حينما اتحدث عن البانتوستانات ، ارجع بذاكرتي التاريخية الى اماكن العزل العنصرية التي كانت تفرض على الملونين بجنوب أفريقيا ، ولكننا نتحدث عن منطقة ربما نعتبرها اشد قسوة من تلك المناطق المتحدث عنا هناك ..
انها منطق حكر الجامع الواقعة الى الجنوب الشرقي من مدينة دير البلح التاريخية في المنطقة الوسطى من قطاع غزة ، تلك المنطقة التي يعيش فيها قرابة 45 الف نسمة في بيوت غالبيتها من الصفيح (الزينجو) المتلاصق بمساحة لا تزيد عن واحد كيلومتر فقط ،في منطقة معدومة من ادنى متطلبات الحياة ..
خرجت بجولة الى تلك المنطقة بهدف التعرف على طبيعة العيش هناك وملامسة مشاكل الناس ومآسي عيشهم على ارض الواقع فوجدت ما عين رأت في عصرنا المخادع وممكن تلخيصها بالتالي :
- اطفال تلهو بالشوارع الضيقة وتلعب كرة القدم بين البيوت بمساحة لا تتعدى المترين .
- اناس كثيرة تعيش ببيوت جدرانها واسقفها من الصفيح الذى يغلى من حر الصيف القاسي ولا تحمي من قرصات البرد الزاحف ، ليجعل من الاطفال عرضة للمرض والموت ، وبعض بيوت متناثرة من الطين ، إلا من وجد لديه القدرة على البناء في بيوت ضيقة دون ارتداد ولا تهوية مناسبة فيها ..
- يعتمد غالبية سكان حكر الجامع على الاقتصاد المنزلي ، فبرغم ضيق منازلهم الا انه لا يخلو بيت من تربية حيوانات وطيور داجنة ، وبعض من الحمير التي تربي كمصدر رزق يعتمدونها حين الذهاب للعمل في الحقول المجاورة..
- الزائر لمنطقة حكر الجامع يجد ظاهرة الافران الطينية الفلسطينية التراثية متلازمة مع غالبية البيوت ، والتي يصاحبها اكوام من الحطب المختلف اشكاله ، ليتسنى للمرأة الفلسطينية هناك اعداد ما يتسنى لها من طعام ، عدا عن القهوة التراثية المشتهرة بمجالس الرجال هناك ..
- غالبية سكان هذه المنطقة من القبائل الفلسطينية التي هاجرت من بئر السبع بعد طردهم من ديارهم ومراعيهم ابان نكبة فلسطين 1948 م ليعيشوا نكبة اخرى غير نكبة اللجوء والتشريد والطرد ، انها نكبة المستوطنات التي لازمت هذا الحكر الفقير حيث وضع الاحتلال مستوطنة كفر الداروم ملاصقة لحكر الجامع من الجهة الشرقية ، تلك المستوطنة التي ربضت على أراضي المواطنين هناك ومنعت عن السكان الاصليين الماء والهواء وكل متنفس ، ولم يتنفس اهالي الحكر الصعداء قليلا الا حين اندحر المستوطنين من تلك المنطقة عام 2005م ، ومع موجات الحصار المتتابعة كتب على أهالي حكر الجامع ان يصادقوا الفقر المدقع ..
- وفى الجانب الاخر من حدود حكر الجامع ولاسيما حدوده الغربية والشمالية تجد بعض الاختلافات في المعيشة وتطوير البنى التحتية من شوارع وشبكات الري والصرف الصحي ، فمسكت قلمي وصرخت لكم من المسئول عن تلك الباستونات الغزية ، هل الحصار ام الاحتلال ام الانقسام ام الفقر ام ؟؟؟؟؟
بقلم/ د. ناصر اسماعيل اليافاوي