، ومحاولة ارسال رسائل في كل الاتجاهات لمن يرغب ولمن يمكن ان يتسلم مثل هذه الرسئال ويتعامل معها وربما يأخذها على محمل الجد.
ان اي متابع أو مراقب لما تقوم به حركة حماس ضد منظمة التحرير من خلال وسائلها الاعلامية او تلك التي تدور في فلكها، ومن خلال التصريحات والبيانات المتواصلة ضدها، يدرك تماما ان هنالك سياسة مبرمجة ومنهجية "لتعرية وتشويه" ورفع الشرعية عن المنظمة، ومن غير المستبعد ان تقوم مستقبلا بمحاولات لاخراج المنظمة بكل ما تشكله من تاريخ نضالي وانجازات يعتد بها، من الصف الوطني.
حماس فيما يتعلق بالاوضاع في غزة على سبيل المثال تحاول تحميل كل الخراب الذي جرى هناك وما زال للمنظمة واداتها التنفيذية "السلطة"، في محاولة تحريضية مكشوفة لابناء القطاع، ان ليس حكومة الامر الواقع المفروضة في غزة هي المسؤولة عن الاوضاع في القطاع، بل ان السلطة وبالتالي المنظمة من يتحمل المسؤولية، برغم انه لو توفرت لدى حماس النوايا "الطيبة" لقامت بتسليم المعابر للحرس الرئاسي كما هو متفق عليه وكما هو مطلب الفصائل الفلسطينية مجتمعة وتسارعت عملية اعادة الاعمار.
من خلال طموحاتها بان تكون بديلا عن منظمة التحرير، لا تتردد حماس بالقيام بكل ما هو ممكن لتقول انها ما زالت "قوية" وقادرة على ادارة ليس فقط القطاع وانما ايضا الضفة، ومن هنا تحاول فتح افاق جديدة في علاقاتها العربية والغربية، الامر الذي لا نمانعه، لكن ليس على حساب التمثيل الفلسطيني المتمثل في منظمة التحرير.
منذ سنوات طويلة لم تتوقف حماس عن تخوين القيادة الفلسطينية واتهامها بالتقصير والتفريط، وقد ثبت بالملموس ان كل "الطنطنات" ومحاولات التخوين وبعد عقدين من اوسلو، لم نر اي من الاتهامات التي روج لها قد حدثت، وثبت ايضا ان المنظمة ما زالت متمسكة بقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وانها لم تبع ولم تفرط ولم تخن.
بمباشرة وبدون تردد، نعتقد بان ما قامت به حماس من سلخ لجزء من الوطن عن بقيته، انما هو أشد الاعمال المسيئة التي يمكن أن تقوم به اية مجموعة او حزب او فصيل مهما كانت دوافعه واهدافه، وهذا بتقديرنا من اخطر انواع ضرب وحدة الأرض والشعب والاضرار بالقضية الوطنية بشكل عام.
هذا الأمر "سلخ" جزء من الوطن عن بقية الوطن والانفراد به، لو تم في اي دولة في العالم، فمن غير الممكن السكوت عليه او قبوله من قبل "المركز" ولا بد من العمل على استرداده باي شكل من الاشكال.
ان انتهاز حماس للواقع الجغرافي والفصل بين الضفة والقطاع، نتيجة تأشسش دولة الكيان بالشكل الذي تأسست عليه، لا يمنح حماس ولا سواها ان يقتنص الفرصة "لخطف" هذا الجزء من الوطن، تحت أي مبرر مهما كان، وإلا فإن بإمكان اي فصيل أو حزب يمتلك القوة، ان يختطف اي منطقة ويعلنها منطقته ويقوم على ادارتها وتشكيل حكومته الخاصة فيها وان يتعامل معها على أساس انها ملكيته الخاصة.
إذا كانت حركة حماس تعتقد بانها "الاكثر" وطنية، والاكثر حرصا على الوطن والقضية، فان اول ما يجب ان تقوم به، هو اعادة تسليم ما "اختطفته" الى المركز، متمثلا بالقيادة الفلسطينية، ويأتي ذلك من خلال الخطوة الاولى المتمثلة بالموافقة حالا على تسليم المعابر للسطة ،من اجل العمل الفوري على اعادة اعمار القطاع والسماح للذين ما زالوا تحت شمس السماء، ان يجدوا ما يأويهم ويحميهم حر الصيف وبرد الشتاء ويحفظ لهم بعض كراماتهم.
أخيرا، لا بد من التأكيد على ان منظمة التحرير، وبرغم كل ما لنا عليها من ملاحظات، وبرغم كل تحفظاتنا، وبرغم ما تعانيه من ترهل وشبهات بالفساد كما يتردد، ستبقى الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني شاء من شاء وابى من ابى.
رشيد شاهين
20-8-2015