عادة ما يحيط بالمسؤول بطانتان، الأولى تحضه على عمل الخير وتقدم له النصيحة الصادقة حتى وإن تضمنت ما لا يطيب للمسؤول سماعه، لأنها ترى فيها فلاح له وصلاح لأحوال رعيتة، أما البطانة الثانية فتناصب الأولى العداء وتوسوس في أذن المسؤول مستعينة بمكونات نظرية المؤامرة، وتعمل دون كلل أو ملل على محاصرة من يشق عصا طاعتهم، ولا تسعى لتقديم النصيحة الخالصة بقدر ما تبحث عما يخدم مصالحها، وعادة ما تكون لهم الغلبة كون الانسان بفطرته يسعد بسماع الثناء والمديح ويضيق صدره بالنقد والمصارحة، ، ولأنها تمتلك من مفردات النفاق والرياء والتملق والمداهنة الشيء الكثير، فهي الأقدر على التمركز في الدائرة الضيقة التي تحيط بالحاكم حيث المطبخ الذي يصنع فيه القرار، فيما الغيور على الحاكم الحريص عليه يجد الأسوار العالية التي تمنعه من الوصول إليه، لا يلبث أن ينكمش على ذاته مكتفياً بالدعاء أن يمن الله على الحاكم بالبطانة الصالحة.
بطانة السوء حول الحاكم تزداد قوة مفاعيلها عندما تنجح في عزله عن رعيته، حيث تصبح العين التي يرى بها والاذن التي يسمع من خلالها، ويجيد أفرادها لعبة تبادل الأدوار فيما بينهم لإخراج المشهد حسب السيناريو المتفق بينهم عليه، ليس هذا فحسب بل أنها تجيد التموضع مع كل تغيير أو تبديل، والأدهى والأمر أنها سرعان ما تنقلب على ولي نعمتها السابق وتقذفه بسهام الغيبة والكثير من البهتان، ولا تتوقف عن الهمز واللمز بحقه في مسعاها لنيل قبول ورضى الجديد، ومن الطبيعي أن تتغول بطانة السوء في ظل غياب العمل المؤسساتي، والحقيقة الدامغة أنه ما كان لبطانة السوء أن تحقق أهدافها لو لم تجد في الحاكم إذناً صاغية لها، وفي ذات الوقت ما كان لها أن تتمدد وتتشعب إلا بصمت العامة عنها من جهة ومساعدتها من قبل اذنابها الذين إرتضوا الذلة بما تلقيه إليهم من فتات موائدها.
الحالة الفلسطينية ليست بمعزل عن ذلك، وغياب العمل المؤسساتي وفر الأرضية لأن ترتع فيها بطانة السوء طولاً وعرضاً، حيث ارتضت مؤسسات صناعة القرار أن تكون الحاضر الغائب، وفي أحيان كثيرة تقمصت دور شاهد الزور، وبذلك تركت بطانة السوء تصول وتجول دون رادع لها، وفي ظل غياب دور المجلس التشريعي في الرقابة والمساءلة والمحاسبة إزداد نفوذ بطانة السوء وتفرعت أذرعها لتمتد بها إلى المؤسسات المختلفة.
ما لا يمكن تجاهله أن بطانة السوء وجدت في الانقسام مرتعاً لها، حيث امتهنت على مدار سنواته صب الزيت على النار، ليس هذا فحسب بل أنها فعلت الشيء ذاته في الخلافات ذات الطابع الخاص، حاول البعض أن يكيف خطابه طبقاً للحن الذي أعدته، فيما اكتفى البعض بالنظر إلى ما تقوم به إعتقاداً منهم أن في عملها ما يخدم مصالحهم، المهم أن الجوقة التي تدير عملية صب الزيت على النار لم يتضرر افرادها من الانقسام وإفرازاته، بل أن مصالحها نمت وترعرعت في بيئة الانقسام والخلاف، ومن البديهي أن تواصل العزف على ذات الوتر.
آن لهذه البطانة أن تستريح وتريح، ولها أن تبني مجدها كما شاءت في صالونات الغيبة والنميمة، فلم يعد الوطن يحتمل استمرار إشتعال النيران في جنباته.
د. أسامه الفرا