بلير كاذب ومخادع… وليس من مزايا إسرائيل احترام العهود

بقلم: علي الصالح

حذرنا في مقال سابق بعنوان "لا تثقوا بمسيلمة البريطاني"، من التعامل مع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، وذلك قبل وقت طويل جدا مما يسمى بالوساطة التي يقوم بها هذا الثعلب بين إسرائيل وحركة حماس، من اجل التوصل إلى ما يسمى بتهدئة طويلة الامد قد تمتد لثماني سنوات او عشر سنوات، مقابل ممر مائي تحت "المراقبة الاسرائيلية" ورفع الحصار بالكامل!

وهذا التحذير لم يأتِ من فراغ ولا لدواع شخصية، فتاريخ هذا الانسان الأسود على جميع الصعد برهان قاطع على أنه ليس اهلا للثقة، ويعمل لخدمة اسرائيل. ولكن كما يبدو فإن هذا التحذير يصطدم بآذان صماء..

منذ صعود بلير إلى سدة الحكم في بريطانيا عام1997 وحتى خروجه من الحكم عام 2007 ، ومن بعده المنصب الذي منحه إياه جورج بوش سيده في عدوان 2003 على العراق، كمبعوث خاص للجنة الرباعية في الشرق الأوسط، اعترافا منه بالجميل، أكد مرارا وتكرارا، بالقول والفعل، على أنه ثعلب مخادع وكاذب وصهيوني من الدرجة الاولى.. يضاف إلى ذلك انه تاجر همه الشخصي جمع المال وخدمة الكيان الاسرائيلي.. يجمع المال من شيوخ العرب ضاحكا على ذقونهم، من دون أن يرد الجميل اليهم.

يكن بلير مشاعر عميقة لاسرائيل كجزء من معتقداته الدينية، وهو عضو أصيل في جمعية أصدقاء اسرائيل في حزب العمال، وهي مجموعة الضغط لصالح تل ابيب. ويحتفظ بعلاقات وثيقة مع قادتها.

لهذا فان من اولى القرارات التي اتخذها بعد الفوز برئاسة الحكومة في بريطانيا عام 1997، هو تعيين مايكل ليفي عضوا في مجلس اللوردات اعترافا منه بجمائله، واختاره ممثلا شخصيا له لعملية السلام في الشرق الأوسط طيلة فترة رئاسته. هذا الصهيوني وغيره من القيادات الصهيونية التفت على بلير وأحاطته بالرعاية والإغداق المالي لإعداده لمنصب زعيم حزب العمال عام 1994. ولورد مايكل لمن لا يعرفه هو مايكل ابراهام ليفي صهيوني متأصل وشديد الولاء لاسرائيل والصهيونية من ورائها.. وهو الذي أدار صندوق دعم حملة بلير استعدادا للانتخابات العامة عام 1997. ويعرف بلقب "لورد Cashpoint " اي لورد ماكنة الصرف الآلي بالنسبة لبلير. ويشيد ليفي بدعم بلير الملتزم لدولة اسرائيل.

وبلير هو نفسه بلير الكاذب والمخادع.. وشاهد على كذبه تلك الدوسيهات الأمنية المزورة حول سلاح التدمير الشامل في العراق، التي قدمها لمجلس العموم دعما لتبرير طلب مصادقة المجلس على قرار المشاركة في العدوان على العراق في عام 2003.

إنه هو نفسه الذي تمرغت سمعته بالوحل في بريطانيا وخارجها، بعد انفضاح أكاذيبه في العدوان على العراق وانصياعه لأوامر البيت الابيض، حتى اصبح يشبه في الرسوم الكارتونية في صحف بلاده بكلب صغير يجره جورج بوش الابن.

إن بلير هو مسيلمة هذا العصر، إنه هو الشخص ذاته الذي كانت قيادة حماس تهاجمه يميناً ويسارا وتطالب السلطة برفض التعامل معه. انه مسيلمة نفسه الذي كان يقف سدا منيعا في وجه التعامل مع حركة حماس، وهو الذي كان الحافظ الأمين لشروط الرباعية الشهيرة، وهي الاعتراف بدولة اسرائيل والاعتراف والعمل بالاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع الكيان الصهيوني، ونبذ ما يسمى بالارهاب التي كانت ترفضها حماس.

هذا المسيلمة هو نفسه الذي بعد أن لفظته الرباعية التي كان يستغلها لمطامحه ومطامعه الشخصية وجمع عشرات ملايين الدولارات من دول الخليج مقابل استشاراته الفذة! هو نفسه الذي عقد صفقة مع كبار المليونيرات الصهاينة، لتشكيل منظمة يرأسها هو شخصيا لمواجهة ما يسميه الصهاينة معاداة السامية، وهو المصطلح الذي يسحب من "كم الساحر"، لترهيب كل من تسول له نفسه انتقاد السياسات الاسرائيلية حتى اليمينية المتطرفة منها.. هذا المصطلح الذي تحرر منه الكثير من الأوروبيين، والفضل يعود ليس لنا، والحمد الله، بل للقوى الحية والناشطة والمنظمات الداعمة للحق الفلسطيني مثل، لجان التضامن مع الشعب الفلسطيني، وحركات مقاطعة اسرائيل ووقف الاستثمارات فيها وفرض العقوبات عليها، أو ما اصبح يعرف عالميا بـ"BDS" .

إنه الشخص نفسه، الذي رغم اللقاءات العديدة السري منها والعلني مع قادة حماس، سواء في قطاع غزة او في الدوحة، لم يقدم، ووفق ما يصرحون به، مبادرة مكتوبة بشأن التهدئة طويلة الامد مع اسرائيل، بل قدم أفكارا عائمة.. النية طبعا معروفة وهي المماطلة ثم المماطلة والتسويف، لترسيخ الانقسام الفلسطيني وتوسيع رقعة الخلاف بين الفصيلين الرئيسين فتح وحماس على نحو يصعب فيه لم الشمل.

بيد أن كذبه هذا لم ينطل على ابن الشارع الفلسطيني، فكشفه ورفضه سنوات طويلة قبل الفلسطيني الرسمي.. هذا الشخص هو نفسه بلير الذي رفض الفلسطينيون العاديون مصافحته اثناء قيامه بجولة في مدينة جنين شمال الضفة الغربية، لا كرها في شخصه، بل كما هي العادة في أفعاله وسياساته، لأن الحس السياسي عند الإنسان الفلسطيني العادي، أقوى منه عند الكثير من المسؤولين الفلسطينيين من جميع الاطياف.. فالفلسطيني العادي كان دوما ولا يزال المتقدم وبامتياز على قيادته.

القناعة هذه لم تصل بعد لقيادة حماس، رغم التجربة المريرة التي مرت بها السلطة، لأنها أي حماس، كما يبدو، سعيدة جدا بالاهتمام الدولي بها الذي يقوده بلير.. رغم ما تحذر منه حركة الجهاد الاسلامي التي ترى في مسعاه محاولة فقط لزرع الفتنة وترسيخ الانقسام بمقترحات شفوية خدمة للاحتلال، وتخشى من استمرار التواصل معه. ورغم رؤية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين للهدنة طويلة الأمد التي يجري الحديث عنها، واعتبارها اتفاق اوسلو جديدا.

مع تأكيدنا على حق شعبنا في غزة في حياة افضل وأمن وأمان واستقرار، ورغم المأزق الذي تعيشه حركة حماس في الداخل والخارج.. لكن السير وراء بلير واسرائيل هو كالجري وراء سراب… هذا اذا ما اخذنا بحس النية، أن ما تقوم به حماس هو من باب الحرص على شعب غزة ورفع المعاناة عنه وهو ما يستحقه…

ولكن حتى لو افترضنا جدلا ان ضمير بلير استيقظ، وهذا طبعا من سابع المستحيلات، فمن يضمن ان تلتزم اسرائيل بما وقعت عليه، وليس من مزايا اسرائيل احترام عهود أو وعود.. ومن يضمن ألا تماطل ولن تسوف.. واتفاق اوسلو المشؤوم الذي وقع في "مركز الكون.. البيت الابيض" وتحت رعاية " شرطي العالم الوحيد" لا يزال ماثلا امام الاعين.. 22 عاما مرت على توقيعه والوضع الفلسطيني إلى الوراء.. فلا اسرائيل به التزمت ولا أراض حررت ولا دولة قامت.. وحتى لا نبعد كثيرا.. فنحن امام اتفاق عمره عام فقط وقع في القاهرة لوقف اطلاق النار في حرب الصيف الماضي، اتفاق لم يجف حبره بعد.. لم تلتزم اسرائيل بأي من بنوده، أو ما اتفق عليه، بل وتنتهكه كل يوم.. فلا تزال تتوغل وتجرف الاراضي وترعب المزارعين في شرق غزة، وتطلق النيران على صياديها في الغرب. ولم تسمح بتوسيع رقعة الصيد إلى 12 ميلا بحريا، كما نص على ذلك الاتفاق، بل عملت من جانب واحد على تقليصه من ستة أميال، كما اتفق عليه إلى أربعة واحيانا أقل.

ثمة إجماع فلسطيني على ان بلير كذاب ومخادع وخادم للصهيونية… وبالتأكيد أن ثمة إجماعا فلسطينيا على أنه إن كان لدى اسرائيل أي مزايا فليس من بينها احترام العهود او الالتزام بالتواقيع أو تنفيذ الاتفاقات.. والشواهد كثيرة لمن يريد أن يرى…؟. وهذا يجعلنا نتساءل عن الاسباب وراء هذا الإصرار من جانب حماس على الإبقاء على هذا المسار؟

كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"

علي الصالح